قد يعتقد البعض أو يظن أن الرجوع إلى استخدام النباتات الطبية في معالجة الأمراض، إنما هو ضرب من التخلف أو الردة، إلا أن الواقع عكس ذلك تمامًا، بالرُّغم من حجم الانتصارات العظيمة التي حقَّقها الطب الحديث، فقد أثبتت البحوث أن الكثير من العقاقير الطبية لها آثار جانبية ضارَّة، ممَّا جعل المؤتمرات الطبية والصيدلانية تنادي بضرورة الحد من تداول هذه الأدوية، والعودة إلى النباتات الطبية، والاهتمام بها؛ بصفتها مصدرًا آمنًا لصناعة العقاقير.
اقرأ أيضاً الحلبة.. أهم فوائدها والقيمة الغذائية لها
الاستخدامات الطبية للأعشاب منذ القدم
لقيت الأعشاب الطبية منذ أقدم الأزمنة تقديرًا كبيرًا لقدرتها على تسكين الألم والشفاء، وما نزال اليوم نعتمد على الخصائص العلاجية للنباتات في نحو 80% من أدويتنا.
وقد طوَّرت مجتمعات العالم على مر السنين تقاليدها المأثورة الخاصَّة بها لفهم النباتات الطبيعية، وطريقة العلاج الطبيعي بها، واستخداماتها.
بعض هذه التقاليد والممارسات الطبية قد تبدو غريبة وفيها شعوذة، وبعضها الآخر يبدو معقولاً وملائمًا، لكنها جميعًا محاولات للتغلُّب على الآلام، والأوجاع، وتحسين نوعية الحياة.
اقرأ أيضاً فوائد شرب الشاي.. تعرف عليها الآن
أهمية الأدوية المستخلصة من النباتات
وما تزال المواد الدوائية ذات المنشأ الطبيعي تحتلُّ مكان الصدارة بين المستحضرات الدوائية المستعملة في الوقاية والعلاج والقسم الأعظم من هذه المواد مستمد من النباتات.
كما تُبيِّن المعلومات أن العالم النباتي مُصَدر لأنواع جديدة من الخامات الدوائية، وتتوجَّه أنظار العلماء في أرجاء العالم كافة إلى النباتات؛ لإيجاد مواد دوائية لعلاج الأمراض شبه المستعصية كالسرطان وغيره.
إن نظرة سريعة لتاريخ العقاقير تُبين أن عدد النباتات الطبية المعروفة كبير جدًا، غير أن الفائدة التي حصل عليها الإنسان منها قليلة حتى الآن، وتأتي أهمية دراسة النباتات الطبية واختيار ما هو نافع منها من كون التداوي بالنباتات الطبية لا ينجم عنه في الغالب أي ضرر، بينما التداوي بالأدوية الكيمائية المنشأ كثير منه ما ينجم عنه نتائج غير مرغوب فيها.
اقرأ أيضاً أسباب حساسية الأطفال وعلاجها وكيفية الوقاية منها
الأدوية العشبية تستعيد شهرتها في الدول المتقدمة
بعد نحو مرور قرنين من الانحدار المتواصل في استخدام الأدوية العشبية، بدأ يحدث أمر غير متوقع أبدًا، فالأعشاب التي طالما كانت الشكل الرئيسي للدواء في البلدان النامية، أخذت تستعيد شهرتها من جديد في العالم المتقدم، حيث يبذل الناس قصارى جهدهم للبقاء معافين في مواجهة الكرب المزمن والتلوث، ولمعالجة المرض بأدوية تعمل بشكل متناغم مع دفاعات الجسم..
وتظهر الإحصاءات أن مزيدًا من الناس في أوروبا وأمريكا وأستراليا وآسيا يلجؤون إلى استشارة اختصاصيين مدربين بالأعشاب، ويستخدمون الأدوية النباتية التي كان يتناولها الآباء والأجداد.
ففي ألمانيا على سبيل المثال، فاقت مبيعات الأدوية العشبية سواء كانت مشتراة بوصفة طبية أم بدون وصفة طبية 3 بلايين دولار في العام 1993، وعلى نطاق أضيق ارتفعت مبيعات الأدوية العشبية في بريطانيا وإسبانيا، وأماكن أخرى مثل: الولايات المتحدة الأمريكية.
اقرأ أيضاً بشرة الوجه الدهنية وكيفية العناية بها
الفرق بين تأثير العناصر الكيميائية والنباتية على جسم المريض
لقد بيَّنت التجارب أن استخلاص العناصر الفعَّالة وعزلها وتنقيتها ومعرفة بُنيتها الكيمائية وتصنيع مثيل لها، لا يعطي ضمانة أن النتيجة ستكون واحدة من حيث التأثير في جسم المريض، كما لو استعملنا العناصر الفعَّالة النباتية؛ لأن الخلاصات النباتية التي تحتوي على جملة من العناصر غالبًا ما تؤثر بشكل مغاير لتأثير عناصر منفردة مفعولة من الخلاصة نفسها، كما أن فعالية المستحضرات النباتية ليست مشروطة بتأثير واحد من العناصر الفعالة في النبات، بل بمجموع العناصر الفعالة التي يحتوي عليها النبات، والتي تقوي أو تضعف أو تغير من تأثير العنصر الرئيسي.
هذا إضافة إلى وجود صيغ في الطبيعة لا يمكن إيجاد البديل عنها بوسائل التصنيع الكيمائي أو الصيدلاني؛ لأننا لا نستطيع تحقيق مثيل لما أوجدته الطبيعة من مركبات في النباتات، ليس هناك من شك في أن العلاجات التي يبتكرها الطب الحديث، يمكن أن توفر فرصة لا مثيل لها في الحالات الشديدة لتفريج العوارض وإنقاذ الأرواح.
وقد وضعت مقالة صحفية في العام 1993 الأوضاع الرهيبة في مستشفى في مدينة سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، التي مزَّقتها الحرب، فالأطباء الذين كانوا يفتقدون الإمدادات والعقاقير الطبية التقليدية أجبروا على استخدام عشبة أوروبية معروفة جدًا، وهي الناردين المخزني كمسكن لآلام الجرحى وكمادة مبنجة.
إن الأدوية الصيدلانية التقليدية تبقي على قيد الحياة، وتضاد العدوى في حالات لا تقدم أنواع العلاجات الأخرى فيها إلا القليل.
فالأساليب الجراحية الحديثة، مثل: الجراحة بالمنظار والجراحة التجميلية، والآلات الكثيرة المتوفرة المستخدمة في تشخيص الأمراض ودعم الحياة، يُمكن استخدامها لتحسين فرص الشفاء من الأمراض أو الإصابات الخطيرة.
اقرأ أيضاً مرض بيلة الكابتون.. الأسباب والأعراض والعلاج
بدء البحث عن نباتات جديدة لعلاج الأمراض
بدأت في الدول المتقدمة توصيات المؤتمرات العلمية تدخل حيز التنفيذ الفعلي، وذلك بقيام فرق من العلماء بالبحث عن نباتات جديدة قد تكون مصدراً للدواء، إضافة إلى جمع كل المعلومات عنها والتي استقوها أحيانًا من سكان المناطق التي جمعت منها هذه النباتات، وبدأ الاهتمام بالتعرُّف على الحكمة في استعمال العقاقير المعروفة لدى قبائل الهنود الحمر، وسكان أفريقيا، والهند، وفلاحي روسيا، وبدو الصحارى.
وتُبيِّن الأبحاث التي أجريت في تنزانيا، أن القردة تبحث في الغابة عن نبات الأسبيلين وتلتهم أوراقه غير المستحبة، وكأنها مكرهة على تناولها، وتُبيِّن بعد إخضاع أوراق هذا النبات إلى التحاليل، أنها تحتوي على نسبة عالية من مادة فعالة هي تياروبرين التي تتميَّز بأنها لا تسمح لأية طفيليات أو فطريات أو بكتيريا أن تعيش فيها، كما تبيَّن من أبحاث العلماء أن أوراق الأسبيلين هذه تتميَّز بفعالية علاجية تضمن القضاء على الأورام السرطانية الصلبة، وتبشر بالشفاء من شتَّى الأورام السرطانية الصلبة التي وقف الطب الحديث عاجزًا أمامها، كما ذكر الدكتور جانزك في تعليق على الفوائد غير المتوقعة التي تعود علينا من النباتات والحيوانات، أنه وجد ثلاثة أنواع من النباتات تحمل إمكانية علاج نقص المناعة المكتسبة أو الإيدز، وأحد هذه النباتات ينمو في غابة مطيرة في أستراليا، والثاني في بنما، والثالث في كوستاريكا.
اقرأ أيضاً أنواع البشرة وطرق علاجها وكيفية الوقاية من مشاكلها
عواقب الاستخدام الخاطئ للنباتات الطبية
تحوي حوانيت العطارة العديد من النباتات الطبية، التي شاع استعمالها في التداوي بين عامة الناس، ولكن دون دراية كافية في الغالب، بالأساس العلمي الذي يُبيِّن مكوناتها الفعَّالة، وفوائدها.
ومجال استعمالها، وطريقة تحضيرها، والجرعة العلاجية والفترة الزمنية اللازمة لتناول الدواء وغيرها.. ودون دراية أيضًا بمضارِّها ومحاذير استعمالها، والمعروف أن الاستعمال غير الصحيح للنباتات الطبية يؤدِّي إلى نتائج ضارة بصحة الإنسان؛ فنبات الجنسنغ الذي شاع استعماله لمعالجة تصلب الشرايين وغيرها.
تبيَّن أن استعماله محفوف بالمخاطر لمن يعانون من ارتفاع ضغط الدم، كما أنه لا يجوز استعماله في الفترة الحارة من السنة.
ويحذر تناوله من قبل من هم دون 16 سنة، ولا نبالغ إذا قلنا أن الكثير من النباتات الطبية قد ارتبط استعمالها بعدم دراية علمية أحيانًا، وبالمبالغة والدجل والشعوذة أحيانًا أخرى، بل أصبح التداوي بالنباتات الطبية في بعض الأحيان "عمل من لا عمل له"، إذ لا يتورع الكثير عن وصف النباتات لمعالجة الكثير من الأمراض دون أساس علمي، ودون معرفة بطريقة التحضير، والجرعة، والفترة الزمنية لتناول العقار، وغيره...
اقرأ أيضاً باستخدام دقيق الشوفان .. نظام صحي لإنقاص الوزن
الأدوية العشبية تنافس الطب التقليدي في علاج بعض الأمراض المزمنة
إن الأدوية التقليدية مثل: الصادات (المضادات الحيوية) التي كانت تتمتَّع فيما مضى بكفاية شبه كاملة ضد العدوى الخطرة، أخذت تضعف فعاليتها، فقد طوَّرت العضويات المعدية على مر السنين مقاومة للأدوية المصنعة، ومن ثم تستخدم اليوم عشبة الأرطماسية على سبيل المثال، لعلاج الملاريا في مناطق من العالم لم تعُد تستجيب فيها الحيوانات الأولية المسببة لهذه العدوى إلى العلاج التقليدي في الغالب.
فيتوفر أدوية مأمونة تحتمل جيدًا الأمراض المزمنة، مثل: الربو، والتهاب المفاصل، ومتلازمة الأمعاء الهيوجة (القولون)، كما أن القلق من الآثار الجانبية للطب الحيوي يشجع الناس على البحث عن أشكال علاج أكثر لطفًا، ويقدر أن ما بين 10_20% من المرضى في مستشفيات الغرب موجودة هناك نتيجة للآثار الجانبية للعلاج الطبي التقليدي.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.