ماهية المتعة ومتعة الوعي.. معلومات لا تعرفها من قبل

ربما تكون المتعة هي إحساس تلقائي عابر بالسعادة مرتبط بنشاط هورموني محدد، لكن المتعة قد تعبر حياتنا أحيانًا دون أن نعيها مليًا فلا يتبقى منها إلا إحساس عابر بالسعادة اللحظية التي قد تنتهي في لحظة النشوء أو بعدها بقليل، ولكننا إذا أعملنا عقلنا ووعينا عند زمن نشوء هذا الإحساس بالمتعة زاد زمان إحساسنا بلحظة المتعة، ولأخذت أبعادًا جديدة في ضوء توصيف العقل لهاوبالتالي فإن اشتراك الوعي بدرجة إيجابية في التعامل مع المتعة يزيد من زمن الإحساس بها وتخليدها في الشعور.

اقرأ أيضًا رحلة السعادة.. كيف يصبح الإنسان سعيداً؟

ماهية المتعة

ولا يتوقف الأمر عند لحظة المتعة، لكنها قد تترسخ في الذاكرة بدرجة كبرى كلما زادت درجة الوعي أو الإحساس العقلي بلحظة المتعة، فمثلًا متعة تناول غذاء لذيذ تزداد كلما قاس العقل هذه المتعة وقارنها بمتع تذوقه لأطعمة أخرى تندرج تحت هذا النوع من الطعام، وهذا المنحى يخالف بلا شك الإرث التاريخي لحياة البشر الذي يربط قوة المتعة والسعادة بمقدار خروجها من دائرة الوعي، فنقول مثلًا "انتشينا بالمتعة" والنشوة تعني الخروج من دائرة الوعي، كما ارتبط سلوك الإحساس بالمتعة بالخروج جزئيًا من دائرة الوعي عن طريق تناول المشروبات المسكرة، فهؤلاء الذين يهربون من مسرح الوعي حتى يزيدوا الإحساس بالمتعة إنما يلجؤون فقط لنسيان لحظات أليمة في حياتهم حتى يحسوا بمتعة اللحظة الحالية، ولكنهم في الحقيقة يخسرون لحظات الوعي بالمتعة.

إذن، إن إعمال العقل بتنشيط الوعي والقياس والمقارنة وقت الإحساس بالمتع الحسية يزيد الشبر الحياتي لهذه المتع، كما يزيد عمق الإحساس بها، وكذا يزيد قوة تذكر المتع بعد انتهائها، وفي جميع الأحوال يعطي هذا النشاط عمقًا واتساعًا ومدًى زمنيًا أكبر للإحساس بالمتع، ولا يتوقف عمل العقل على القياس، لكنه يربط حادث المتعة بالعوامل المصاحبة، فتناول الغذاء مع أناس نحبهم أو في لحظات سعيدة يجلب بلا شك متعة أكبر من تناول الغذاء منفردًا أو في صحبة أناس لا نميل إليهم كثيرًا، ولا شك أن العقل والذاكرة هما اللذان ينفذان عملية الربط هذه، ولكي نُعمل العقل علينا فقط أن نعطيه الوقت اللازم أثناء الحدث، فمثلًا إذا التهمنا الطعام بسرعة كبيرة لن نجد فرصة للعقل كي يقيس ويقارن ويعي، أما إذا تناولنا الطعم بهدوء وتؤدة فإن العقل سيراقب كل استجابة عصبية للطعام، وسيزيد الوعي بها ويرسخ من القدرة على تذكرها.

إذن عندما نشارك العقل في التعامل مع المتعة يزداد إحساسنا بها، بل يتحول إحساسنا من إحساس انقيادي سلبي إلى إحساس قيادي إيجابي، فيمكننا عند إعمال العقل والوعي أن نحصل على متع حسية أكبر وأعمق.

ومن ناحية أخرى إذا استطعنا دائمًا أن نُخضع أحداث المتعة الحسية لنصيب أكبر من عمل العقل والوعي لما اقتصر مكسبنا على مجرد الإحساس الأكبر بالمتعة الحسية، ولكننا في نفس الوقت سنجني متعة جديدة هي متعة الوعي، فتنشيط الوعي في كل لحظة يجعلنا نحس أكثر بمكنون وجوهر الحياة.

إذن، وعينا بالمتعة يجعلنا نجني أقصى ثمار المتعة، وهذا الوعي يولد طاقة إيجابية تجعلنا نبحث عن أعمال جديدة ربما تجني لنا نفس متعة النجاح والإنجاز الذي شعرنا به في المرة الأولى..

