ماذا يحدث للطفل خلال الـ18 شهرًا الأولى من حياته؟

كثيرة هي التغيرات التي تحدث للطفل خلال الثمانية عشر شهرًا الأولى من حياته، سواء في الدماغ أو الجسم أو العواطف أو الشخصية. في كل مرحلة من حياة الطفل تكون لديه القدرات التي تناسب المرحلة. على سبيل المثال، الطفل البالغ من العمر أربعة أسابيع قدراته الجسمية لم تبلغ مرحلة النضج التي تجعله يتحرك باستقلالية، وليست لديه الفكرة والإحساس الواضح بنفسه، كشخص مستقل ومختلف عن الآخرين.

في حين أن طفلًا آخر عمره أربعة عشر شهرًا يمكنه التحرك والجري بحرية واستقلالية، بحيث ينتقل من غرفة لأخرى، ويتحرك ويجري ويلعب كما يشاء، ويعرف تمامًا كيف يجذب انتباهك. كلا الطفلين يستخدمان الإشارات المعبرة عن الاهتمام أو المعاناة أو الرغبة في الحصول على شيء ما، لكن طريقة وأسلوب التنفيذ مختلفة؛ نظرًا لاختلاف المرحلة العمرية، ثَمّ اختلاف قدرات كل منهما.

الطفل منذ الولادة حتى عمر شهرين

بدورهم، خلص العلماء إلى أن الطفل منذ الولادة حتى الشهر الأول والثاني بعد الولادة، ينصبُّ تركيزه على النشاطات الأساسية، كالنوم واليقظة والجوع والشبع والألم، وغيرها مما يخص الناحية الجسمية، وهذا أمر مهم بالنسبة للآباء والأمهات تحديدًا، فبواسطة الإشارات التي يرسلها الطفل تعرف الأم احتياجاته وتلبِّيها على الفور.

العلاقة بين الأم تحديدًا والطفل في الشهور الأولى من حياته أمر غاية في الأهمية، إذ وجد الباحثون أنه خلال الأسابيع الأولى يكون الطفل مبرمجًا على توقع مبادرة الوالدين بإنشاء علاقة بهم، وذلك بمدة متتابعة من الاهتمام بالطفل في كل شؤون حياته. عند انقطاع هذا الاهتمام، بمعنى تجاهل الطفل مدة ما، فإنه يشعر بالغضب والمعاناة؛ كونه يرغب أن يظل دائمًا محور اهتمام مَن حوله.

الطفل من الولادة حتى شهرين

ليس هذا فحسب، بل إن البحوث والدراسات تُظهر أن تركيز الطفل غالبًا ما ينصبُّ على عين الأم وفمها، وهذا يفسر السر وراء انجذاب الطفل لإشارات الأم القادمة إليه بتعبيرات وجهها التي تتشابه وإشاراته هو التي ترتكز أساسًا على منطقة العين والفم.

تكرار هذه العملية تترك أثرًا عميقًا في دماغ الطفل، إذ إن الأصوات والروائح واللمسات من شأنها أن تبني تواصلًا خاصًّا بالطفل، وتضع اللبنات الأولى والأساس الذي سيعمل بها العقل، لذلك فإن إهمال الطفل أو تجاهله خلال الأسابيع الأولى من حياته، يؤثر سلبًا على نحو أو آخر على الاندماج العاطفي مع من حوله. على عكس الطفل الذي يجد من حوله يتحدثون إليه مدة طويلة، ويحاولون تشجيعه على التفاعل معهم، لا شك بأنه غالبًا ما يتمتع بمهارات لغوية جيدة في وقت لاحق.

هل الطفل يستوعب الرسائل القادمة إليه من والديه؟

ما لا يعرفه كثير من الآباء والأمهات أن الطفل يخزِّن جيدًا كل ما يسمعه ويراه ويستدعيه في الوقت المناسب، وأعني هنا اكتمال جهاز النطق مثلًا المسؤول عن إخراج الكلام والتعبير عنه لفظيًّا. بل إن حاسة السمع لدى الطفل تعمل منذ الشهر الرابع، حين يكون الطفل جنينًا في بطن أمه، وهو ما يفسر تحدث الأمهات في أثناء الحمل مع جنينها؛ ما يثير دهشة واستغراب المحيطين بها، وقد يصفونها بالـ"مجنونة"؛ ظنًّا منهم أن الجنين لا يسمع ولا يتواصل مع الأم.

في أول شهرين من حياته، الطفل لا يكون مجرد مستقبل للرسائل القادمة إليه من الوالدين فحسب، بل إنه يتفاعل معها بواسطة إشارات معينة تفهمها الأم. منذ الشهرين الثاني والثالث يستطيع الطفل أن يدرك وجود اختلاف بين الناس الذين يتحدثون إليه، فصوت الأم يختلف عن صوت الجدة، وبدوره يختلف عن صوت أحد الأقارب أو الأصدقاء.

الطفل في المرحلة العمرية من شهرين لـ 7 أشهر

الطفل بدءًا من عمر شهرين إلى سبعة أشهر، يظهر تفاعله بوضوح مع من حوله، فيبدأ مرحلة الأخذ والرد، حتى إنه عندما يناديه أحد باسمه يلتفت إليه ويبتسم له وهكذا. خلال هذه المدة تزداد خبرة الطفل البصرية والسمعية واللمس كذلك، بل إنه يتمكن من الربط بين حركة الأم وصوتها. على سبيل المثال، عندما تقول له الأم "هيا" يدرك أن هذا الصوت مرتبط بحمله.

طفل من شهرين -7شهور

رد فعل الوالدين مهم للغاية، هذه الاستجابة من شأنها أن تنمي مهارة التواصل لدى الطفل. على سبيل المثال إذا ضحك الطفل عندما يرى لعبته المفضلة، هنا يتعين على الوالدين الضحك وإظهار الفرحة والسرور وأن يتحدثا إليه: "هذه عروسة جميلة.. أنت تحب هذه العروسة.. أليس كذلك؟" ثم تعطيه الدبدوب أو العروسة لكي يلعب بها. عندها يظهر الطفل ردة فعله بالابتسامة والحركة والأصوات المعبرة عن هذه الفرحة.

وهذا يعني أنه يجب التحدث إلى الطفل والتجاوب معه كما لو كنت تتحدث لأي شخص آخر، وتُظهر انتباهك واهتمامك وردة فعلك لما يقول. خلال هذه المحادثة البسيطة، فإن حصيلة الطفل من المفردات اللغوية تزداد تدريجيًّا، بحيث إذا اكتمل جهاز النطق لديه أمكنه التحدث والتعبير بكل المعلومات المخزنة في عقله.

الطفل من عمر 7 أشهر لـ 15 شهرًا

خلال هذه المدة تزداد قدرة الطفل على التعبير والتفاعل على نحو أكبر، وتظهر رغبته بوضوح في التفاعل مع من حوله؛ لذلك عندما يصدر الطفل إشارة معينة في هذه المرحلة، فإنه يرغب بالحصول على استجابة من المحيطين به، لكي يعرف أنهم يسمعونه وينتبهون إليه جيدًا، فيشجعه ذلك على مزيد من التواصل والتفاعل. والعكس صحيح، إذا شعر الطفل بالتجاهل والإهمال من الوالدين فإنه يميل إلى العزلة والانطواء، ويؤثر ذلك سلبًا في نمو اللغة لديه على نحو كبير.

تخيل معي هذا المشهد: طفل صغير يبلغ من العمر تسعة أشهر، يحاول الوصول إلى لعبته الموجودة أعلى المنضدة، لكنها بعيدة عنه، فيشد جسمه محاولًا تقصير المسافة، ولأنها فوق المنضدة يصدر صوتًا ما، فتنتبه إليه الأم، التي بدورها تلتفت إليه وتقول له وهي تبتسم "إيه إيه" فما يكون من الطفل إلا أن يظهر فرحته وسعادته، وينظر بسعادة لأمه التي ترفعه لحيث تصبح اللعبة في متناول يده.

طفل من 7-15 شهر

هذا التفاعل بين الأم وطفلها، يوصل رسالة إيجابية للطفل بأن الأم منتبهة له، متفهمة إحباطه لعدم الوصول إلى اللعبة. لكن ماذا لو لم تنتبه الأم وتُظهر أية استجابة لمحاولة طفلها للوصول إلى اللعبة؟ لا شك بأن شعوره بالمعاناة سوف يزداد، حتى إنه قد يبكي ويصرخ للفت انتباه الأم، وحال استمر التجاهل مرات عدة، فإن هذا من شأنه أن يُحدث شرخًا في العلاقة بين الأم وطفلها التي تُظهر تجاهلها وإهمالها لإشارات طفلها، وقد يعتقد الطفل أن مشاعره غير مقبولة أو معيبة.

ولنضرب مثالًا آخر، عندما يسقط طفلك من فوق شيء مرتفع، يبكي ويصرخ بصوت مرتفع، إذا كان رد فعل الأم "إنك بخير.. اطمئن" أو "توقف عن البكاء، أنت بخير، لم يصبك أذى" فإن ذلك من شأنه أن يجعل الطفل يزداد في البكاء، لدرجة أن الأم قد تهدده بأنها ستتركه إن لم يتوقف عن البكاء.

هل يمكن تفسير موقف الأم من طفلها هنا؟

هذه الأم تحاول طمأنة نفسها وليس طفلها، وربما كانت من أتباع المدرسة التي ترى بأن الذكر لا يبكي. أيًّا كانت الأسباب فإن طريقة التعامل في كلتا الحالتين خاطئة، وفيها استخفاف بمشاعر الطفل وإنكار لها من الأساس. استجابات الأم "إنك بخير" أو "لم يصبك أذى" أو "الرجل لا يبكي" هي إنكار لما يشعر به الطفل؛ ما يجعله يشك بمشاعره، إنها توحي بأن مشاعره غير صحيحة، على الرغْم من أنه الشخص الوحيد الذي يمكنه الشعور بها.

التعامل الصحيح للأم في هذا الموقف، هو الإسراع إلى حمل الطفل، وضمه إلى صدرها، وتقبيله بين عينيه وعلى جبهته، ثم تخبره أن السقوط كان مؤلمًا بالتأكيد، وتعتذر له عن انشغالها عنه. هذه الاستجابة من شأنها أن تزيد ثقته بنفسه ومشاعره.

أحيانًا، قد يبدو على الطفل أنه يبالغ في ردة فعله، وهو ما يمكن تفسيره بأن هذا الطفل بحاجة إلى مزيد من الاهتمام من قبل الوالدين.

الطفل بعد عمر الثمانية عشرة شهرًا الأولى

في هذه المرحلة يكون الطفل قد بلغ مرحلة من النضج بحيث يمكنه التعبير بالكلام، للدرجة التي تصيب الوالدين بالذهول عندما يخبرهما طفلهما أنه يكرهما! الذي اختلف فقط هنا هو طريقة التعبير. فبعد أن كان يعبر بالإشارات أصبح اليوم قادرًا على التعبير بالكلام عن شعوره بالمعاناة، وهو ما يجب أن يتقبله الوالدان. خاصة وأن بعض الآباء والأمهات يتأثرون جدًّا بهذه المقولات أكثر مما كانوا يتأثرون بالإشارات؛ لكونها أوقع وأوضح.

في حقيقة الأمر أن صراخ الطفل في مرحلة ما قبل الكلام تحمل المعنى نفسه "أنا أكرهك"غير أن وسيلة التعبير فقط هي التي اختلفت. هنا يتعين على الآباء إظهار ردة الفعل نفسها التي كانوا يُظهرونها عند استخدام الإشارات غير اللفظية.

وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم بالتعليقات أسفل هذه المقالة في أفضل أساليب التعامل مع إشارات الطفل اللفظية وغير اللفظية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.