ما أهم الإصلاحات الاقتصادية في عهد الدولة الحديثة؟

والآن، نعود بالزمان للوراء لنحو 220 عامًا، نرجع إلى عصر محمد علي باشا ومَن بعده من أسرته، ونأخذ فرصة للعودة إلى التاريخ لنتعلم، ولنعرف ما قام به ذلك الرجل الذي طالما ارتبط اسمه بالتطور والحضارة والصناعة والتعليم، نرجع لنرى ماذا فعل "مؤسس مصر الحديثة" كما أطلق على نفسه وأطلق عليه الناس من بعده. فتعالَ لنرى هل فعلًا استحق ذلك اللقب أم أنه مجرد "بروباجندا" أشاعها عن نفسه؟

من محمد علي باشا؟

هو محمد علي باشا المسعود بن إبراهيم آغا القوللي، وُلد في 4 مارس عام 1769 في مدينة "قولة" اليونانية لأبٍ كان رئيس حرس الطرق في مدينته، وقيل: إن والده كان تاجر تبغ، ولكن محمد علي ليس يونانيًّا، بل هو من أسرة ألبانية.

محمد علي

كان لمحمد علي 16 أخًا غيره، ولكنهم كلهم ماتوا ولم يبقَ إلا هو، وبعدها بمدة مات والداه ولم يبقَ غير عمه "طوسون" لكي يكفله، وبعدها توفي عمه أيضًا، ثم كفله "الشوربجي إسماعيل" حاكم المدينة وصديق والده، والتحق بعدها محمد علي بالجيش.

ثم جاءته الفرصة عندما أرسلت الدولة العثمانية كتيبة من الألبان لمصر للدفاع عنها ضد الحملة الفرنسية، وكان هو رئيس الكتيبة، وأظهر التودد والتقوى وحب المصريين والإشفاق عليهم من المعاناة التي يعيشونها في الحياة اليومية، ومن وراء الستار كان يوقع بين المماليك والعثمانيين لكي يظهر هو على الساحة، ثم مرَّ الوقت كما نعرف وأصبح واليًا على مصر.

التطور الاقتصادي في عهد محمد علي 

أدرك محمد علي أمرًا مهمًّا منذ بداية حكمه، وهو أنه لن يقدر أن يبني دولة عظيمة وهو ينتظر من يعطي شعبه اللقمة أو الدواء أو حتى السلاح ليحارب به، لذا قرر الاعتماد على الله ثم على الشعب المصري، فقام بالتالي:

الزراعة

بنى محمد علي الجسور والقناطر، وشق الترع من أجل التنمية الزراعية، وقام بطفرة في مجال الزراعة، فخصص 3000 فدان في وادي الطميلات في محافظة الشرقية لزراعة أشجار التوت من أجل إنتاج حرير دود القز، وأحضر 2000 فلاح وعامل لزراعة أشجار التوت، وأقام من أجل تلك الزراعة نحو 1000 ساقية، بل وأحضر نحو 500 عامل من سوريا ولبنان لتعليم الفلاحين صناعة حرير دود القز، ولم يكتفِ فقط بالزراعة في وادي الطميلات، بل وصل عدد أشجار التوت في مصر عام 1832 إلى ثلاثة ملايين شجرة. 

وشهدت زراعة القطن تقدمًا هائلًا في عهد محمد علي، فالقطن الذي كان يُزرع في مصر كان رديئًا ولا يصلح إلا للتنجيد، وكانت توجد أنواع من القطن عالية الجودة تُزرع في الحدائق للزينة.

وفي عام 1821 عمم محمد علي زراعته وشرائه بأسعار مرتفعة من الفلاحين بعد نصيحة من السيد "جومل"، ذلك الشخص الذي أتى به محمد علي من فرنسا لتنظيم مصانع النسيج، وبعدها أصبحت مصر منافسة لأمريكا في زراعة القطن، وأصبح ثروة زراعية لمصر. 

