ماريا منتسوري.. عندما يقودك الشغف إلى الطفل

واحدة من المناهج التربوية التي برزت بقوة وأثبتت فاعليتها في مجال تربية الطفل منذ ظهورها مطلع القرن العشرين على يد مؤسسته الطبيبة الإيطالية ماريا منتسوري بفضل النتائج الإيجابية التي حققتها على الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.

 في هذه المقالة سنبدأ الحديث ضمن سلسلة مقالات عن هذه الفلسفة في التربية للتعريف بفلسفة ماريا منتسوري، وإلقاء الضوء على جهودها في مجال رعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وصولًا إلى رواج فلسفتها داخل إيطاليا وخارجها.

من ماريا منتسوري؟

ماريا منتسوري هي الطبيبة الإيطالية الأولى التي تتخرج في كلية الطب في العاصمة روما عام 1896م. وُلدت ماريا بمقاطعة أنكونا في إيطاليا عام 1870م. ومع المضايقات التي تعرضت لها لكونها المرأة الأولى التي تدرس الطب، فإنها تمكَّنت من إنهاء دراستها، وافتتحت عيادتها الخاصة بها.

عملت منتسوري محاضرة بالجامعة، وطبعت محاضراتها العلمية بعد جمعها في كتاب بعنوان "علم الإنسان التربوي" في عام 1910م الذي جاء بعد دراسات مستقلة في علم الإنسان والفلسفة التربوية، فضلًا على ترجمة أعمال جان إيتارد وإدوارد سيجوا إلى الإيطالية، لتبدأ بعدها تطبيق طرائق منهجها وفلسفتها التعليمية على الأطفال العاديين.

اللافت في سيرتها أنها بدأت عملها مع الأطفال، تحديدًا من ذوي الاحتياجات الخاصة -الإعاقة الذهنية- وحققت نجاحًا باهرًا لدرجة أنها قالت عبارتها الشهيرة: "بينما كان الناس في منتهى الإعجاب بنجاح تلاميذي المعتوهين كنت في منتهى الدهشة والعجب لبقاء العاديين من الأطفال في ذلك المستوى الضعيف من التعليم؛ لذلك فإن الطرائق التي نجحت مع المعاقين لو استعملت مع الأطفال العاديين لنجحت نجاحًا باهرًا؛ لهذا صممت أن أبحث الأمر وأدرسه من جميع الوجوه".

تُعدُّ منتسوري إحدى الشخصيات التي وقفت بقوة للدفاع عن حقوق الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، حتى إنها عُينت مُستشارًا للرابطة الوطنية لحماية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

اقرأ أيضًا: تعرف على تأثير ألعاب المنتسوري على الأطفال

المدرسة الأولى للتدريب

شغف منتسوري بذوي الاحتياجات الخاصة قادها في العام 1900م إلى افتتاح المعهد الطبي والتربوي الأول لتدريب وتعريف المعلمين بالطرائق التربوية الملائمة لتعليم هذه الفئة من الأطفال، فقد دأبوا على دراسة علم النفس، التشريح العصبي، وخصائص الإعاقة العقلية.

مثَّل نجاح هذه المدرسة الأولى من نوعها بارقة أمل للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة تحديدًا، والأطفال العاديين عامة ممن يواجهون صعوبات تعليمية. ينبع تحدي منتسوري من إيمانها بالقدرات التي يمتلكها هؤلاء الأطفال، ما جعلها تختار الطلاب الذين رُفضوا للالتحاق بالمدارس العادية بسبب إعاقتهم، ونجحت في تدريبهم وتعليمهم حتى تمكنوا من اجتياز الامتحانات بصفتهم أطفالًا عاديين.

اقرأ أيضًا: السنوات الأولى في عمر الطفل كما تراها ماريا منتسوري

بيت الأطفال

في عام 1906م أتيحت الفرصة لمنتسوري لكي تطبق منهجها التربوي على الأطفال العاديين من طريق تولي الإشراف على مجموعة منهم، قبل أن تفتتح مدرسة "بيت الأطفال" في يناير من عام 1907م سجل نحو 50 - 60 طالبًا بالمدرسة، تتراوح أعمارهم بين الثانية والثالثة أو بين السادسة والسابعة.

أُعدت الفصول على نحو خاص -سيأتي شرحه في مقالة لاحقًا- فأشرفت منتسوري على كل ما يتعلق بالعملية التعليمية بالمدرسة، من الإشراف على التدريس، والأنشطة المهنية وغيرها، وأعطت الطلاب حرية الاختيار، وهو أحد المبادئ التي تبني عليها فلسفتها.

اعتمدت منتسوري داخل الفصول الدراسية للمتعلمين على ملاحظة سلوكياتهم، وجمع هذه الملاحظات عبر مجموعة من البطاقات، وكان من بينها تفضيل الطلاب لمواد منتسوري التعليمية على الألعاب الأخرى.

السؤال الآن: كيف يبدأ اليوم الدراسي في فلسفة أو مدرسة منتسوري؟

بالنظر إلى اليوم الدراسي وفقًا لفلسفة منتسوري نجد أنه يبدأ في الساعة التاسعة صباحًا، وينتهي عند الساعة الرابعة عصرًا، على النحو التالي:

من الساعة 9 إلى الساعة 10ص: تدريب الأطفال على إلقاء التحية، ثم التفتيش على نظافة الأطفال الشخصية، قبل أن يتحدث الأطفال عن يومهم السابق أو يمارسوا الشعائر الدينية.

