لا يخفى على أحد ما للأمثال الشعبية من سحر وحضور لا يستهان به، خاصة على ألسنة كبار السن في المجالس والمناسبات العامة أو الخاصة، إذ تعبر هذه الأمثال عن الحدث بطريقة جذابة تلفت الانتباه، وتحملنا معها في رحلة سريعة عبر التاريخ.
"إخلاص ول صدفة"
يضربون هذا المثل لمن وطَّن نفسه على الصبر وكظم الغيظ، رجاء أن ينصفه القاضي ويقتص له من غريمه، ولما لم يجد لذلك بارقة أمل، قرر مبادرة غريمه وأخذ حقه بنفسه.
وقصة هذا المثل أن تاجرًا ممن اشتهروا بالشجاعة واللياقة البدنية، شكا صحفيًّا للقاضي، بعد أن قذفه واتهمه بالفساد والاحتيال على الصفقات العمومية، مطالبًا بالتحقيق في الدعوى، ثم كشف مسار القضية وإدانة الجاني وتغريمه، فلم يبالِ القاضي بدعواه، ورأى أن توقيف الصحفي قد يعد انتهاكًا لحرية الصحافة، وما يعنيه ذلك من تراجع حرية الصحافة في البلاد.
ثم شكا الصحفي من غريم له، فانعقد لذلك مجلس القاضي، وصدر الحكم بسجن الخصم 6 أشهر وتغريمه مبلغًا باهظًا، فعندها اتهم ول صدفة القاضي بممالأة الصحفي، ولم يجد بدًّا من أخذ حقه بنفسه، فكمن للصحفي وانتظره حتى فرغ من عمله وغادر محطة البث التلفزيوني، فأخذ بتلابيبه وضربه برأسه ضربة أسقطت أسنانه، ثم غادر -دون أن يناله أذى- وأبلغ الشرطة بما جرى، لتستلم منه المحضر وتطلق سراحه مؤقتًا، ريثما يتعافى غريمه ويبت القاضي في أمرهما.
وفي هذا يقول الشاعر:
ولما رأيت القوم لا ينصفونني ** وقد بان أن الحق لي لا يجانب
عزمت عزيمة ابن صدف الذي ** رأى مجابهة العدى خيارًا يناسب
فنال الذي هوى وأشفى غليله ** وعاد عزيزًا لم ترعه الثعالب
وقد كانوا يقولون -والشيء بالشيء يذكر- "تزبوت أولاد أحمد" لمن تطاول عليه غريمه وقرر تأديبه، دون أن يلجأ للسحر أو ما يسمونه "السبة الخفية"، و"التزبوت" بزاي أعجمية مفخمة: عمل خفي كسحر أو مكيدة، يقوم به المجني عليه لينتقم من الجاني.
وقصة هذا المثل أن قبيلة من "بني حسان" عرفت بقوة الشكيمة والصبر ساعة النزال، كانوا لا ينال منهم أحد شيئًا يكرهونه إلا عاجلوه بالانتقام، ولم يكونوا يقيمون على الضيم، وكأنهم المعنيون بقول المتلمس:
وَلَن يُقيمَ عَلى خَسفٍ يُسامُ بِهِ ** إِلّا الأَذَلّانِ عيرُ الأَهلِ وَالوَتِدُ
هَذا عَلى الخَسفِ مَربوطٌ بِرُمَّتهِ ** وَذا يُشَجُّ فما يَرثي لَهُ أَحَدُ
ولم يكونوا يؤمنون بالسحر ولا الشعوذة، ويرونهما حيلة العاجز عن النزال، فهابهم الشعراء والأمراء وصاروا مضرب الأمثال .
👍👍
هذا مثل حديث لم يكن معروفا
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.