ماذا لو كان بإمكانك العيش إلى الأبد؟ ماذا لو لم تمت أبدًا؟ هل تظل الحياة كما هي؟ هل يتغير إحساسك بالوقت؟ كيف سيبدو العالم إذا كنا لا نموت؟ هذه أسئلة قد لا نجد لها إجابة سهلة، لكن تخيل فقط أنك لم تمت، وأنك عشت أكثر من قرنين من الزمان، كيف ستشعر؟ هل تظل الشخص نفسه؟ هل تظل تملك الأحلام والآمال نفسها؟
سنطرح اليوم، وبعيدًا عن الأساليب التقليدية للمقالات، تساؤلات وجودية تتعلق بما يعنيه العيش للأبد. وكيف سيغيرنا الزمن إن لم نمت؟ كل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عنها في قصة مثيرة عن شخص لم يمت. لن تكون مجرد تأملات فلسفية، بل سنغرق في تفاصيل حياة هذا الشخص ونتابع كيف واجه كل تحديات العيش بلا نهاية، وكيف تتغير رؤيته للحياة مع مرور الوقت.
لنلتزم الآن بكسر قواعد المقال التقليدية لنروي لكم قصة ستأخذكم عبر أبعاد وجودية وتجربة إنسانية عميقة، وسوف نجد الإجابة عن كل هذه الأسئلة في القصة التي سنعرضها الآن..
الذي لم يمت
كان الغروب ثقيلًا في ذلك اليوم، حين وقف شابان على حافة المقبرة يتهامسان:
– «شايف الراجل اللي لابس بدلة رمادي واقف لوحده هناك؟».
– «آه... ده عادل منصور. بيقولوا حضر جنازة حفيد حفيد حفيده النهارده».
– «بس ده راجل كبير قوي في السن... شكله في التمانين تقريبًا».
«التمانين!...؟! يا عم ده اتولد سنة 1915! ده عاش أكتر من كل اللي في الجبانة دي».
يصمتان قليلًا، بينما يراقبان الرجل الذي وقف ساكنًا أمام القبر الجديد. لا دموع، لا انحناء، فقط نظرة طويلة كأنها تمتد عبر كل المقابر.
همس أحدهما:
– «تفتكر هو إنسان فعلًا؟ ولا... حاجة تانية؟».
الفصل الأول: هل الخلود ممكن؟
اسمه عادل منصور. وُلد في القاهرة عام 1915، لأب يعمل في تدريس الفلسفة وأم تعزف على البيانو في دار الأوبرا. عاش طفولة عادية في حي السيدة زينب، ورأى من نافذته العالم يتغير: الاحتلال الإنجليزي يرحل، عبد الناصر يصعد، السادات يُغتال، والإنترنت يدخل البيوت. لكن عادل لم يتغير. الزمن يمر، السنوات تنقضي، والناس من حوله يموتون... إلا هو.
في البداية، لم يلحظ شيئًا غريبًا، كان يتمتع بصحة جيدة، لا يدخن، لا يشرب، يقرأ كثيرًا، يمشي كثيرًا. لكنه تجاوز السبعين ولم يظهر عليه الكِبَر كما يجب. ثم تجاوز التسعين، ثم المئة، وجسده كأنه في السبعين فقط. الأطباء أرجعوا ذلك إلى جينات نادرة، لكن لم يكن هناك تفسير حقيقي. ومع مرور الوقت، بدأ يلاحظ.. أنه وحده من يبقى.
الفصل الثاني: الرحيل الجماعي وبداية الوحدة: ضريبة البقاء
رحلت زوجته «فريدة» عام 1998، ثم تبعها أولاده الثلاثة، واحدًا تلو الآخر. آخر أحفاده «ليلى» توفيت في حادث سيارة عام 2048 . كل من عرفهم، من أحبَّهم، من شاركوه أحلامه ومخاوفه، اختفوا من العالم. كان يحضر الجنازات في صمت، يبتلع الحزن في حلقه كقرص دواء مرا، ويعود إلى شقته القديمة في الزمالك، حيث الحوائط تحفظ أسماء من غادروا..
«تذكَّر ذلك اليوم حين دفن آخر أبنائه الثلاث. لم يكن يبكي، بل كان يُمسك بيد زوجة ابنه التي كانت ترتجف، وينظر إلى النعش وكأنه ينظر إلى نفسه حين كان حيًا. قال لها بهدوء أشبه بالجنون: سنموت كلنا... إلا أنا. يبدو أن هذا لعنة، لا امتياز. لم تجبه، فقط سقطت على كتفه، وتمنَّت لو يموت قبلها، لكنه -كعادته- خذل أملًا آخر».
يقول في مذكراته: «لم أعد أبكي، ليس لأنني قاسٍ، بل لأن الدموع نفدت. الوحدة شيء لا يوصف، إنها ليست فراغًا، بل كثافة من الذكريات تضغط على القلب كل لحظة».
بعد رحيل زوجته فريدة بسنوات طويلة، كان يعود أحيانًا إلى دفتر ذكرياته، ويتوقف عند حوار دافئ في شتاء 1974، يوم انقطعت الكهرباء عن شقتهم في الزمالك:
- «إنت دايمًا ساكت كده ليه يا عادل؟».
- «بفكر».
– «طيب فكَّر بصوتك، أنا بحب أسمع صوتك حتى وإنت بتقول أفكار غريبة».
ضحك يومها وقال: «غريبة؟ إزاي يعني؟».
فردت وهي تقترب منه وتلتحف ببطانية صغيرة: «يعني بتتكلم كأنك مش من العالم ده... بس أنا بحبك كده».
يتذكر تلك الليلة كأنها بالأمس. كان ضوء الشموع يرقص على ملامحها، وكانت هي العالم كله.
«ما كنت أعلم أنني حين أفقدك... سأفقد صوتي أيضًا».
الفصل الثالث: عجز العلِم والميتافيزيقى في آن واحد: هل يمكننا العيش للأبد؟
في العقد الثاني بعد المئة، بدأت المجلات العلمية تلاحقه. قالوا إنه «الحالة البشرية الوحيدة التي تتحدى الموت». عرضوا عليه تحاليل، خزعات، دراسات طويلة الأمد. وافق، ليس حبًا في العلم، بل لأنه أراد أن يجد معنى لبقائه.
الدكتور كارل هينريش، عالم من جامعة كامبريدج، كتب في تقريره عام 2065: «جسد عادل لا يخضع لقوانين الزمن البيولوجي المعروفة. انقسام الخلايا لديه طبيعي، لكن لا يظهر عليه أثر التيلوميرات المختصرة التي تقود إلى الشيخوخة. هل هو خلل جيني؟ أم شيء أعمق؟».
لكن عادل لم يكن يبحث عن تفسير بيولوجي فقط. كان يسأل نفسه: «لماذا أنا؟ ما الجدوى من حياة لا تنتهي؟ وهل يمكن أن يصبح الخلود لعنة متخفية في هيئة نعمة؟».
الفصل الرابع: لقاءات الفلاسفة مع رجل لا يموت
زاره ذات يوم باحث شاب في الفلسفة من جامعة باريس، اسمه جوليا أندريه، سأل عادل: كيف تشعر بعد أن عشت أكثر من قرن ونصف؟ رد عادل بهدوء: أشعر أنني خرجت من إطار الزمان... الناس يُكوِّنون ذواتهم من خلال الزمن، من خلال لحظاتهم الحاسمة... أما أنا، فقد تجاوزت كل اللحظات، ولم يعد لي شيء لأنتظره أو أندم عليه.
كتب جوليا في دراسته: «الهوية عند عادل منصور أصبحت ضبابية... لا يشعر بالانتماء لأي جيل، ولا يتحدث بلغة عصره، ولا يجد مكانه في العالم الجديد الذي يركض بلا هوادة».
الفصل الخامس: عندما يصبح الزمن عبئًا
لم يعد للكتب طعم، ولا للذكريات دفء، ولا للأيام معنى. أصبح يرى الحياة وكأنها عرضٌ يُعاد مرارًا وتكرارًا، القصص نفسها في وجوه جديدة. التكنولوجيا تتقدم، المدن تتغير، الأجيال تتبدل.