اقرأ أيضًا لماذا يجعلنا الحب سعداء؟.. التفسير العلمي لهذا الشعور

ما هو الوعي بالمتعة؟

الوصول إلى درجة الوعي بالمتعة هو الذي يولد فينا طاقة إيجابية جديدة تجعلنا نحاول دائمًا العمل والسعي من جديد في رحلة تستمر باستمرار الحياة، الوعي بالمتعة إذن هو لحظة الإضاءة والإنارة في مسار أحداث الحياة، أما إذا مرت المتعة بلا وعي فكأنها لم تكن أبدًا، فإذا أكلنا أشهى أنواع الطعام دون أن نستمتع بطعمه المميز فلن نجني ثمرة تذوق الطعام الشهي، كما أن ارتباط المتعة بنشاطٍ ما مثل تناول الطعام هو الذي يجعلنا نحرص على استمرارية هذا النشاط، وبالتالي على استمرارية الحياة ذاتها إذا كان هذا النشاط أساسي بالنسبة لها.

وإذا كان ارتباط الوعي بالمتعة هو الذي يضمن الاستفادة الكاملة من طاقتها الإيجابية ووضعها في مصارفها السليمة، فإن عملية الوعي في حد ذاتها لا تتوقف فقط على قياس درجة المتعة والإحساس بها، ولكنها تمتد لأفق واسع من المعرفة والوعي، ولا تتوقف على المتع والملذات الحسية، ولكنها تمتد لتشمل فهم سياق الحياة، والوعي بالكون الذي نعيش فيه، والحياة التي نحيا من خلالها، هذا الوعي يخلق في السحابة الفكرية والشعورية للإنسان عالمًا آخر من الوجود، وكلما زاد وعي الإنسان بالعالم الذي يعيش فيه، والحياة التي يسبح في بحارها تولدت لديه متعة أسمى وأقوى من متع الملذات الحسية.

إذن، إذا اقتصرت حياتنا على المتع الحسية مثل المأكل والمشرب والعلاقات الحميمة فلن نستمتع أبدًا بالقيمة الكبرى والعليا لمتعة الوعي..

اقرأ أيضًا أين المتعة في القراءة؟

ما هي متعة الوعي؟

متعة الوعي هي المتعة الكبرى التي لا تشمل فقط كل المتع، لكنها تمتد وتتصاعد إلى سماوات عليا من الفهم والوعي، ونحن في هذا لا نفعل أكثر من استخدام الصندوق السري المسمّى بالعقل الذي لديه القدرة على الوعي والفهم إذا دُرِّب واحتُرم وتوفرت المادة والمناخ الثقافي لتغذيته وإشباعه وتركه يعمل في جو من الحرية والاحترام والسلام.

نحتاج إذن إلى توجيه النشء كي تكون متعة الوعي هي قائدهم في رحلة الحياة، وهي لا تعني أبدًا هجر المتع الحسية، لكنها تضعها في حجمها الصحيح، كما أن متعة الوعي ليست فقط في الإحساس الإيجابي بالوجود، لكنها تضمن وجود الدافع والمناخ لعمل العقل باستمرار وتوازن، فهي لن تقضي أبدًا على المتع الحسية، لكنها فقط تحرر الإنسان من سطوة هذه المتع، وتتسامى به إلى متع أكبر تنير له الطريق كي يعمل دائمًا في حرية ووعي وليس تحت تأثر إدمان المتع الحسية، إذن فتحُ مناهل الثقافة لعقول مدربة على الفهم قد يكون الضامن للوصول إلى متعة الوعي، ومتعة الوعي هي من تفجر الطاقات الإيجابية في الإنسان، ليس فقط في العمل والكفاح من أجل الدفاع عن الوجود، لكن بدرجة عليا في السعي نحو فتح أبواب الإبداع والابتكار والتطور السريع في عالم جديد يبحث دائمًا عن الجديد والبديع، هؤلاء الذين يصلون إلى متعة الوعي هم الذين يعيشون في مناخ سيكولوجي صحي وآمن، وهم من يستطيعون قيادة الآخرين في قهر التحديات وتحقيق الغايات.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مساء السعادة والتوكل على الله
كل عام وحضرتك بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك اعاده الله عليكم وعلينا بالخير واليمن والبركات بإذن الله تعالى
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

خالص تحياتي دكتور ممدوح..كل عام وأنتم بألف خير
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة