ما سبب حدوث ظاهرة «ديجاڤو»؟

هل شعرت في لحظة ما أنك قد شهدت حدوث ذلك الموقف من قبل؟ مثلما أنك قابلت شخصًا غريبًا، لكنك شعرت فجأة وكأنك "رأيت هذه الأخت من قبل". أو ربما بعد قراءة تلك السطور، تصفع الطاولة أمامك من فرط دهشتك وتقول: "لقد حلمت بهذا!".

يبدو أن هذا الموقف الذي قد مررت به في الماضي وهم يحدث غالبًا في الحياة اليومية. نطلق على هذه الظاهرة في علم النفس وهم سبق الرؤية "ديجاڤو".

فشل في نظام الذاكرة أم خطأ في الذاكرة؟

لقد حاول العلماء إعادة تجربة ظاهرة ديجاڤو في المختبر. في دراسة أُجريت عام 2006، أنشأ فريق الذاكرة في جامعة ليدز بإنجلترا ذاكرة للذين يخضعون للتنويم المغناطيسي، فمثلًا عند لعب لعبة معينة أو رؤية كلمة ملونة معينة، يقترح الباحثون على الأشخاص في مجموعات مختلفة أن ينسوا أو يتذكروا هذا. فيما بعد، ستحدث ظاهرة ديجاڤو لدى مجموعة الأشخاص الذين تذكروا عندما يرون تلك اللعبة أو الكلمة مرة أخرى.

يحاول بعض العلماء استخدام تقنية الواقع الافتراضي لخلق ظاهرة ديجاڤو. فقد غيرت تلك الدراسة مشهد في لعبة الفيديو ذا سيمز ‏(The Sims) إلى مشهد آخر بالتصميم نفسه، فمثلًا استبدل العلماء جميع الشجيرات في مشهد الحديقة الافتراضي بكومة من القمامة، حتى تصبح الحديقة مكبًّا للقمامة بالتصميم نفسه. وعند المرور بهذا المشهد، قال اللاعبون إن ظاهرة ديجاڤو قد حدثت لهم.

وبناءً على هذه التجارب، بدأ العلماء يعتقدون أن ظاهرة ديجاڤو في الواقع ظاهرة تخص الذاكرة. فقد أدخلنا مشهدًا مشابهًا جدًا للذاكرة، لكننا لم نتمكن من العثور على الذاكرة الدقيقة المقابلة له. لقد تعرف الدماغ على أوجه التشابه بين المشهد الحالي والذاكرة، ما ترك لنا إحساسًا لا يوصف بالألفة.

اقرأ أيضًا: أعشت هذا الشعور من قبل؟

لم يرضَ العلماء عن التفسيرات المذكورة أعلاه، لذلك طرحوا كثيرًا من النظريات، في محاولة لإعطاء أسباب محددة لفشل الذاكرة. تعتقد بعض هذه النظريات أن ظاهرة ديجاڤو تشبه دائرة قصيرة من دوائر الدماغ تؤدي إلى ذاكرة طويلة المدى وقصيرة المدى؛ لذلك لا تبقى المعلومات الجديدة في الذاكرة قصيرة المدى أولًا، بل تحفظ مباشرة في الذاكرة طويلة المدى. توجد أيضًا بعض النظريات التي تعتقد أن هذا يرجع إلى تنشيط قشرة خلف الأنف والقشرة الشمية الداخلية في الدماغ المسؤولة عن إرسال إشارات الألفة على نحو خاطئ دون سيطرة الذاكرة ذات الصلة.

وتقول نظرية أخرى إن ظاهرة ديجاڤو مرتبطة بـ"الذاكرة الخاطئة" التي تبدو حقيقية، لكنها في الحقيقة زائفة. وسيجعلك هذا تشعر بأنه لا يمكنك التمييز بين حدوث شيء هل في الواقع أم في الحلم. ولكن سرعان ما دحضت بحوث المتابعة هذه النظرية.

على سبيل المثال، استخدمت إحدى الدراسات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لفحص أدمغة الأشخاص الذين يعانون ظاهرة ديجاڤو. فإذا كانت هذه الظاهرة مرتبطة بذاكرة خاطئة، فيجب تنشيط مناطق الدماغ المتعلقة بالذاكرة مثل الحُصين، لكنهم اكتشفوا من الفحص أن منطقة الدماغ التي تم تنشيطها بدلًا منها هي المنطقة المرتبطة باتخاذ القرار. يعتقد الباحثون أن السبب في ذلك هو أن الدماغ يحاول حل الصراعات، فيبحث في الذاكرة الماضية لمعرفة ما إذا كان ما مررنا به من موقف قد حدث فعلًا أم لا.

هل يوجد خلل عصبي في الفص الصدغي للدماغ؟

إن الحالة القصوى لظاهرة ديجاڤو حدوث نوبة صرع في الفص الصدغي، وهو خلل عصبي مزمن يحدث عشوائيًّا في الفص الصدغي للدماغ، وغالبًا ما يظهر على أنه صرع بؤري لا يفقد فيه المريض الوعي بل يكون مدركًا في أثناء النوبة، لكن سيكون لديه مشاعر غير طبيعية مشابهة لظاهرة ديجاڤو. ويعتقد بعض العلماء أن تلك الظاهرة هي نوع خفيف من هذا الخلل العصبي.

توجد أيضًا نظريات مفادها أن هذا الشعور الغريب هو في الواقع لمحة عن المستقبل. ذُكر بعض الأشخاص الذين لديهم هذه الظاهرة كما لو أنهم لديهم شعور يمكِّنهم من التنبؤ بالمستقبل. لكن هذه النظريات ليس لها أي أساس علمي، ووفقًا للبحث، فإن معدل نجاح تنبؤات هؤلاء الأشخاص لا يختلف عن كونه تخمينًا أعمى.

هل يجب أن نقلق بشأن ظاهرة ديجاڤو؟ طالما أنها لا علاقة لها بالصرع، فيرى الباحثون أنه لا ضرر في هذا الشعور. في الواقع، يعتقد بعض العلماء أن هذه الظاهرة قد تكون مفيدة إذا حدث ذلك؛ لأن الدماغ يعيد ترتيب الذكريات التي كانت في غير محلها، فقد يشير هذا الشعور الغريب والمرعب إلى أن ذاكرتنا تعمل جيدًا.

اقرأ أيضًا: وهم سبق الرؤية

وفسرت هذه النظرية أيضًا سبب احتمال أن يكون لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا هذه الظاهرة. يدرس علماء بريطانيون حالة شاب لديه ظاهرة ديجاڤو طويلة الأمد، فغالبًا ما يشعر أنه يعيد تجربة المواقف السابقة التي مرَّ بها، وغالبًا ما تصل هذه الظاهرة في كل مرة إلى دقيقة واحدة. فيشعر وكأنه محاصر في فيلم "دوني داركو".

باختصار، إذا كانت ظاهرة ديجاڤو تحدث لك من حين لآخر فقط، فلن يؤثر ذلك على حياتك اليومية، فلا داعي للقلق. بل يمكنك الذهاب لمشاهدة فيلم "Initial D" للشعور بظاهرة ديجاڤو والاستمتاع بهذا الوهم الغريب.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة