في سنة 195 ميلادية كان في جنوب الأردن شخص يُسمى مالك بن فهم، وهو شاعر محترم ووقور، وله مكانة كبيرة في قبيلته. وقد حدثت مشكلة كبيرة بين أولاد شقيقه وجاره، فاعتدى أولاد شقيقه على جاره وقتلوا كلبه.
غضب مالك بن فهم غضبًا شديدًا، وأقسم ألا يعيش في مكان يتأذى فيه جاره ولا يمكنه أن يدافع عنه. ثم أخذ أبناءه وترك القبيلة في جنوب الأردن ورحل، ولأنه كان رجلًا محبوبًا ومقاتلًا بارعًا لحق به في الطريق أناس كثيرون من قبيلته ليهاجروا معه، وبدأ يتحرك بهم، وكان في كل يوم ينضم له عدد كبير جدًا بسبب عدل مالك بن فهم وقوته.
المواجهة مع الفرس
وجد مالك بن فهم أن أي مكان سينتقل له بهذا العدد سيتم مقاومته بعنف شديد من سكان هذا المكان، فقرر أن يبحث عن مكانٍ خالٍ من السكان. فوصل بقبيلته إلى حدود عمان، وكان يحكمها في هذا الوقت الفرس، فطلب منهم أن يسمحوا له بأن يسكن بجوارهم لكنهم عاملوه باحتقار وطردوه، وأرسلوا قوات تهاجمهم لتبعدهم عن هذه المنطقة، لكنه استطاع أن يقتلهم جميعًا.
فقرر الفرس أن يثأروا لجنودهم ويرسلوا له جيشًا كبيرًا وصل عدده لنحو أربعين ألف مقاتل من الفرس، ومعهم عدد كبير من الفيلة، وكان جيش مالك بن فهم لا يزيد على ثمانية آلاف مقاتل فقط. والتقى الجيشان في معركة تسمى معركة سلوت.
قسَّم مالك بن فهم جيشه إلى ميمنة وميسرة بقيادة اثنين من أولاده، وقاد بنفسه مقدمة الجيش، وأمر المقاتلين أن يقطعوا خراطيم الفيلة، وأمر الرماة أن يصوبوا بالسهام في عيون الفيلة؛ ما جعل الفيلة ترجع بظهرها من الخوف فتقتل مئات المقاتلين من الفرس.
أيضًا هجم جنود مالك بن فهم بشراسة على الفرس؛ لأنهم يعلمون أنهم لو هُزموا ستُقتل أطفالهم وتُغتصب نساؤهم؛ ما مكَّنهم من تحقيق انتصار ساحق هو أول انتصار للعرب على الفرس في التاريخ.
وقد تضمنت هذه المعركة تخطيطًا استراتيجيًّا وخططًا حربية وإدارة رائعة للمعركة، إضافة إلى ذيوع صيت مالك بن فهم وقدراته الكبيرة، حتى إنك لا تعرف هل هي أساطير أم حقيقة. فمثلًا مما قيل أن مالك بن فهم ضرب قائد الفرس ضربة بالسيف قسمه نصفين هو والحصان الذي كان يركبه.
بعد هذه المعركة عقد اتفاقية مع الفرس مكَّنته من الحصول على مساحة كبيرة تكفي قبيلته كلها، وأعلن مالك بن فهم نفسه ملكًا، وكان بهذا أول ملك لعمان.
فلما اشتد ساعده رماني!
كان لمالك بن فهم أحد عشر ابنًا، أصغرهم هو سليمة بن مالك، وكان ابنه المدلل، وكان يعلِّمه الرماية، وكان إخوته يغارون منه ومن حب أبيه له. وقد كان كل ابن من أبنائه يحرسه ليلة كاملة، فقالوا لأبيهم إن أخاهم سليمة ينام في أثناء حراسته، فتسلل مالك بن فهم من خيمته ليلًا ودار حول الخيمة ليعرف إن كان سليمة نائمًا أم لا.
سمع سليمة صوتًا فصوب ناحيته في الظلام، فأصاب أباه الملك مالك بن فهم، فأنشد مالك وهو مصاب يلفظ أنفاسه الأخيرة بيت الشعر المشهور الذي نُسب لكثيرين غيره، والذي يقول فيه:
فيا عجبًا لمن ربيت طفلًا ألقمه بأطراف البنان أُعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
ومات مالك بن فهم سنة 230 ميلادية متأثرًا بجرحه، بعد أن حكم المملكة مدة 62 سنة، وكان ذلك قبل انهيار سد مأرب بنحو ثلاثمائة وعشرين سنة الذي انهار سنة 550 ميلادية.
مالك بن فهم هو جد السلطان قابوس رحمة الله عليه، وهو ما يعني أن سلالة مالك بن فهم تحكم عمان من نحو ألف وسبعمائة سنة.
المصادر
- جمهرة أنساب العرب - ابن حزم الظاهري.
- تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان - نور الدين السالمي.
- ألف معلومة عن عمان وحضارتها عبر العصور - أشرف الوحش.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.