من الساعة 10 إلى الساعة 11 ص: القيام بالتمارين الفكرية.

من الساعة 11 إلى الساعة 11:30 ص: القيام بالأنشطة والتمارين الرياضية.

من الساعة 11:30 إلى الساعة 12 ظ: استراحة الغداء.

من الساعة 12 ظ إلى الساعة 1 ظ: مدة اللعب للطلاب.

من الساعة الثانية إلى الساعة الثالثة ظ: يقوم الطلاب بأعمال يدوية.

من الساعة الثالثة إلى الساعة الرابعة عصرًا: الغناء واللعب.

بواسطة التقسيم السابق لليوم الدراسي المنتسوري، يمكننا أن نلاحظ أن هذه الفلسفة تولي أهمية كبيرة للمتعلم ودوره في العملية التعليمية، معتمدًا على حواسه في التعلم واكتشاف الأشياء والخبرات الجديدة.

اقرأ أيضًا: تعرف على بيئة التعلم في منهج منتسوري

رواج منهج منتسوري داخل إيطاليا وخارجها

لاقى منهج منتسوري رواجًا سريعًا داخل إيطاليا، ففي عام 1911م، اعتُمد رسميًّا في مدارس إيطاليا العامة، ومنه إلى سويسرا، قبل أن تفتتح عدد من المدارس الخاصة بهذه الفلسفة في العاصمة الفرنسية باريس وعدد من العواصم الأوروبية الأخرى قبل أن تغزو قارات العالم الست.

وشهد العام 1913م عقد الدورة التدريبية الدولية الأولى في العاصمة الإيطالية روما، وعُقدت الدورة الثانية عام 1914م. تُرجمت مؤلفات منتسوري إلى من لغات عدة في هذه المدة، فقد نُشر كتاب بعنوان (طريقة منتسوري: علم أصول التدريس). هذا ونشرت منتسوري كتيبًا باللغة الإنجليزية يحمل فلسفتها وأفكارها بوصفها دليلًا علميًّا لما يمكن تدريسه.

خارج إيطاليا

لاقت فلسفة منتسوري التربوية رواجًا منقطع النظير لا سيما في أمريكا، ففي عام 1911م افتتحت المدرسة الأولى لها في أمريكا الشمالية، وبحلول عام 1913م كان يوجد أكثر من 100 مدرسة تتبع المنهج المنتسوري في أمريكا، قبل أن تسافر إليها منتسوري لإلقاء عدد من المحاضرات التعريفية بالمنهج الجديد.

خلال السنوات اللاحقة سافرت منتسوري إلى عدد من البلدان الغربية، وانتشر صيتها وفلسفتها في كل مكان تذهب إليه، وشاركت في كثير من الدورات التدريبية للمعلمين.

وفاة منتسوري

حصدت مؤسسة المنهج المنتسوري كثيرًا من الجوائز الدولية، منها وسام جوقة الشرف الفرنسي، ووسام الأورانج الهولندي، ومنحتها جامعة أمستردام في هولندا الدكتوراه الفخرية تقديرًا لجهودها التربوية.

وفي السادس من مايو عام 1952 م توفيت منتسوري، تاركة وراءها إرثًا تربويًا هائلًا، لكنه على الرغم من ذلك لم يسلم من النقد.

اقرأ أيضًا: تعرَّف على دور المعلم وفق منهج منتسوري

مقولات منتسوري

نقتبس بعضًا من مقولات رائدة المنهج ومؤسسته التي توضح ملامح فلسفتها ومنهجها التربوي:

يعطينا الطفل درسًا جميلًا، أنه من أجل تكوين ذكائنا والحفاظ عليه، يجب أن نستخدم أيدينا.

إن حساسية الطفل لاستيعاب اللغة كبيرة؛ لدرجة أنه يستطيع اكتساب لغات أجنبية في هذا العمر.

قد يكون معنا قائد عظيم في المستقبل أو عبقري عظيم وستأتي قوته من قوة الطفل الذي هو عليه اليوم. هذه هي الرؤية التي يجب أن تكون لدينا.

النشاط الحر يجعل الأطفال سعداء. يمكننا أن نرى مدى سعادتهم، ولكن ليس حقيقة أنهم سعداء هو المهم؛ المهم هو أن الطفل يمكنه بناء رجل عن طريق هذا النشاط الحر.

يجب أن نحترم الطفل، ويجب أن يفهم أنه محترم، ويجب أن يكون مستعدًّا لكل ما سنقوم به من أجله.

تبدأ الديمقراطية منذ الولادة. يجب أن يعرف الطفل ما سيحدث له، وأنه لن يُلقى القبض عليه فجأة، وأن يُطلب إذنه أولًا.

لا تساعد الطفل أبدًا في مهمة يشعر أنه قادر على النجاح فيها.

أعظم علامة على نجاح المعلم هي أن تكون قادرًا على قول: "يعمل الأطفال الآن كما لو أنني غير موجود".

يجب أن تكون البيئة غنية بالدوافع التي تهتم بالنشاط وتدعو الطفل إلى إجراء تجاربه الخاصة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة