محمد علي باشا والي مصر في القرن التاسع عشر هو من أنشأ القناطر الخيرية، وقد عُرف عنه أنه كان يطمح لأن تكون مصر دولة قوية في مختلف المجالات الزراعية والصناعية، وفي سبيل ذلك فكر في عمل مشروع ضخم لتنظيم الإرواء في محافظات الدلتا؛ وقد هداه تفكيره وبعد استشارة الخبراء إلى أن يدشن مشروع القناطر الخيرية، وأُسند تصميمها والإشراف عليه إلى المهندس الفرنسي لينان.
فرصد ميزانية ضخمة ليوفر كل ما يحتاج إليه من عمال وفنيين من مصر وخارجها لتنفيذ المشروع، فبدأ لينان يعمل دراسات على أرض الموقع، ثم عمل الخرائط والتصاميم الخاصة بالمشروع، وعرضها علي الوالي إلى أن أخذ الموافقة ليبدأ العمل.
اقرأ أيضًا أفضل 100 مكان للتنزه والزيارة بالقاهرة
توفير الحجارة من الهرم الأكبر
لأن مشروع القناطر الخيرية مشروع ضخم فهو يحتاج إلى كمية كبيرة جدًا من الحجارة لاستخدامها في البناء على أن يكون بمواصفات خاصة لكيلا تنهار القناطر بعد تنفيذها، لذا عرض الأمر على الوالي، وفي هذا تكمن المشكلة، فقد أمر الوالي بهدم الهرم الأكبر واستخدام حجارته في بناء القناطر الخيرية، لكن لينان استطاع أن يقنع الوالي بالعدول عن الفكرة بحجة أن نقل الحجارة من الهرم إلى الموقع سيكلف ميزانية ضخمة.
فتكلفة نقل الحجر 100 مليم؛ أي 10 قروش، لكن يمكن نقل الحجارة من مكان آخر بتكلفة 8 قروش للحجر الواحد، فوافق الوالي على ذلك، واستقر الأمر على أن تنقل الحجارة من محاجر (طره)، فعمل خط سكة حديدية من طره إلى النيل، ثم نقلها بالمراكب النيلية إلى أرض الموقع.
وفي عام 1847 وضع محمد علي باشا حجر الأساس لتدشين المشروع، إلى أن توفي عام 1848، فتولى الحكم من بعده ابنه عباس حلمي الأول الذي أوقف المشروع بحجة ميزانيته التي تخطت المليون جنيه، وعندما تولى سعيد باشا حكم مصر قرر استكمال المشروع.
لكنه أسند التنفيذ إلى المهندس الفرنسي موجيل، وعندئذ تجددت فكرة جلب الحجارة من الهرم الأكبر، لكن المهندس موجيل بيك استطاع أن يقنع الخديوي سعيدًا بأنه لو هدم الهرم الأكبر سيصبح هدمه عارًا يلتصق بأسرة محمد علي، فأعرض سعيد عن الفكرة وأمر باستكمال البناء.
لقد كان المشروع يتكون من قنطرتين كبيرتين على فرعي دمياط ورشيد، وبينهما رصيف كبير، وكذلك حفر ثلاث ترع كبرى اسمها الرياحات لاستيعاب كمية المياه التي توفرها القناطر، وهذه الرياحات هي رياح المنوفي والبحيري والتوفيقي التي حُفرت في عهد الخديوي توفيق إلى أن انتهى منها.
وافتتحت في عهد الخديوي سعيد، وفي عهد الخديوي إسماعيل ظهر بعض الخلل في القناطر الخيرية فأمر الخديوي إسماعيل باستدعاء موجيل بيك من فرنسا لإصلاح الخلل.
اقرأ أيضًا لماذا يزور الكثير من السياح مصر كل عام؟
القناطر الخيرية والعيد القومي لمحافظة القليوبية
لأن مدينة القناطر الخيرية عروس محافظة القليوبية، تحتفل المحافظة في 30 أغسطس من كل عام بعيدها القومي الذي يوافق تاريخ افتتاح القناطر الخيرية عام 1868.
أهمية القناطر الخيرية
أصبحت القناطر الخيرية سببًا لتنظيم الإرواء في منطقة الدلتا، فقد كان الفلاحون قبل إنشائها يزرعون محصولًا واحدًا في العام، وبعد إنشائها أصبحوا يستطيع الزراعة طوال العام، ولأن محمد علي باشا كان قد خصص مساحة 500 فدان لإنشاء حدائق تضاهي الحدائق الموجودة في أوروبا على أن تجلب شتلات نادرة من جميع دول العالم لتزرع فيها.
فقد أصبحت القناطر الخيرية متحفًا طبيعيًا يشمل الأشجار النادرة والمعمرة كالماهوجني والتين البنغالي التي لا يوجد منها إلا أربع أشجار في العالم، وكثير من الشجر المعمر والنادر؛ لذا أصبحت القناطر الخيرية تمتلك أجمل المناظر الخلابة التي ترتاح لها العين ويسعد بها الفؤاد، ويجاورها النيل من جميع الجوانب، فكأنها لوحة رسمها فنان، بل هي الطبيعة في أبهى صورها.
وعليه أصبحت القناطر الخيرية مزارًا يأتي إليه الناس من كل مكان من مصر وخارجها؛ ليسعدوا بالمناظر الخلابة، والرحلات النيلية، وركوب الخيل، وهناك يسعد الأطفال بالملاهي، فهي كنز طبيعي موجود في أرض مصر، إضافة إلى ذلك يوجد متحف الإرواء وفيه كثير من المعلومات عن تاريخ الإرواء في مصر، ويعد كوبري محمد علي المنشأ فوق القناطر الخيرية تحفة معمارية يندر وجود مثلها.
وفي العصر الحديث أنشئت قناطر جديدة لتصبح امتدادًا لما شيده الأسلاف، ويقام في مدينة القناطر الخيرية معرض زهور الربيع كل عام، ويأتي إليه كثير من الزوار.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.