جلس يومًا في أحد المقاهي الذكية، يراقب شبانًا يضحكون ويصورون «فلوغ» حياتهم. لم يشعر بالغيرة، بل بشيء أغرب: الغرابة. كأنه ينظر إلى مخلوقات من كوكب آخر..
ثم خطر له شيء.. شيء لم يخطر له منذ سنوات:
رائحة القهوة من مطبخ أمه في السيدة زينب، في صباح شتوي مُغبر، أصوات الجيران وهم يصرخون في بعضهم من النوافذ: «يا مدام سعاد... الكهربا قطعت عندكو؟!».
صوت البائع يصرخ «فول... طعمية سخنة!»، وضحكات الأطفال المتناثرة بين الأزقة.
«أنا لا أحن إلى زمن قديم، بل إلى شعور... أن تكون جزءًا من شيء بسيط، دافئ، لا يحتاج تكنولوجيا ولا فلسفة كي يُفهَم».
الحياة وقتها كانت واضحة. لم يكن عليه أن يختار بين ألف هوية رقمية... فقط كان ابن منصور وسعاد، يسكن شقة في طابق ثالث، يحب البيانو ويكره الكذب. كم هو معقد الآن أن تكون بسيطًا.
كتب في دفتره الإلكتروني: «كلما عشت أكثر، أصبحت أقل وضوحًا لنفسي. هل أنا إنسان بعد كل هذه السنين؟ أم شبح حي يسير بين الناس ولا يراه أحد بحق؟».
الفصل السادس: الموت الذي لا يأتي
في لحظة ما، تمنى الموت. جرَّب كل الوسائل الممكنة ليقترب من نهايته: تسلق الجبال، السباحة في المحيط، حتى توقف عن الطعام أيامًا... لكن الموت لم يأتِ.
لم يكن خالدًا بالمعنى المطلق، بل حيًّا دون تفسير.
وكان يتساءل: «هل يمكن أن تكون هذه التجربة اختبارًا؟ هل أنا كائن مختار بلا هدف؟ أم أن كل هذا مجرد خطأ كوني؟».
الجزء الثاني: عزلة كونية وفقدان المعنى
الفصل السابع: العزلة الكبرى
في العام 2102، دخل عادل ما أسماه لاحقًا بـ«العزلة الكبرى». لم يكن فقط بلا أقارب، بل بلا أصدقاء، بلا جيل، بلا لغة مشتركة. اللغة تغيرت، المصطلحات تغيرت، حتى شكل الضحك تغيَّر.
في أحد الأيام، استخدم أحدهم تعبيرًا مثل «نيوراليزموسن»، ولم يفهم معناه. حاول البحث في القواميس، فلم يجده. سأل، فقيل له إنه من «لهجة الجيل السادس المعدَّل إدراكيًا». عندها فهم أنه لم يعد حتى قادرًا على المشاركة في الفهم الإنساني المشترك.
أصبح يعيش في شقة مؤتمتة بالكامل، في برج بمدينة ذكية تُدار بالذكاء الاصطناعي. لكنه أغلق كل هذه الأنظمة. لم يشأ أن تُخاطبه أصوات اصطناعية أو أن تقدم له قهوة لا تشبه مذاق فريدة، زوجته الراحلة..
«في كل جيل، كان عليه أن يعيد اكتشاف ما هو الطبيعي. مرة كان يُلام لأنه لا يملك هاتفًا، ومرة لأنه لا يملك دماغًا مزروعًا إلكترونيًا. في أحد الأجيال، اعتبروه إرهابيًا لأنه يؤمن بالله، وفي آخر، طاردوه لأنه لا يؤمن بالذكاء الاصطناعي بوصفه إلهًا. ولم يكن يردُّ إلا بجملة واحدة: أنا أقدم من كل آلهتكم المؤقتة تلك».
«صوت الإنسان هو آخر جدار بيني وبين الانهيار. لا أريد أن تهمس لي آلات بما تبقى من إنسانيتي». من مذكراته، يناير 2103.
الفصل الثامن: من فقدان الناس إلى فقدان الذات
بعد مضي قرن ونصف على ولادته، لم يعد عادل يتذكر ملامح أمه بدقة، أو رائحة بيت طفولته، أو حتى أصوات أولاده. بدأ يشعر أن ذاكرته تنهار قطعة قطعة، وأن ما تبقى له ليس هو، بل ظلٌ لما كان.
تحدث إلى طبيب نفسي متخصص في «علم النفس العميق طويل المدى»، وهو تخصص مستحدث عام 2090 لعلاج الأشخاص ذوي العمر الممتد. سأله الطبيب: ما أكثر ما يؤلمك اليوم يا عادل؟
قال عادل ببطء: أنني لا أصدق أنني كنت يومًا إنسانًا..
«الهوية عند البشر تُبنى في تفاعلهم مع الآخرين. أما أنا... فكسفينة فقدت ميناءها، وواصلت الإبحار في الفراغ». من حوار مع مجلة Mind Beyond Time، 2105.
وفي إحدى الليالي، وبينما يتقلب على سرير بارد، اجتاحه مشهد من الماضي بلا إنذار..
عيد الفطر، عام 1990. الصالة تفيض بالأحفاد، والضحك يسبق دخول الحلويات. حفيدته ليلى تتسلل لتضع وردة بلاستيكية فوق رأسه وتقول: «جدو أنت شبه الأميرات!»، فينفجر الجميع ضاحكين.
فريدة تُحضِّر الشاي، وابنه الأوسط يشغِّل أغنية عبد الحليم من جهاز كاسيت.
الكل هناك.. حاضر. والبيت يضج بالحياة.
«لم أكن أعلم أن تلك اللحظات العادية ستكون الأعظم في حياتي. لم أحتفظ بصورها، لكني أحتفظ بدفئها في صدري».
ثم قام وأطفأ الضوء، كأنه يخجل من ذاكرة لم يعد يستحقها.
الفصل التاسع: المعنى، حيث يتفتت العالم
كان «فيكتور فرانكل» يقول في كتابه الإنسان يبحث عن المعنى: «الإنسان يستطيع أن يتحمل أي شيء، إذا وجد له معنى».
لكن ماذا لو امتد الزمن طويلًا بما يكفي ليفقد كل شيء معناه؟
حاول عادل أن يصنع له أهدافًا. قرأ جميع كتب الفلسفة الحديثة والقديمة، بدأ في تعلم البرمجة العصبية، ثم الميتافيزيقا الكوانتية، ثم اللاهوت المابعد إنساني. شارك في مؤتمرات فكرية حول الوعي وكتب أوراقًا عن «هوية ما بعد الحياة الطويلة». لكنها جميعًا لم تملأ الفراغ.
كتب على جدار غرفته ذات ليلة: «كان الزمن أداة لفهم العالم... الآن أصبح الزمن هو سجني. أنا رجل من لحم... في قفص من الدقائق».
الفصل العاشر: السؤال الكبير – ماذا إذا لم يأتِ الموت؟
في عام 2110، جلس أمام شجرة قديمة زرعها بيده في حديقة صغيرة قرب شقته. كانت الشجرة الوحيدة التي بقيت من عصره. لمس جذعها وسألها: لماذا لم تموتي بعد؟ هل نحن مختاران؟ أم منسيان؟
ثم نظر إلى السماء وسأل: هل أنا حي لأن الموت نسي مواعيده؟ أم لأن الحياة ترفض الاعتراف بي؟
في تلك الليلة كتب رسالة إلى نفسه. قال فيها: «لو كانت الحياة اختبرتني، فقد فشلت في أن أكون خالدًا سعيدًا. ولو كان الموت قد تأخر، فأنا لم أعد أنتظره... فقط أريد أن أستعيد حقي في أن أُنسى».
الفصل الحادي عشر: الحياة في وجه الملل الأزلي
بدأ عادل يقاوم ببطء... لا ليعيش، بل ليعيش بطريقة مختلفة. صنع متحفًا رقميًا يحمل كل ما يتذكره: صور، أصوات، كلمات. صار يستضيف شبانًا باحثين يسألونه عن «العصور القديمة»، لكنه لم يعد يجيب بصفته عجوزًا حكيمًا، بل كمَن يعترف أنه ضائع مثلهم..
قال مرةً: «أنا لست حكيمًا. أنا حطام سفينة عالق على شاطئ لا أحد يزوره. لكن لو مررت بجانبي... سأحكي لك ما رأيته من أمواج».
بدأ يُدرِّس مادة في الجامعة عن «التجربة الوجودية للزمن المُمتد»، وهي مادة تثير جدلًا فكريًا وفلسفيًا هائلًا، حتى أصبحت مادة إجبارية في بعض الجامعات.
ذات مرة قرر تصفح حاسوب حفيدته ليلة، الذي كان يحتفظ به لا يعلم لماذا، ووجد تسجيلًا صوتيًا لها، فتحه وبدأ يستمع بمزيج من اللهفة والحنين.
«منذ كنت طفلة، كان جدي يبدو لي شخصًا مختلفًا عن كل من عرفت. لا يشيخ. لا يمرض. لا يضحك كثيرًا، ولا يبكي. كل شيء فيه ثابت، حتى نظراته. لكن ما لم أكن أراه وأنا صغيرة، أن هذا الثبات لم يكن إلا قناعًا هشًا فوق بحر من الذكريات.
كنت أراقبه كل صباح من نافذة المطبخ. الخطوات نفسها، المعطف القديم نفسه، التنهيدة نفسها حين يخرج. جدي الذي لا يموت، لكن قلبه ينكمش كلما غابت شمس جديدة.
أحيانًا أسمعه يتمتم باسم جدتي، أو باسم صديق من زمن بعيد. أحيانًا يجلس في الظلام، يلامس شيئًا غير مرئي، كأنه يتحدث مع ماضٍ لا يسمعه سواه.
أردت كثيرًا أن أسأله عن سر خلوده... لكنني خفت. خفت أن يكون السر أثقل من أن يُقال».
الفصل الثاني عشر: ما قبل النهاية؟
في عام 2120، تم تشخيصه بأنه لا يزال في حالة صحية جيدة، رغم أنه بلغ من العمر 205 عامًا.
لكن في تلك السنة، كتب آخر جملة في دفتره الإلكتروني: «إن لم يأخذني الموت، فسآخذه في نزهة… لنسأله معًا: هل أنت حقيقة؟ أم مجرد نكتة سيئة طال وقتها؟».
الجزء الثالث: النهاية التي صُنعت يدويًا
الفصل الثالث عشر: قرار لا يشبه القرارات
في العام 2123، حين كان عادل جالسًا أمام المرآة يحلق ذقنه التي لم يتوقف شعرها عن النمو رغم تجاوزه المئتين، نظر إلى نفسه طويلًا. كان قد فقد معظم ملامحه القديمة، لا بفعل الشيخوخة، بل بفعل التغير الزمني في الذاكرة. أصبح وجهه غريبًا عنه.
في تلك اللحظة، لم يكن هناك حزن ولا غضب... بل وضوح.
«ما لا يقرره الزمن، أقرره أنا». من دفتره، مارس 2123.
أعلن عبر مؤتمر صحفي عالمي أنه قرر أن يضع حدًا لحياته طواعية. لم يقل «انتحارًا»، بل قال:
«أريد أن أُنهي الفصل الأخير من رواية كتبتها الحياة على هواها... وسأكتب السطر الأخير بنفسي».
الفصل الرابع عشر: جدل فلسفي عالمي
الخبر انتشر كالنار في الهيدروجين: «الرجل الذي لم يمت... قرر الموت».
تدفقت آلاف المقالات والدراسات: جامعة طوكيو أطلقت مؤتمرًا بعنوان «الإرادة في مواجهة الزمن».
فيلسوف ألماني كتب: «عادل ليس يائسًا.. بل ممتلئ بالتاريخ، ولم يعد يقدر على حمله».
عالمة نفس من كندا قالت: «ما يُقدم عليه عادل ليس إنهاء حياة... بل إعلان انتهاء مشروع وجودي».
بعض التيارات الدينية اعترضت، ورأت في ذلك تمردًا على إرادة الله. لكن عادل، في مقابلة أخيرة، قال: «لقد دعوت الموت أن يأخذني... قرابة مئة عام. ولم يأتِ. أتظنونني أختار الموت؟ لا، بل أستعيد حقي في أن أُختار».
الفصل الخامس عشر: وداع العالم
اختار أن تكون النهاية في مكان واحد فقط: البيت الذي وُلد فيه. طلب من الحكومة نقله إلى ذلك المنزل القديم، في السيدة زينب، حيث الجدران ما زالت تحفظ صوت ضحك أمه.
دخل الغرفة التي شهدت أولى خطواته، وأغلق الباب. لم يأخذ معه شيئًا سوى دفتره، وشريطًا صوتيًا قديمًا لفريدة وهي تغني له ليلًا.
أُغلقت الأنظمة الطبية الذكية بطلب منه. لم يستخدم سمًا، لم يحقن نفسه بشيء. فقط توقف عن الطعام والشراب، وبدأ صومًا أخيرًا، لا يُقصد به النجاة، بل اللقاء.
في يومه السادس من الصمت، كتب آخر جملة في دفتره: «سأغمض عيني لا هربًا من الحياة، بل احتفاءً بالنهاية. لأن الخلود، حين يفقد الأحباب، لا يعود نعمة... بل خطأ مطبعي في دفتر الخليقة».
الفصل السادس عشر: ما بعد النهاية
في 2130، أي بعد سبع سنوات من وفاته، أُنشئ «معهد عادل منصور لدراسات الزمن والهوية». تُدرَّس فيه مادة فلسفية أساسية: «ماذا يحدث للإنسان حين يفقد الزمن معناه؟».
تحولت مذكراته إلى مرجع في علم النفس الوجودي، واقتبس منها آلاف الباحثين في أطروحاتهم. لكن الأغرب من ذلك: أن الشباب الذين لم يلتقوا به من قبل، صاروا يزورون البيت القديم في السيدة زينب، يجلسون في غرفته، ويقرأون دفاتره.
قال أحدهم: «لم يكن عادل منصور خالدًا لأنه لم يمت... بل لأنه علَّمنا كيف تكون النهاية شجاعة بقدر البداية».
ختامًا..
قد تعيش طويلًا حتى ترى العالم يُعاد تشكيله مرات كثيرة.. لكن الإنسان، كائن هش، بقدر ما هو عظيم. لم يُصمم ليعيش إلى الأبد، بل ليمتلئ بالمعنى في زمن محدود. عادل منصور لم يكن أسطورة، بل تجربة.
تجربة تقول لنا: «الحياة لا تقاس بطولها... بل بمقدار ما نقدر على أن نحب، ونفتقد، ونحزن، ونفرح... ونختار».
الخاتمة: هل نظرتك للموت كما هي؟
هل نظرتك للموت ما زالت كما هي؟ هل ما زلت تظن أن الخلود أمر جيد؟ وهل ما زلت تكره الموت كما كنت؟ أم أنك الآن، بعد أن عرفت عادل منصور، قد تعلمت أن الموت ليس شرًا ولا نعمة، بل هو مجرد مرحلة، جزء من دورة الحياة؟
ماذا لو عشت إلى الأبد؟ هل تظل تجد قيمة في كل يوم؟ هل تظل تحترم الزمن كما كنت تفعل، أم ستتمنى أن يعود ذلك الموت الذي كنت تخشاه؟ لن يكون للخلود، في النهاية، قيمة إذا فقدت كل شيء كان يعطينا معنى. الموت ليس عدوًا؛ هو حليفنا الوحيد في رحلة الفهم. قد تكتشف، كما اكتشف عادل، أنه مع طول العمر، تختفي المعاني، ويصبح كل شيء ضبابيًا. الموت الذي طالما فررنا منه، قد يكون الحل الوحيد للعثور على معنى جديد. فهل أنت مستعد لذلك؟
👍👍👍
فكرة النص رائعة متعلقة بفكرة فلسفية وجودية،رقعة خيال واسعة ولكن عليك ان تشتغل على اللغة فقد بدت لي بسيطة جدا وهذا رأي انا وشكرا عزالدين جعفري
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.