هل كان المماليك غزاة أم أشخاصًا وطنيين حكموا البلاد كما لو كانت بلادهم، نحن نعلم أن أصولهم لم تكن مصرية خالصة، بل قدموا من بلاد بعيدة ومن أعراق مختلفة، فإليك في هذا المقال الجواب عن سؤال مُلح: ما أصول المماليك؟ وكيف أثروا في نظام الحكم؟
هل يمكن لأصول شعب معين أن تؤثر في الحكم؟ بالطبع نعم؛ لأنه بناء على الأصل القادم منه هذا الشعب يختار نظام حكمه وكيفية تنظيمه لشؤون البلد، وكيفية البت في المخالفات والمشاحنات سواء بين أفراد الشعب أم بين البلاد والبلاد الأخرى التي تهدف إلى السيطرة عليها.
ما أصول المماليك؟
لنتحدث عن بداية الدولة الأيوبية من زاوية أخرى، ولنرجع إلى الخلف أيام السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي كان يحكم الدولة الأيوبية ومتحكمًا في مفاصلها، وكانت له شعبية طاغية لما قام به ضد الصليبيين في معركة حطين وكثير من المعارك الأخرى التي كانت له الغلبة فيها، والحصول على بيت المقدس بعد أن كان في قبضتهم.
عندما توفي صلاح الدين الأيوبي حدثت انقسامات داخل العائلة الأيوبية، فحرص كل ابن من الأبناء على أن يستحوذ على أكبر قدر من المكاسب، وكان من ضمن المكاسب تقسيم المقاطعات عليهم في مصر والشام، وكان يستقوي كل ابن على أخيه بكل ما أوتي من قوة حتى وصل الحال بالملك الكامل محمد بن عادل أن يستعين بالصليبيين بعد أن تخلص منهم صلاح الدين الأيوبي قبل ذلك، وهذا الباب الذي كان مفتوحًا أمام المماليك لكي ينحدروا إلى مصر من كل حدب وصوب ومن أراض مختلفة وأعراق متعددة.
كان يستعان بالمماليك من أجل الخدمة في الجيش وفي البلاط السلطاني، لكنهم بفضل تفوقهم العسكري وإتقانهم هذه المهارات أصبح لهم شأن كبير في دوائر الحكم، فقد حكم كثيرون منهم في كثير من المناصب القيادية الكبيرة في البلاد سواء على المستوى العسكري أم على المستوى السياسي، وفي القرن الثاني عشر الميلادي زادت أعدادهم على نحو ملحوظ، وكانوا يجمعون في معسكرات معروفة بأسمائهم (المماليك).
من المعروف أن القوة العسكرية والقوة السياسية وجهان لعملة واحدة، وبما أن المماليك كانوا كتلة عسكرية في البلاد، يعتمد عليها في الحروب ضد الصليبيين والتتار وغيرهم من القوى التي كانت تهدد البلاد، فقد أصبح لها ثقل سياسي، فقد تمكنوا من الوصول إلى مراكز صنع القرار في كثير من مؤسسات الدولة، وأصبح وجودهم وقوتهم أمرًا واقعًا لا محالة.
رويدًا رويدًا قُتل توران شاه، وتقلدت شجرة الدر الحكم رسميًا، عندها بدأت رحلة المماليك في الحكم.
كيف أثّرت أصول المماليك في الحكم؟
قد يكون المؤثر الأقوى في حكم المماليك وجودهم المستمر في دوائر الحكم، فلم يكونوا من عامة الشعب، بل كانوا دائمًا في موضع القيادة، ما أثر في حكمهم للبلاد، وفي نظام حكمهم أيضًا، لكن أثرت أصولهم في الوصول إلى الحكم، فهم لم يكونوا من أصل محدد؛ وبالتالي لم يمثلوا خطرًا ظاهرًا للسلطان الأيوبي الذي كان يجلبهم من الخارج، فقد كان يرى أنه يجلب مجرد مجموعة من العبيد البيض ذوي الأجسام القوية لكي ينفعوه في الجيش، ويكوّن بهم جيشًا قويًا يستطيع أن يقابل به أقوى الجيوش والأخطار التي كانت تحيط به من الشرق ومن الغرب.
ما دور المماليك في انتقال الحكم من الأيوبيين إلى حكمهم؟
إن للدولة الأيوبية الفضل في تكوين الدولة المملوكية، لكن لكي تكون العبارة السابقة صحيحة يجب ألا نغفل دور المماليك في الوصول إلى الحكم، فقد كانوا أصحاب طموح، ولم يكتفوا بأن يكونوا مجرد خدّام في البلاط السلطاني أو أن يكونوا مجرد جنود في الجيش أو أصحاب مراكز قيادية متواضعة.
إذن، عند الإجابة عن السؤال: ما دور المماليك في انتقال الحكم من الأيوبيين إلى حكمهم؟ نذكر طموح المماليك في الوصول إلى مراكز قيادية حساسة في الدولة إلى أن تمكنوا من الحكم رسميًا وبمباركة الخليفة العباسي، وقد كان يتسم المماليك بالتكوين الجسماني القوي، ومكنهم هذا بأن يكونوا قوة عسكرية، بل إن قوة الجيش المصرية والشامية كانت تعتمد اعتمادًا كبيرًا على قوة هؤلاء المماليك.
تمكنوا من إقناع الخليفة العباسي أن يبني لهم عاصمة سامراء؛ لتكون معقلهم، وأيضًا تمكن السلطان الصالح نجم الدين أيوب من بناء معسكر في جزيرة الروضة لهم على ضفاف النيل، وبذلك تمكنوا من الحصول على أكثر من مكان يتكتلون فيه ويمثلون قوة موحدة على الرغْم من أنهم قادمون من أعراق وشعوب مختلفة من أواسط آسيا ومن أمكنة أخرى متفرقة.
ولم يكتفِ الحكام الأيوبيون بشراء المماليك الأتراك، وجعلهم في الخدمة العسكرية، بل نظرًا لذكاء كثيرين ودهائهم منهم قرّبهم إليه السلطان، وجعلهم من بطانته؛ وبذلك تمكنوا من الوصول إلى الحكم جزئيًا، وبعد ذلك قويت شوكتهم وتمكنوا من الوصول إلى سُدة الحكم، وبدأت مصر والشام على أيديهم عهدًا جديدًا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.