زراعة القطن

وغرس محمد علي أشجار الزيتون التي كانت نادرة في مصر؛ وذلك لكي ينتج منه الزيوت، ولأنه أيضًا غذاء جيد للجنود، ويقال إن شجر الزيتون في مصر أصبح ينتج بعد ثلاث سنوات فقط، وتلك المدة أقصر من نظيرتها في أي بلد أخرى، وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على جودة الأراضي الزراعية المصرية. وكما غرس محمد علي كثيرًا من الأشجار لاستخدامها في أعمال البناء، وتطوَّر زراعة نبات "النيلة" عن طريق استجلاب البذور الهندية منه.

الصناعة

بعد الزراعة تأتي الصناعة، بإكمال الطريق، وذلك الأمر لم يتوانَ فيه محمد علي، فأقام كثيرًا من المصانع، ومنها مثلًا: 

مصانع للغزل والنسيج

بدأ بناء المصانع للغزل والنسيج في عام 1816 بمنطقة "الخرنفش" بالقاهرة، وأحضر له عمالًا خصيصًا من إيطاليا نظرًا لخبرتهم في الغزل والنسيج، وكان ذلك المصنع مجهزًا في البداية لإنتاج الحرير، ثم تحول لإنتاج الأقمشة والمنسوجات القطنية، واحتوى المصنع أيضًا على ورش للنجارين والخراطين والحدادين، وكان ذلك من أجل صيانة الآلات وإصلاحها.

مصنع بولاق، أو كما كان يسمى "فابريقة مالطا" وذلك لكثرة العمال المالطيين الذين كانوا يعملون فيه، احتوى ذلك المصنع على آلات لغزل القطن، وكان مثل مصنع الخرنفش، يحتوي ورشًا للنجارين والحدادين بغرض الصيانة، واحتوى بجانبه نحو 80 ورشة لتجهيز السفن بمعداتها ومراسيها.

وغير هذين المصنعين، أنشأ كثيرًا من المصانع للمنسوجات والملابس في مناطق عدة من مصر، مثل مصنع إبراهيم باشا بجوار فابريقة مالطا، ومصنع السبتية، ومصنع البركال، ومصنع للأمشاط في حي السيدة زينب، ومصنع الجوخ ببولاق، ومصانع عدة للغزل في شبين الكوم وقليوب والمحلة الكبرى وزفتى وميت غمر ودمياط، ومصنع في "دمنهور" للغزل، ومصنع آخر لغزل الصوف وصنع البطاطين اللازمة للجنود.

إضافة إلى تلك المصانع، أنشأ محمد علي كثيرًا من المصانع في مجالات أخرى، فمثلًا أنشأ مصانع للنحاس، والحديد، ومصانع للسكر، ومصانع كثيرة لا حصر لها للأصباغ، وكانت تستخدم النيلة التي كانت تُزرع في مصر، وما يتبقى منها كان يُصدَّر للخارج.

لقد شهد عهد محمد علي انتعاشًا هائلًا في الصناعة والزراعة والاقتصاد، تقدمت البلاد في عهده لا شك، ولكن العيب الوحيد في سياسته هو نظام الاحتكار، فقد كانت الدولة هي الصانع الوحيد والمزارع الوحيد، وكل المصريين يعملون في المصانع والمزارع بالسخرة؛ ما أثر بالتبعية على جودة وكمية الإنتاج، وأُغلقت للأسف كثير من المصانع في عهده.

فإذا أردنا أن نتعلم درسًا من قصة محمد علي الاقتصادية، فهو أنك إذا كنت صاحب عمل، لا بد أن توافر سبل الراحة للعمال والموظفين، من أجور جيدة وفرص للترقي؛ حتى يشعروا بأن ذلك المكان ملكهم، وهذا عكس ما حدث في عهد محمد علي. فعلى الرغم من التطور الصناعي؛ فإن الإنتاج لم يكن على النحو الأمثل، فلم يشعر العمال سوى أنهم عبيد. ولكن لا يجب أن ننسى أن تلك الصناعات قد قدمت لمصر كثيرًا، يكفي أن منسوجات مصر قد نافست المنسوجات الأوروبية بقوة بالغة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة