من أعظم المآسي في زماننا هذا، انشغال كثير من الأمهات عن أطفالهن، لا سيما في مرحلة الطفولة المبكرة، تلك المرحلة التي يكون الطفل فيها بأمس الحاجة لوجود والديه بالقرب منه؛ يداعبانه ويلاعبانه ويشاركانه لعبته المفضلة واهتماماته، ويشبعان احتياجاته من الحب والشعور بالأمان. حتى إن الغرب الذي روَّج لفكرة عمل المرأة، صار الآن يدعو لضرورة إعادة دور الوالدين في التربية والتعليم أيضًا، بعد ما رأى نتائج خروجها للعمل وتخليها عن مسؤولية تربية الأبناء.
في هذا المقال، سنتناول الأسباب التي تدفع الأمهات للانشغال عن أطفالهن، وأبرز العواقب النفسية والاجتماعية المترتبة على ذلك، كما سنستعرض كيف يمكن للأهل الموازنة بين مسؤوليات الحياة اليومية وتوفير الرعاية الكافية لأطفالهم، مع عرض حلول عملية لمعالجة هذه القضية المهمة.
خطورة انشغال الأمهات عن تربية الأبناء
للأسف، فإن الحقيقة المُرة هنا ليست فقط في خروج المرأة إلى العمل، وقضاء الساعات خارج البيت مع إلحاق الطفل بالروضة في سن مبكرة، أو الاستعانة بمربية له في البيت لتحل محلها في تربية طفلها، بل المأساة الأكبر هي تلك الأم غير العاملة التي تنشغل عن أطفالها لأي سبب من الأسباب، فتهمل تربيته، وتهذيبه، وتقويم سلوكياته الخاطئة، ومشاركته ألعابه المفضلة، ووقته وعمره.
هذه النوعية من الأمهات تجدها تقضي الساعات أمام الشاشات بأنواعها المختلفة، تارة تتحدث إلى صحباتها أو صديقاتها أو أختها، بالساعات تنقل لها تقريرًا مفصلًا عن يومها، منذ أن استيقظت حتى خلود الأطفال إلى النوم في المساء، أو الجلوس بالساعات لمشاهدة الدراما والمسلسلات وترك الطفل أمام شاشة الهاتف النقال، لا تعرف ما يشاهده، ولا أضرار الجلوس بالساعات أمام هذا الجهاز شديد الخطر الذي ينقل إليه العالم بمختلف ثقافاته وأفكاره وقيمه.
لقد أدرك الغرب نفسه -صاحب فكرة عمل المرأة- خطورة ذلك على الطفل، حتى تعالت الصيحات مجددًا نحو إعادة دور الوالدين في التربية، والتعليم أيضًا، حتى عبَّر عن ذلك وزير التعليم السابق في الولايات المتحدة الأمريكية، تيرل بال، قائلًا: "إن انهيار مستوى التعليم في المدارس الأمريكية في بعض من جوانبه، يظهر إلى حد ما طبيعة التقلبات على مستوى الأسرة، فلدينا أسر كثيرة يعمل فيها كلا الوالدين، وأسر كثيرة أيضًا لا يديرها إلا شخص واحد، سواء كان أبًا أو أمًا".
أما جورج دي فوس -الأستاذ بجامعة كاليفورنيا الأمريكية- فيقول: "إن الأم اليابانية عنصر كبير الأهمية والتأثير في تربية أطفالها؛ لأنها تجعل من نفسها المسؤول الوحيد عن تعليمه، وتدعم بقوة دور المدرس، وإن تربية الطفل تبدأ منذ الولادة".
وجود الوالدين ومشكلات أطفالهم النفسية
لسلوك الوالدين عظيم التأثير في شخصية الأبناء، بل ونفسيته أيضًا، إذ إن طريقة تربية الطفل والأساليب التي يتبعها الوالدان في ذلك من شأنها أن ترسم نفسية الطفل سلبًا أو إيجابًا؛ فالتسلط وفرض سيطرة الوالدين على الأبناء، وعدم ترك مجال لكي يعبروا عن أنفسهم، ويبدوا آراءهم، والتدخل في كل صغيرة وكبيرة، من شأنه أن يُخرج أطفالًا غير أسوياء، يعانون مشكلات نفسية قد تصل حد الاكتئاب.
في المقابل، فإن التدليل الزائد والحماية الزائدة -تمامًا كالقسوة في التربية- نتائجهما سلبية وعواقبهما وخيمة، ويُخرج طفلًا اتكاليًا ليست لديه القدرة على الاعتماد على نفسه، فينشأ ضعيف الشخصية، مهزوز الثقة، غير قادر على اتخاذ القرار الصحيح.
إهمال تربية الطفل، وتلبية احتياجاته، والانشغال عنه، من أشد أنواع الإساءة للطفل الذي هو بعمر الزهور، يحتاج الرعاية والتربية وتقويم السلوكيات. فإن أحسن كافأناه، وإن أساء عاقبناه، فيتعلم السلوكيات المقبولة والأخرى التي يرفضها المجتمع، فيتوقف عنها.
من بين الأشياء التي تؤثر على نفسية الطفل، التفرقة في المعاملة وتمييز بعض الأبناء أو أحدهم على أخيه؛ فتنتج الكراهية والعداء حتى بين الإخوة، في الوقت الذي يُفترض أن يكون الأخ سندًا لأخيه، يواسيه، يشاركه همومه وأفراحه، يدعمه ويشجعه وقتما يحتاج الدعم والمساندة.
الوسطية والاعتدال في تربية الأبناء
إن الوسطية والاعتدال ليست فقط في التربية، ولكن في كل أمور حياتنا، هي السبيل الوحيد لتنشئة أطفال أسوياء، دون إفراط أو تفريط. فممَّا لا شكَّ فيه أن الرحمة إذا دخلت قلوب الوالدين، فإنها تفيض على أطفالهم الذين بدورهم يتعاملون بها مع من حولهم.
لقد جاءت دعوة الأديان السماوية كافة إلى الوسطية والاعتدال في كل أمور الحياة، كونها الطريق الأفضل. لم تظهر مشكلات التربية إلا عندما تخلى الوالدان عن هذا النهج الرباني في تربية الأبناء، فظهر بعضهم مفرطًا، قاسيًا، فظًا، غليظًا، والبعض الآخر متساهلًا، مهملًا، مقصرًا في تربية أبنائه، فكانت النتيجة في كلاهما واحدة، وهي سوء التربية والخلق التي يعانيها كثير من الأبناء في هذا الزمان.
وأنتم، أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم بالتعليقات في أفضل الأساليب في تربية الأبناء من واقع خبرة وتجربة مع أطفالكم.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.