نشعر بالحزن عندما تواجهنا مواقف وأفعال نعجز عن الرد عليها، ونشعر بأننا فقدنا القدرة على رد الفعل، ونقف كالخشب المسندة، نترنح من هول الصدمة. فما بالك فعلًا ذاته إذا شعرنا بالقيود تمنعنا من ممارسة الحياة كما تعودنا عليها سنوات طويلة، ثم نجد أنفسنا ندخل مرحلة من الصمت والحيرة والقلق وقلة الحيلة، ونظن أن الجوارح معطلة، وأنه قد تقيدت الذات في ركن مريح تتوقف عنده الحياة بفعل فاعل، وهو العمر.
وتدور في الذهن حلول مستعصية لفك القيد والخروج من فوضى التزاحم بين مشاعر الواقع وذكريات الأمس وسطوته ومكانته وحيويته التي انتهت صلاحيتها بمداد أزرق على ورق رسمي يعلن العبارة الشهيرة: "يُحال للتقاعد"، قرارًا منتظرًا، والغريب أن ينزل علينا كالصاعقة، وكأنه هبط من السماء فجأة.
نشعر بالحزن عندما نبلغ الستين، ونتمنى العودة إلى الوراء من جديد، ونسمي الماضي زمنًا جميلًا، وكأن الحاضر قد فقد جماله ورونقه وعطره، وأظن أن بعضنا حين يفقد الاهتمام بالأشياء الصادقة، ولا يرغب في علاقات حقيقية تروي الرغبة في استمرار الحياة بنفس الطاقة وذات النشوة، يرى الحياة بلا قيمة وبلا معنى.
العمر بعد الستين هو سنوات تنعم بالسلام والهدوء النفسي، وهكذا يجب أن يكون، بالتسامي والتعافي والترفع عن كل فعل لا يهمنا، ومعظم الأفعال في الحياة لا تهم، فقد غلبت السطحية الجد، وسبق الهزل الوقار، وأصبحت الناس تتجمل كثيرًا وتكذب أكثر، وتداري همومها وضعفها بالتظاهر والتباهي بما تمارسه من سلوكيات في الحياة دون اعتبار للقيمة والقيم والتقاليد الأصيلة.
يتقدم العمر، ويواجه الجسد تحديات عصيبة، وقد يفقد العقل نضارته، وتضيع منه الذكريات والأرقام والوجوه والأسماء، ولكن لهذه المرحلة سمات ومميزات، أولها الحرية وفهم الحياة، واستغلال الخبرات والمعرفة التي تشكلت عبر سنوات العمر في صناعة حياة جديدة ومرحلة أفضل، يطلقون عليها "المرحلة الملكية".
من لديه القدرة على التكيُّف مع مراحل العمر المتقدمة سوف يرفض العودة إلى الماضي؛ لأنه سيشعر بتقدير لمسيرة حياته، حتى لو كان تقديرًا خاصًّا نابعًا من ذاته، ويدرك اختياراته على نحو أفضل، وقراره سيكون أكثر حكمة، ويتخلص من كل العلاقات التي ارتبطت بالمصالح والسلطة والنفوذ.
وسوف يجد صديقًا يبادله مشاعره بصدق واهتمام وتفاعل، ويكون لديه المتسع ليعيش حياة أفضل مع أسرته، مع زوجته والأبناء والحفدة، وينقل خبراته بمتعة وسعادة للآخرين، سيكون في بقعة جميلة من الحياة يسبح في مزايا العالم الجديد.
فالتقدم في العمر ليس مرضًا وليس أزمة نعاني منها، بل هو تواصل واستمرار لفعل الحياة، وعلينا دائمًا أن نكون جاهزين لرد الفعل.
الرياضة هى سر النجاح بعد الستين
الاهتمام بالصحة والعناية النفسية .. مهمة جدا بعد الستين
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.