أكاد أجزم أن معظم ما نسعى للحصول عليه قد أصبح متاحًا بالمجان بين أيدينا، فإذا نظرنا حولنا اليوم سنجد أن كثيرًا من الأشياء التي كانت تُباع في الماضي أصبحت متاحة بالمجان، بدءًا من الأخبار التي تتسابق في ما بينها على المواقع الإلكترونية، والكتب التي بإمكانك أن تقتنيها باللغة التي تشاء بالمجان في مواقع مجانية عدة.
أما الفن فلا أكثر منه في الوفرة السخية، إذ يمكنك الاستماع إلى شتى ألوان الموسيقى والاستمتاع بالأفلام والمسرحيات والمسلسلات بالمجان على شبكة الإنترنت، فقديمًا كنت مدفوعًا لشراء شرائط الكاسيت والفيديو أو استعارتها مؤقتًا من أحد الأصدقاء، لكن السؤال هنا: كيف حدث هذا؟ هل أصبح العالم أكثر سخاءً فجأة أم أن هناك معادلة خفية نغفل عنها؟
الإنترنت.. بوابة العالم المجاني
إذا قررنا العودة بالزمن إلى الوراء قليلًا، لوجدنا أن الوصول إلى سبل المعرفة والترفيه كان أمرًا مكلفًا للغاية، فشراء كتاب، واستئجار فيلم، أو حتى حضور محاضرة كان يتطلب مبلغًا من المال، لكن مع ثورة الإنترنت تغيرت المعادلة تمامًا وانحازت لرفاهية الإنسان، وأصبحت المكتبات الإلكترونية مملوءة بالكتب المجانية، حتى الجامعات الكبرى كـ"هارفارد" باتت تتيح دوراتها بالمجان لأي شخص في العالم يريد التعلم، وبذلك أصبح لا داعي لتكاليف السفر وخوض رحلة شاقة من أجل طلب العلم.
هل المجانية تعني أنها بلا مقابل مادي مطلق؟
قد يبدو الأمر للوهلة الأولى كأن الشركات أصبحت كريمة فجأة، لكن الحقيقة الصادمة للبعض أنها في الحقيقة تستخدم إستراتيجيات أكثر ذكاء من المستهلك، نحن يهيأ لنا بأننا لا ندفع المال، لكن في باطن الأمر المستتر ندفع بأشياء أخرى أكثر قيمة مثل: بياناتنا الشخصية، وانتباهنا، ووقتنا، حتى الإعلانات أصبحت العملة الجديدة التي تدفع بها الشركات لتقديم خدمات مجانية، إذ يُباع انتباهك للمعلنين مقابل الإبقاء على المحتوى مجانًا بلا كلفة.
استفادت تلك الشركات من الخدمات المجانية، فهي تحصل على الخدمة لكن مع خيارات مدفوعة للحصول على مميزات إضافية، فنجد شركات مثل يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستجرام تقدم لك خدمات مجانية، لكنها تربح مليارات الدولارات من بيع الإعلانات الموجهة بناءً على بياناتك ونشاطك واهتماماتك على شبكة الإنترنت.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ما نحن فيه اليوم سلبي أم إيجابي؟ هل هو حقًّا لمصلحتنا أم العكس صحيح؟
بمنتهى الشفافية الأمر يحمل برمته من الجانبين الإيجابي والسلبي، بمعنى أن المعرفة والترفيه أصبحا متاحين للجميع، ولم يعد المال عائقًا أمام التعلم أو الاستمتاع، لكن الجانب السلبي أن المستخدم العادي لم يعد يتحكم في بياناته، وأصبح هو ذاته السلعة والمنتج الفعلي الذي يبيعونه وينتفعون به، وفي طيات ذلك التطور السريع يبدو أن المجانية تحمل في جعبتها مزيدًا من السيطرة على الإنسان، لكن ربما بثمن أكبر، فالذكاء الاصطناعي والميتافيرس وتقنيات التشفير قد تغير المعادلة، لكن الفكرة الأساسية ستبقى، إذا كان الشيء مجانيًا فأنت غالبًا السلعة الحقيقية.
👍👍👍
💕🪷
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.