ماهية الزمن (رصيد ثابت في حساب السيولة المعرفية) ج2

  قد يخالج المرء -لا سيما غير المتخصصين- عند ولوجه على الزمن من بوابة أو باب العلم شعور بالحرج مشفوعًا بالملل والسآمة وربما الكآبة والضيق، والرغبة المُلحة في المغادرة حتى قبل معاينة الأرجاء ومعرفة المكان.

 مردُّ هذا الشعور -في نظري- هو غياب حفاوة الاستقبال والصلف الذي قد يلقاه القادم أو الضيف من قبل بعضِ -قلتُ البعضَ- رهبان العلم، وإصرارهم الدائم على أسلوب الرطانة العلمية، والتعمد في تعقيد البسيط؛ عبر استخدام معاجمهم الخاصة لا سيما عند أول لقاء، وفي الحديث عن ماذا؟ عن الزمن؛ ليتولد مباشرة إحساس الدونية والغربة لدى الضيف، ومن ثم الرغبة في الهروب والدخول من بوابة أخرى!

اقرأ أيضًا القراءة على سبعة أحرف.. ماهية الزمن (رصيد ثابت في حساب السيولة المعرفية) ج1

كتاب العلم والزمن

 في الحقيقة.. إن الأمر مع إميل توفيق في باب (العلم والزمن) لم يكن كل الوقت على هذه الشاكلة من التعقيد، خلا بعض المشادات والاشتباكات البسيطة مع المعادلات والأرقام، لم يكن للرجل يدٌ فيها!

 اسمعوا.. دعونا الآن من الكلام عن (الزمن والعلم) فما فات مات، ولنبارح هذه البوابة، ولندخل إلى الزمن مباشرة من باب أو "بوابة الفلاسفة".

 يبدأ المؤلف هذا الفصل بالحديث عن.. (المكان والزمان كموضوع معرفي بين نظريتين) حيث يقول: "طالما كان بحث الفلاسفة في إمكانية المعرفة واقعًا بين نظريتين إحداهما واقعية realistic والأخرى مثالية idealistic. ومجال البحث في الزمان والمكان تنقسم فيه الآراء إلى واقعية ومثالية أي إلى (تجريبية empiricism، وعقلية rationalism).

 الرأي الواقعي يقول: إن المدركات الحسية تنبثق من الأشياء أو الموضوعات كالنجوم والمعادن، والجبال والبحار... إلخ، فهي توجد خارج عقولنا، ولا تتوقف على هذه العقول، وسوف تبقى حتى إذا كفَّ إحساسنا نحن بوجودها، وفي الإمكان أن يحس بها غيرنا أو عقول غيرنا.

 وعلى ذلك فالرأي ينسحب أيضًا على الزمان والمكان، فإن لهما وجودًا واقعيًّا مثل الأجسام المادية الخارجية -فهي وجدت قبل وجود العقل في العالم- وهي ستبقى في العالم حتى بعد أن يفنى العالم، أو تذهب جميع العقول.

وباختصار فالعقل الواقعي (أو الأمبيريقي) يرى أن المعرفة الحقيقية إنما تأتينا عن طريق الخبرة الحسية - ويدخل فيها موضوع الزمان والمكان".. انتهى الاقتباس.

 يستأنف بعد ذلك المؤلف عملية الشرح والتفصيل مستعرضًا آراء المدارس والفلاسفة ابتداء من جماعة العقليين أو المثاليين وعلى رأسهم (ديكارت)، مرورًا بنيقولاس وجيوردانو برون، وليبتنز وصولًا إلى جون لوك، وكانط، وبرجسون.

 ولتوسيع دائرة نقاشه يستطرد إميل توفيق حديثه في مباحث منفصلة عبر هذا الفصل تبدأ بمبحث (الحضارة من خلال التطور الزمن العضوي) وعرض مختصر لنظرات الفيلسوف الألماني (أرنست كاسيرر)، ثم مبحث عن (تطور الإدراك للزمن العضوي أو الذاكرة)، (فاتجاه الزمن)، و(الزمن البيولوجي)، و(آلات ضبط الزمن عند الحشرات)، و(الزمن السيكولوجي).

اقرأ أيضًا صراع الإنسان والزمن.. أين المفر؟

فلسفة الزمن

 انتظروا قليلًا.. إني أسمع همسًا بينكم يردد الآن: لعمري يا هذا أنت لكما قال ذاك الشاعر: "ما زدت -بعد الجهد- على أن فسرت الماء بالماء"!.

 مالك تعاود تذكِّرنا بما جاء في الفهرس آنفًا، ألا قرأت علينا شيئًا مما تراطن به أولئك الفلاسفة حول هذه العناوين؟!

  أَتراك تتحامل على العلم وتنحاز إلى آراء الفلاسفة ولا تنوي كشف مثالبها؟

  أم تراك قد عجزت عن فهم تلك الآراء وتخشى القول إن الفلسفة ما إلا ضرب من ضروب الرطانة أيضًا؟!

 مهلًا.. مهلًا.. على رسلكم يا قوم!

 أولًا

عدم الموضوعية قد ينشأ عندما يُقدم المرء على عرض أطروحات هي من بنات أفكاره، لكن في حالتي هذه إنما أنا ناقلٌ عن ناقلٍ، ووظيفتي تنحصر في الإحالة إلى كتاب قرأته، وأتمنى أن يقرأه غيري فقط؛ لذا فالتهمة بعيدة عني كل البعد.

 ثانيًا

أنا لست (رجل نُتَفة)! والقول إني عاجز عن فهم آراء الفلاسفة فيه تحامل، ولو عرضت كل الآراء؛ لخالفت الغرض من هذه المقالات وهو التشجيع على المطالعة المعمقة بالرجوع إلى المصدر المذكور؛ ثم إن استحضار كافة التفصيل -وهذه وظيفة المجلات العلمية المتخصصة- سيحوِّل هذا المقال إلى بحث أو ورقة علمية؛ مخالفًا بذلك شروط النشر في هذا الموقع..

ثالثًا

إن التراطن -وهذا رأي كثير من المتخصصين- مأخذ من مآخذ شتى لا يمكن تجاهله عند الكلام عن مناهج البحث في التفكير الفلسفي عمومًا!

  عليه أرجوكم لنترك هذا السجال الآن جانبًا؛ فلقد جفف العلماء والفلاسفة حلوقنا، من جراء هذا التفكير المجرد والرطانة المعجمية، سواء أكان عبر المعادلات أو الكلمات فالأمر سيان؛ ولنحط الرحال أخيرًا في محطة المرطبات الأدبية والفنية.

 أعني فلنيمم وجوهنا صوب بوابة الأدب؛ فللأدباء آراء عميقة عن الزمن لا تقل قيمة عن آراء العلماء والفلاسفة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة