بينما أنت تسير على الأرض، تعيش عليها، ترنو ببصرك إلى ما حولك، فتجد طرقًا أسمنتية وبناياتٍ شاهقة ومحالَّ تجارية وكثيرًا من الضوضاء. لو أرادت عيناك الهرب من كل ذلك فهي ترتفع إلى أعلى، إلى السماء التي لا نرى منها سوى طبقة واحدة متغيرة الألوان، فتارة تكون زرقاء صافية، وتارة ملبدة بالغيوم، وتارة ثالثة بين هذا وذاك، تمامًا مثل الحياة.
ماذا وراء السماء؟
إننا لا نرى إلا جزءًا بسيطًا من السماء التي هي بداية لعالم أكبر وأوسع قد لا تتخيل أو تتوقع وجوده في الحقيقة، إنه عالم واسع يبدأ من السماء ولا ينتهي.
قد يُهيأ إليك أن السماء قريبة في بعض الأحيان، وأنه يمكنك لمسها إذا ركبت طائرة مثلًا، لكن الحقيقة أن السماء ليست كما تبدو، وأنه لو قُدر لك أن تلمسها فستجد يديك تغوصان وسطها بلا نهاية.
إن السماء محاطة بمجموعة من الغازات غير المرئية لنا، تحمي الأرض من عالم لا نعرفه، كأنها بوابة بينك وبين هذا العالم، لكنها بوابة منيعة تتكون من طبقات عدة من الصعب جدًّا اختراقها.
إن هذه المجموعة من الغازات تُسمى بالغلاف الجوي، وهو القشرة التي تحيط بالسماء بإحكام وتحجبها عن العالم الخارجي.
ممَّ يتكون الغلاف الجوي؟
الغلاف الجوي مجموعة من الغازات أهمها الأكسجين والنيتروجين، وبعض الميثان وثاني أكسيد الكربون، ويتضمن أيضًا غاز الأوزون، ومجموعة أخرى من الغازات بنسب أقل.
إن هذه الغازات هي ما نسميه بـ"الهواء" المحيط بنا الذي يجعل أوراق الأشجار تتساقط في فصل الخريف، في حين ينقل حبوب اللقاح وقت الربيع.
إن الغلاف الجوي هو الطبقة السطحية من السماء التي تراها متغيرة الألوان، فتارة زرقاء صافية، وتارة مائلة للون الرمادي، وتارة ثالثة ممتلئة بالسحب والكتل الهوائية.
ما فوائد الغلاف الجوي؟
الغلاف الجوي لا يحمينا من العالم الخارجي فحسب -وهو ما سنتعرف عليه في مقالات قادمة- بل يحمينا أيضًا من عدة مخاطر أخرى، على سبيل المثال:
- الحماية من أشعة الشمس الضارة: إن هذه الشمس البرتقالية التي تصلنا أشعتها كل يوم، إذا استطاعت اختراق الغلاف الجوي كله ووصلت إلينا كاملة كما هي لاحترقت الأرض بمن عليها وما عليها، لكن الغلاف الجوي يمتص الضارَّ منها ويحبسه فيتسرب إلى الخارج، وما يصلنا هو الشعاع الدافئ الذي نستمتع به في الصباح.
- الحماية من النيازك والأشعة الكونية والغبار: كما يعمل باب منزلك على حمايتك من الغبار والأتربة وكل مخاطر العالم الخارجي، فكذلك يفعل الغلاف الجوي؛ لأن كل ذلك يذوب وسط مجموعة الغازات المكونة للغلاف الجوي قبل أن يصل إلى الأرض.
- مصدر للأكسجين: وهو الغاز اللازم لحياة كل الكائنات الحية، وهو كذلك العنصر الأساسي الذي يعتمد عليه النبات في حياته بواسطة عملية البناء الضوئي.
- تنظيم درجة الحرارة: إن قدرة الغلاف الجوي على امتصاص الأشعة بأنواعها المختلفة القادمة من الخارج تجعله قادرًا على امتصاص الأشعة التي تتسبب في هلاك الكائنات الحية، فكل شيء محسوب، وما يتسرب إلينا من إشعاعات ودرجات حرارة -مهما بلغت شدتها أو قلتها- فهي ما يحتمله الجسد البشري.
فجسد الإنسان غير مهيَّأ لتحمل درجات حرارة معينة تزيد أو تنقص، لكننا نجد ملايين البشر يعيشون وسط الثلوج، ويمارسون حياتهم بصورة عادية، وآخرين يعيشون وسط طقس شديد الحرارة، وأيضًا يمارسون حياتهم على نحو عادي، مع بعض الصعوبات بالطبع لكن الحياة تسير.
وذلك لأن الغلاف الجوي هو المسئول عن توزيع الحرارة على كوكب الأرض، فبعد أن يمتصها من جميع المصادر الخارجية وعلى رأسها الشمس، فإنه ينظِّمها قبل الوصول للأرض، ويمتص الضار منها على نحو يناسب كل الكائنات الحية.
5. التغيرات المناخية المختلفة: وما نراه في فصول العام، حيث هبوط أمطار وثلوج وصقيع في الشتاء، مقارنة بالحر القائظ ودرجات الحرارة العالية وأشعة الشمس الملتهبة في الصيف، وكل هذا التنوع بسبب الغلاف الجوي.
ولا يمكن إرجاع سبب هذا التنوع للغلاف الجوي وحده؛ وذلك حتى لا يثور محبو الصيف أو عاشقو الشتاء، بل إن المتحكم في ذلك هو دوران الأرض حول محورها وحول الشمس، فالغلاف الجوي يقوم بوظيفته من حجب الأشعة الضارة وتسريب المفيد منها، في حين يتحكم دوران الأرض في مدى شدة هذه الحرارة أو قلتها.
هل انتهى الحديث عن الغلاف الجوي؟ بالطبع لا، فما زالت عندنا رحلة مطولة عبر طبقات هذا الغلاف، رحلة يسيرة لكنها -أعدك- ستكون ممتعة.
يمكنك متابعة باقي السلسلة عن طريق الضغط على جملة "عالم فضاء جوّك" أسفل صفحة المقال
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.