ماذا لو استطعنا سماع أفكار بعضنا؟ هل نتحمل الحقيقة؟

تخيل أنك جالس مع صديقك، وحينما هو يبتسم لك ويقول: اشتقت إليك، تسمع في رأسه فكرة تقول: يا إلهي، لماذا يتحدث كثيرًا؟ أو قد تكون في اجتماع عمل، ومديرك يخبرك: سأفكر في الأمر، لكن في عقله تسمع: لن أفكر في شيء، فقط أريد إنهاء هذا الاجتماع.

في البداية قد يبدو الأمر كأنه موهبة رائعة، لا مزيد من الخداع، لا مزيد من التلاعب، ستعرف من يحبك بصدق، ومن يجاملك فقط، ومن يتحدث عنك بسوء عندما تغادر الغرفة، لكن هل نحن فعلًا مستعدون لكل هذا الصدق؟

بعض الأفكار لا تستحق أن تُقال

كم مرة فكرت بشيء سخيف في لحظة غضب، ثم نسيته بعد دقائق؟ قد تشاجرت مع أحد إخوتك وفكرت: (كم أتمنى أن يختفي)، لكن بعد خمس دقائق كنت تحضر له كوبًا من الشاي وتضحك معه، تخيل لو أنه سمع تلك الفكرة؟ هل يصدق أنك لم تكن تعنيها؟

الأفكار مثل الغيوم، تمر بسرعة وتتغير، لكنها لو علقت في ذهن شخص آخر، فقد تصبح حقيقة لا تُنسى، نحن البشر نُصفي ونغربل أفكارنا قبل أن نقولها؛ لأننا نعلم أن الكلمات تترك أثرًا، لكن لو لم يكن لدينا هذا الغربال قد نؤذي بعضنا دون قصد.

 هل تتحمل سماع الحقيقة؟

تخيل أنك تسأل صديقك: كيف أبدو اليوم؟ وتسمع في رأسه: تبدو متعبًا وبشرتك شاحبة، في حين يخبرك شفهيًا: تبدو رائعًا! أي إجابة تفضل؟ الصراحة المطلقة قد تكون قاسية ولو كانت حقيقية، نحن نحتاج أحيانًا إلى تلك الأكاذيب اللطيفة التي تبقينا سعداء، مثل المجاملات التي تعزز ثقتنا أو الكلمات المشجعة حتى عندما لا تكون صادقة 100%.

الحياة دون غموض مملة ومؤلمة!

فكر في الأفلام أو الكتب التي تحبها، أليست ممتعة لأن الشخصيات تحمل أسرارًا ونيات غير واضحة؟ ماذا لو كان الجميع كتابًا مفتوحًا؟ لن نجد أي حوار عميق، لن نجد مفاجآت، فقط حقائق قاسية طوال الوقت.

في الحقيقة الغموض في العلاقات هو ما يجعلها ممتعة، نحن لا نحتاج إلى معرفة كل شيء عن الآخرين، بل نحتاج فقط إلى معرفة ما يختارون أن يشاركونا به، هذا ما يجعلنا نقترب من بعضنا تدريجيًا، بدلًا من أن نُصدم بحقائق لم نكن مستعدين لها.

ربما عدم سماع الأفكار هو أفضل ما في الحياة

قد نعتقد أن حياتنا ستكون أسهل لو عرفنا ما يدور في عقول الآخرين، لكن الحقيقة أن هذا قد يجعلنا نبتعد عنهم أكثر، أحيانًا من الأفضل ألا نعرف، وألا نُعرف، وأن نبقى في مساحة من الغموض؛ لنكتشف المشاعر والنيات من الأفعال، لا من أفكار عابرة قد لا تعبر عن الحقيقة أبدًا. 

لذلك ربما علينا أن نشكر هذه النعمة، نعمة عدم سماع ما لا يجب أن يُسمع! 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مقال حساس جدا وممتع و بالفعل الحمدلله أننا لا نسمع مالا يجب أن يُسمع
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.