وُلِدَ عارف باشا العارف ب (القدس) في عام 1892 م، فتعلَّم بمدارسها، لاسيما المدرسة الميمونية التي أنشأها (صلاح الدين الأيوبي) بالقرب من باب الساهرة، ثم سافر إلى (إسطنبول) ليكمل دراسته الثانوية، فأتمها في عام 1910 م.
والتحق بالجامعة وتخرج منها في عام 1913 م، وذلك بعد أن تحصل منها على شهادةٍ في الإدارة والسياسة والاقتصاد من الكتب الملكي.
اقرأ أيضًا تجديد أحمد خالد توفيق في الأدب الحديث
بدايته مع مهنة الصحافة
وهناك، امتهن الصحافة ليتحصل منها على نفقاته الدراسية، فعمل بصحيفة (بيام) العثمانية، وقد انتُخِبَ عُضوًا فيما يُعرف بـ(المنتدى الأدبي)، ذلك المنتدى الذي أسسه العرب المقيمون حينها بـ(الآستانة/إسطنبول) عام 1909 م، بغية تحقيق استقلالهم ووحدتهم.
وفور تحصله على درجة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي، عُيِّنَ بديوان الترجمة بنظارة الخارجية في (إسطنبول).
عندما نشبت نيران الحرب الكونية الأولى في عام 1914 م، اقتيدَ (عارف باشا) كغيره ليخدم جيش الدولة العلية العثمانية في (القفقاس)، وذلك بعد أن تدرب في المدرسة الحربية لستة أشهر، وتخرج منها ضابطًا.
وهناك، في ساحة المعركة التي دارت بالقرب من (أرض روم) بين قوات الدولة العثمانية وقوات روسيا القيصرية، وتحديدًا في عام 1915 م، وَقَعَ (عارف) باشا أسيرًا، وأُرسِلَ إلى (سيبيريا)، وتحديدًا إلى مُعتقلٍ في (قرا سنو يارسق) على ضفاف نهر (يني ساي).
فمكث هناك ثلاث سنوات، تعلَّم خلالها اللغة الألمانية من بعض الضباط الألمان الذين وقعوا مثله في الأسر، وتمكن من ترجمة كتابٍ باللغة الألمانية للغة العثمانية، ألا وهو كتاب (Die Welträtsel) لمؤلفه (البروفيسور) (Ernst Häckel)، الذي قد صدر تحت اسم (أسرار الكون/ أسرار جيهان).
وأصدرَ جريدته الهزلية (ناقة الله) في عام 1916 م، لكنها لم تدم سوى عامٍ فقط، فقد أُغلِقت بعد صدور العدد الخامس والأربعين في عام 1917 م، واستمر الحال على هذا المنوال إلى أن لاذ بالفرار.
فتوجه إلى (منشوريا) ثم (اليابان) ومنها إلى (الصين) فـ(الهند) إلى أن وَصَلَ إلى البحر الأحمر فـ(مصر)، في رحلةٍ دامت لأربعة أشهر، وذلك بعد اندلاع الثورة البلشفية في عام 1917 م و التي قد قُتِلَ خلالها القيصر (نيقولا الثاني) وزوجته وأبناؤه على إثرها.
اقرأ أيضًا 10 نصائح لتكون كاتب سيناريوهات مبدع
دوره في الثورة العربية
لم يكن (عارف) باشا مُنقطعًا عن وطنه العربي، فقد عَلِمَ بالثورة العربية التي أوقد نارها (الحسين بن علي) ضد العثمانيين.
لذلك فرَّ من معتقله بـ(سيبيريا) لينضم إلى صفوف الثوار، لكن لسوء حظه كانت السلطات العثمانية قد انسحبت من البلاد على إثر الهدنة المعلنة في عام 1918 م.
{ عليكم التوقف عن القراءة هنا، والتوجه لخانة التعليقات لقراءة الفقرة التالية، ثم العودة مجددًا لاستكمال القراءة } .
كان (عارف) باشا من بين الحاضرين في المؤتمر السوري الذي انعقدَ في (دمشق) و الذي كانت من نتائجه أن أُعلِنَ استقلال (سوريا) من (طورس) إلى (رفح)، وتعيين (فيصل) ملكًا عليها.
وهكذا، ظل (عارف) باشا في (سوريا) إلى أن دخلها الجيش الفرنسي، ففر منها كملكها (فيصل)، وذهب إلى شرق الأردن، وبعدها عاد لـ(فلسطين) بعد أن سُمِحَ له بالعودة.
فعاد إليها وحاول أن يعود إلى الصحافة، لكنه مُنِعَ من ذلك، وشَغلَ لسبعةٍ وعشرين عامًا قائم مقام جنين ثم نابلس ثم بيسان ثم يافا.
وكان ذلك في المدة من عام 1921 م إلى 1948 م، وهذا على الرغم من أنه قد رفض ذلك في بادئ الأمر، لكنه قَبِلَ بذلك بعد أن تقرر نفيه.
بناءً على طلب الأمير (عبد الله بن الحسين)، ذهب (عارف) باشا إلى (عمَّان)، فشغل هناك لثلاثة أعوام منصب السكرتير العام لما عُرِفَ حينها بحكومة الشرق العربي، ثم عضوًا بالمجلس التنفيذي.
وعاد بعد ذلك إلى (فلسطين)، فتولى هناك إدارة (بئر السبع)، وظل بها عشرة أعوام، ثم نُقِلَ لـ(غزة) فمكث بها أربعة أعوام تولى خلالها رئاسة لجنة بلدية (المجدل) بقضاء (غزة) في عامي 1941 م و1942 م.
وهناك أسس بستانًا للأطفال مع لفيفٍ من أصدقائه في الأول من أيلول/ سبتمبر عام 1942 م، وقبل نهاية الحرب الكونية الثانية أصبح قائم مقام رام الله، ثم أصبح بعد ذلك مساعد حاكم لواء القدس.
اقرأ أيضًا حوار لم تنشره الصحف مع أديب الجاسوسية المصري نبيل فاروق
رئيس بلدة القدس
وظل في منصبه حتى نهاية الانتداب، ثم عينه الملك (عبد الله) حاكمًا عسكريًّا لرام الله في مدة الحرب، ثم أصبح رئيسًا لبلدية القدس في الأعوام 1949 و1950.
وقد تولى هذا المنصب في عام 1951 م، لكنه قد أُقيلَ من منصبه بسبب خلاف نشب بينه وبين رئيس الوزراء حينها (توفيق) باشا أبي الهدى.
وفي عام 1955 م أُعيد انتخابه مرة أخرى، وتولى في الوقت نفسه رئاسة اللجنة التنفيذية لرابطة المُناضل الجريح، وكان أحد أعضاء المجلس الاستشاري لدائرة السياحة، وتولى في نهاية المطاف وزارة الأشغال، لكنه سرعان ما استقال منها.
كان (عارف) باشا مُتقنًا للغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية والتركية والعبرية بالإضافة إلى اللغة العربية.
وقد كتب وألَّف كثيرًا من الكتب التي قد بلغت حتى عام 1961 م ثمانية عشر كتابًا، وقد تُرجِمَ تسعةٌ منها إلى اللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية والعبرية.
اقرأ أيضًا مراجعة كتاب لياقات الكاتب
مؤلفاته
· إحصائيات (وهي دروس ألقاها عليه معلمه بمدرسة الاقتصاد في إسطنبول).
· القضاء بين البدو (يُقصد بالبدو هنا بدو بئر السبع).
· تاريخ بير السبع وقبائلها.
· تاريخ غزة.
· الموجز في تاريخ عسقلان.
· الموجز في تاريخ القدس.
· المُفصَّل في تاريخ القدس.
· تاريخ قبة الصخرة والمسجد الأقصى.
· تاريخ الحرم القدسي.
· المسيحية في القدس.
· النكبة (وهي موسوعة مكونة من سبعة أجزاء).
· رؤياي (و الذي كتبه أثناء وقوعه بالأسر).
إضافة إلي أعماله التي لم تظهر للنور، ألا وهي:
· كنت أسيرًا.
· ثلاثة أعوام في عمان.
· الكويت ماضيها وحاضرها.
اقرأ أيضًا أدب اليوميات عند العقاد
وفاته
في اليوم المُتمم لشهر تموز/ يوليو عام 1973 م، انتقل كاتبنا إلى الرفيق الأعلى، فشُيِّع جثمانه في مدينة (القدس)، وذلك بعد أن صلوا عليه الجنازة في المسجد الأقصى المبارك، ليوارى جسده الثرى بمقبرة باب الساهرة.
وقد وارت عقيلته الثرى بالكويت في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1985 م، وذلك بعد أن أنجبت منه خمسة أبناء، وهم فاروق ولميس وسلوى وفريدة، بالإضافة إلى ولده سمير، و الذي كان عونًا لوالده في طباعة مسودة كتاب (تاريخ غزة) على الآلة الكاتبة.
بعد أن وضعت الحرب الكونية الأولى أوزارها ، وقعت البلاد تحت نير الإحتلال البريطاني ، و في تلك الفترة سَمِعَ لأول مرة عن الرغبة البريطانية في انتداب ( فلسطين ) و إنشاء " وطن قومي لليهود " ، و لمجابهة ما ترغب به ( بريطانيا ) ، قام ( عارف ) باشا رفقة صديقه المحام ( حسن البديري ) بإصدار أول جريدة عربية في ( القدس ) ، ألا و هي جريدة ( سوريا الجنوبية ) ، فصدر العدد الأول منها في 8 أيلول / سبتمبر 1919 م ، و قد حاول " اليهود " و الإنجليز إخمادها مراراً و تكراراً ، لكن باءت محاولاتهم بالفشل ، و لذلك ، فقد اعتبره الإنجليز مُحرِّضاً لثورة فلسطين التي اندلعت في 4 نيسان / أبريل 1920 م ، فأغلقوا جريدته ، ليكون بذلك العدد الثالث و الستون الصادر في 11 حزيران / يونيو 1920 هو آخر عددٍ لها ، و قاموا بإعتقاله ، إلا أنه لم يبق في السجن سوى ثلاثة أيام ، فقد لاذ بالفرار ، و ذهب إلى ( الأردن ) و تحديداً في ( الكرك ) ، و منها إتجهَ إلى الشام ، و هناك ، عَلِمَ بالحكم الغيابي الصادر بحقه هو و الحاج ( أمين الحسيني ) بالإعدام ، و الذي قد خُفِفَ بعد ذلك ، فقد اكتفت المحكمة بسجنهما لعشرة أعوام ، و عندما أصبح " السير " ( هربرت صموئيل ) مندوباً سامياً ل ( فلسطين ) أصدر عفوه عن جميع المشاركين بالثورة ، و سَمَحَ بالعودة لمن فر من البلاد بإستثناء ( عارف ) باشا و الحاج ( أمين الحسيني ) ، إلا إذا قاما بتسليم نفسيهما إلى السلطة البريطانية ، لكن كليهما لم يقبلا ذلك ، فبقيا في ( سوريا ) ، و قاما بتأسيس ( الجمعية العربية الفلسطينية ) ، و كان ( عارف ) باشا سكرتيراً لها .
{ بإمكانكم الآن العودة مجدداً لاستكمال القراءة }
إذا حاز ما كتبناه على إعجابكم فلا تنسوا الإشتراك حتى يتسنى لكم قراءة كل جديد .
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.