يبدي الأبناء منذ نعومة أظفارهم اهتمامًا كبيرًا بما يفعله الآباء، رغبةً منهم في تقليدهم، لِمَ لا، والأب هو المعلم الأول والقدوة الأولى في حياة طفله، فالطفل منذ نعومة أظفاره تسيطر عليه فكرة "أنا أشبه أبي" أو "أنا أشبه أمي"، وحينئذ تتضح أهمية التربية بالقدوة في تربية الأبناء، وتعديل بعض السلوكيات لديهم عبر ما يرونه في سلوكيات الوالدين.
يقول أحد الآباء: كان ابني يحب أن يقلدني في أثناء جلوسي في مكتبة البيت، عندما أقرأ بعض الكتب، وذلك بإحضار أحد الكتب من على الأرفف، ثم يجلس على الكرسي المجاور لي، ويمسك الكتاب بالطريقة التي أمسك بها، بل إنه يرغب في الحصول على نظارة قراءة أسوةً بي.
هذه الرغبة القوية لدى الأبناء في تقليد ومحاكاة الآباء حتى الأمهات منذ الصغر، للأسف لا يُحسن كثيرون منا معاشر الآباء والأمهات استغلالها، إذ يمكن لهذه السلوكيات أن تكون عونًا لنا في تنشئة الأبناء وتقوية أواصر العلاقة بين الآباء والأبناء.
ما سبب تقليد الأبناء للآباء؟
هذا يدفعنا مجددًا إلى طرح هذا السؤال: ما الذي يدفع الأبناء إلى الرغبة في تقليد ومحاكاة الآباء؟ أثار هذا التساؤل فضول علماء النفس منذ قديم الزمان، وسعوا إلى محاولة الإجابة على هذا التساؤل، إلى أن توصلوا إلى أن جانبًا كبيرًا من سعادة الطفل، وحسه بالانتماء في وقت مبكر من طفولته، إنما مبعثه شعوره بـ"أنني مثلك يا أبي، أشبهك في كل شيء" وكذلك الأمهات.
إن هذا الشعور الذي يتولد بداخل الأبناء تجاه الوالدين من شأنه أن يقوي العلاقة بينهما، وأن يظهر الوالدين في صورة مثالية بأعين أبنائهم. مظاهر اهتمام الأبناء بما يفعله الآباء والأمهات تبدو واضحة جلية، في كل يومياتنا، بدءًا من الابنة التي تحاول التشبه بأمها في طريقة لبسها وتسريحة شعرها، والابن يرغب في محاكاة والده وهو يحلق ذقنه أو يصفف شعره أو في أثناء ارتداء ملابسه قبل الذهاب إلى العمل في الصباح.
هنا تتضح أهمية التربية بالقدوة، إذ لا توجد طريقة أفضل لتعليم طفلك أهمية غسل اليدين قبل تناول الطعام من أن تغسل يديك أمامه قبل أن تجلس على مائدة الطعام، أو أن تغسل أسنانك بالفرشاة والمعجون قبل النوم، فيراك الطفل، ويرغب في الحصول على فرشاة خاصة به لتنظيف أسنانه أسوةً بك.
مشاعرك وانفعالاتك تنتقل لأبنائك
هذا على مستوى الأفعال البسيطة التي يمكن أن يراها الطفل ويحاكيها، لكن التقليد قد يتخذ صورًا أكثر تعقيدًا، بحيث يميل الطفل إلى تقليدك في مشاعرك وانفعالاتك، توترك وهدوءك، غضبك وعصبيتك. يقول أحد الآباء في هذا السياق: "لقد تعلمت بسرعة أن أنتبه إلى عاداتي السيئة عندما صار لي ولد".
فكم من أب مدخن أخفى على طفله أنه يدخن، ويتجنب أن يراه طفله ممسكًا بسيجارة بين يديه أو يشم رائحة الدخان في فمه، خشية أن تهتز صورته في عين طفله، أو أن يقلده في ذلك السلوك السيئ الذي يضر بصحته ويبدد ماله، لذلك يقولون: "لا تنهَ عن خلقٍ وتأتي مثله"، إذ كيف لك كأب أن تنهى طفلك عن التدخين ومصاحبة من يدخنون، وأنت تراه يدخن في البيت على مرأى ومسمع الجميع؟
كيف نستغل التقليد والمحاكاة في تنمية الطفل؟
من خلالك يتعلم طفلك كيف يتحكم في انفعالاته، لذلك إذا كنت قادرًا على ضبط انفعالاتك في أشد المواقف إحباطًا، فإن ذلك دون شك سوف ينتقل لطفلك تلقائيًّا. بعض الآباء، للأسف في أثناء مشاهدة مباراة كرة قدم، يجن جنونه، ويغضب لأتفه الأشياء، لمجرد إضاعة فرصة، أو تسديد الكرة على سيئ، وتثور ثائرته. إذا لاحظنا أبناء هذه النوعية من الآباء، نجدهم يكتسبون هذه السلوكيات مثلهم تمامًا عندما يكبرون.
العلاقات الاجتماعية وتكوين صداقات أمور يمكن تعليمها للطفل بالتقليد والمحاكاة، فقط إذا كان قادرًا على التعبير عن مشاعر الحب والتعاطف والمشاركة الوجدانية مع الآخرين.
من الأمور التي تزيد ثقة الطفل بنفسه منذ نعومة أظفاره، إشراكه في اتخاذ القرار. هناك العديد من القرارات التي يتخذها الوالدان في حياتهم اليومية، وهي قرارات ليست مصيرية، لذا يمكن إشراك أطفالنا في صنع القرار، لا سيما أنهم أحد أفراد الأسرة، ومن شأن هذه القرارات أن تمسهم. خيِّر طفلك بين أن تحضر له وجبة سمك على الغداء أم وجبة دجاج. هل تحب أن نذهب إلى النادي في المساء أم نتسوق؟
من الأشياء المهمة أيضًا، أنه يمكن استغلال جانب التقليد والمحاكاة في تحسين سلوكيات الأبناء، فالأب الذي يطلب من طفله أن يحضر له شيئًا، عندما يضيف لطلبه لفظة "من فضلك" أو "لو سمحت"، لا شكَّ بأن الطفل سوف يتعلم أن يطلب بأدب عندما يرغب في الحصول على شيء ما، فيكون ذلك أدعى لأن يُستجاب لطلبه كونه يقدمه بأدب يدل على حسن تربيته.
وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم في التعليقات أسفل هذه المقالة في أهمية التربية بالقدوة في تربية الأبناء، وكيف يكون الآباء والأمهات قدوة ونموذجًا يحتذى لأطفالهم؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.