المماليك البحرية والبرجية.. نشأة الدولتين والفرق بينهما

إن كنت تبحث عن المماليك ودولتهم، وكيف نشأت؟ ومن أين جاؤوا؟ فيجب أن تعلم أولًا أن دولة المماليك في الأصل كانت دولتين، وليست دولة واحدة، ورغم أن هذه الدولة قد حكمت مدة طويلة، وتعاقب عليها أجيال من المماليك من الأسرة نفسها أو من أسر مختلفة، لكن لا مفر من التمييز بين المماليك البحرية والمماليك البرجية.

بداية إن النظام العسكري في العصور الوسطى كان يعتمد على القوة الجسمانية، فقد كان ما يحسم الكثير من المعارك القدرة على الالتحام مع الآخرين من جيوش الأعداء، وقد كان للمماليك ميزة في هذا الأمر، فقد كانوا قادرين على الحرب في بيئات مختلفة نظرًا لأن معظمهم كان قادمًا من مناطق جبلية منخفضة الحرارة.

ما دولة المماليك البحرية؟

جاءت تسميتهم من البحر، أي إنهم كانوا مجاورين للبحر، لا سيما على ضفاف النيل في جزيرة بالقاهرة اسمها جزيرة الروضة، وكان عمر هذه الدولة ممتدًا من عام 1250 ميلادية حتى عام 1382 ميلادية، وللمفارقة أن من أسس هذه الدولة هو أحد أشهر سلاطين الدولة الأيوبية.

 وقد كان الفضل في إقامة دولة المماليك للدولة الأيوبية، فقد بناها رجل من الرجال الأيوبيين الذي كان له صيت ذائع بين كل الربوع، وهو السلطان نجم الدين أيوب.

أحس نجم الدين أيوب أن الأخطاء تحدق به وتلتف حول ملكه في كل مكان، لا سيما أن الدولة الأيوبية ذات مساحة كبيرة لا يستهان بها، فهي تمتد من الشام إلى فلسطين ومصر.

حينها قرر السلطان الأيوبي أن يهتم بالجانب العسكري تحسبًا لأي غارات أو حملات قادمة من الصليبيين أو غيرهم؛ لذلك كان لا بد من أن يكون على استعداد دائم؛ لأن الحرب قادمة لا محالة.

فوجه نظره صوب الخلافة العباسية، وهي التي سبقته في هذا الأمر، فلم يكن أمر استقطاب المماليك إلى مصر بالأمر الجديد والبدعة التي لم يشهد لها مثيل، بل إنها كانت في البداية اختراعًا عباسيًا، فقد كان الخليفة العباسية يطعّم بطانته بالمماليك الترك من أواسط آسيا نظرًا لتمتعهم بكثير من الأمور التي لا غنى عنها في الجانب العسكري والجانب السياسي.

لذلك حذا نجم الدين أيوب حذو العباسيين، واستقطب المماليك من الأمكنة التي كانت تستقطب منها الدولة العباسية، وكان من ضمن أبرز المماليك الذين استقطبوا ركن الدين بيبرس البندقداري.

وبالفعل استقطب نجم الدين أيوب أعدادًا غفيرة من المماليك، وبعد أن توفي، ثم توفي ابنه صالح، تولى توران شاه الحكم بإيعاز من شجرة الدر، حتى قُتل، لتتولى هي الحكم، وتفتتح حكم دولة المماليك البحرية، ومن ضمن الآثار التي خلفوها ما يأتي:

• مسجد الناصر محمد بن قلاوون: بناه السلطان محمد بن قلاوون في الجزء الجنوبي من قلعة الجبل، أو قلعة صلاح الدين الأيوبي.
• مدرسة السلطان حسن: هي مسجد وجامع بني على مساحة كبيرة من شارع محمد علي في القاهرة القديمة.

ما دولة المماليك البرجية؟

كان في عصر المماليك البقاء للأقوى، فالسلطان الضعيف لا مكان له، ومن الممكن أن يسجن ويموت في محبسه، ليتولى الحكم من حبسه، وقد حدثت عدة انقلابات في عهد المماليك، وما نتج عن هذه الانقلابات تحوُل الحكم من دولة المماليك البحرية إلى المماليك البرجية.

سميت المماليك البحرية بهذا الاسم لأن معسكراتهم كانت على ضفاف النيل، أما سبب تسمية المماليك البرجية بهذا الاسم لأن ملوكها كانوا يسكنون الأبراج العالية التي توجد في القلعة.

أسس هذه الدولة السلطان سيف الدين برقوق، وتسمى أيضًا بدولة المماليك الشركس؛ لأن سلالتهم تنحدر من منطقة الشركس الواقعة بين إيران وروسيا حاليًا، وكان يرجع أصل هذه الدولة إلى المنصور قلاوون رغم انتسابه إلى المماليك البحرية.

كانت قوة هذه الدولة مكونة من مماليك الشركس، فقد كان يحرص السلاطين حينها على استقطاب أكبر عدد من المماليك من هذه المناطق على وجه التحديد نظرًا لبأسهم في القتال واتسامهم بالذكاء والقدرة على التعلم والتكيف مع البيئات المختلفة بمنتهى السرعة.

ونظرًا لأنهم مماليك، فلم يكن تعودهم على الظروف المحيطة بهم صعبًا أيا كانت، وكانوا قادرين على التنقل في المناصب وإدارتها على أكمل ما يكون، وهذا الكلام وفقًا لمعظمهم وليس كلهم؛ لأن منهم بكل تأكيد سلاطين ضعاف الشخصية لم يكونوا على قدر المسؤولية. 

ومن ضمن الشخصيات البارزة في هذا العصر المؤيد شيخ الذي كان مملوكًا في الشام، ثم استقدم إلى مصر وهو في سن صغيرة لكي يكمل تعليمه فيها، وكذلك ليكمل تعليمه للمهارات العسكرية فيها، وقد تمكن من تقلد كثير من المناصب القيادية، وحصل على عدد من الرتب العسكرية، ومن ضمن الآثار التي تركها الجامع الذي يحمل اسمه، وهو من أشهر جوامع القاهرة القديمة الموجود في شارع المعز إلى جوار منطقة الحسين.