عزيزي الأب، عزيزتي الأم، إذا كنت تحرص على إقامة علاقة قوية وحميمة بابنك أو ابنتك منذ الصغر، فعليك أن تعرف الطريق لإشباع حاجاته العاطفية، وأن تشعره بالأمان، بما يسهم في بناء شخصية سوية تنعم بالأمن والاستقرار العاطفي.
في هذه المقالة، سنناقش أهمية التربية بالاحتضان، وتأثيرها في حياة أطفالك وتشكيل شخصيتهم ومشاعرهم.
اقرأ أيضًا: مشكلة الكذب لدى الاطفال وعلاجها
ماذا تعني التربية بالاحتضان؟
التربية بالاحتضان تعني إشباع حاجات الطفل العاطفية بالتواصل الفعال والتلامس الجسدي وإشعاره بالقرب، بما يزيل الحواجز بين الآباء والأبناء، ويعمل على توطيد العلاقة بينهما.
تخيَّل أيها الأب، وأيتها الأم، عندما تحتضن طفلك الصغير، ماذا يكون شعورك أنت أيها الكبير الناضج؟ (صِف لنا شعورك في التعليقات أسفل هذه المقالة).
بالتأكيد تشعر بالراحة والأمان والدفء، تشعر وكأن جبالًا من الهموم والآلام تتساقط من فوق أكتافك، تود أن لو يطول هذا الحضن إلى ما لا نهاية، إذا كان هذا هو شعور الشخص الكبير الناضج القوي، فما بالنا بذلك الكائن الصغير الضعيف الذي يستمد قوته وصموده وعافيته الجسدية والنفسية من أبويه! بلا شك شعوره بالأمن والأمان والدفء والحنان سيكون أقوى.
ومن شأنه أن يجعله أكثر قوة وصلابة في مواجهة التحديات والعقبات التي يتعرَّض لها، وأن يكون أكثر قدرة على اتخاذ القرار الصحيح، دون تردد، أو خوف. إننا بذلك نعدّه للمستقبل ليكون إنسانًا سويًّا ينعم بحياة صحية، ورغبة في الحياة بثقة أكبر.
اقرأ أيضًا: أطعمة وفيتامينات وعناصر تقوي أعصاب الاطفال
لماذا التربية بالاحتضان؟
في التربية التقليدية تجد التسلط وفرض الرأي بالقوة وعدم احترام آراء الصغار، ولا مكان فيها للحوار أو النقاش، وهذا أدعى ألا يكون مكانًا فيها للاحتضان.
تحضرني مقولة أحدهم، إن لي عشرة من الولد، ما قبلت فيهم أحدًا قط! هل يمكن تخيلك ذلك المشهد، أو تلك اللقطة، أو ذاك الشخص الذي يتفوه بهذه الكلمات القاسية؟! لا نتحدث عن الاحتضان، فقط القبلة بخل بها على أبنائه الصغار.
قد تنطبق على هذا الرجل وأمثاله كثر في هذا الزمان، مقولة أحد الحكماء، عققتهم صغارًا، فلا يرحمونك كبارًا. فمن لا يَرحم لا يُرحم، والرحمة أودعها الله في قلوب عباده؛ لتظهر إحساسه بالغير وإظهار التعاطف معهم، والرحمة ركن أساسي في تعاملاتنا البشرية.
بيئة آمنة
شعور الأبناء بقرب الأبوين من شأنه أن يولد داخلهم شعور قوي بالثقة والأمان والاطمئنان. كنتُ أقول دائمًا ماذا يضر الطفل الرضيع في حضن أمه، لو أن الحرب العالمية الثالثة قامت، أو أن الزلازل والبراكين بالخارج؟! ما دام هو في حضن أمه فماذا يضره بعدها؟
إن حضن الأم بالنسبة لطفلها هم العالم بأسره، فماذا فقد من وجد حضن أمه وأبيه؟ّ! وماذا وجد من فقد هذا الحضن الدافئ الحنون؟!
شعور طفلك بهذا الدفء والحنان منذ صغره، يجعله أكثر قدرة وطلاقة على التعبير عما بداخله من مشاعر، وأن يمكنه من إقامة علاقات سوية بأقرانه ومن يتعامل معهم في البيت أو المدرسة أو النادي أو أي مكان آخر.
اقرأ أيضًا: مراحل تربية الأطفال.. تعرف على البيئة الصالحة لتربية الطفل
مواجهة التحديات والضغوط
ما أحوج أبناءنا في هذا الزمان المملوء بالصراعات والضغوط والتحديات التي من شأنها أن تصيبه بالقلق والتوتر الدائمين من كل شيء يواجهه، ومن مستقبل غامض لا يعلم ما ينتظره! ما أحوجه إلى حضن دافئ يشعر بداخله بالأمان، وأن وراءه أب وأم كالجبال؛ هذا يجعله أكثر قدرة على مواجهة هذه التحديات بعزيمة الرجال.
ماذا عن أدائه الأكاديمي؟
عزيزي الأب، عزيزتي الأم، إذا كنت تحرص على تحصيل طفلك للعلم، والتفوق والنبوغ في الدراسة، وتبوء أعلى الدرجات، وأن يرفع رأسك عاليًا، فعليك أن تشبع حاجاته العاطفية، وأن تضمه إلى صدرك صباح مساء.
ما أجمل أن تودِّع طفلك في الصباح وأنت ذاهب إلى عملك، أو عند ذهاب طفلك إلى حضانته أو مدرسته، أن تقبله، وأن تضمه إلى صدرك، ضمة كلها حنان وحب ودفء، لا شكَّ بأن هذه القبلة وهذا الحضن، سيجعله أكثر حيوية ونشاط ورغبة في التعلم وحب العلم.
ويا حبذا لو ضممته لصدرك، وطبعت قبلة حانية على جبينه قبل نومه، بلا شك، سوف ينام سعيدًا، وينهض في الصباح فرحًا مسرورًا راغبًا في التعلم والدراسة.
لا شكَّ أن مثل هذه البيئة الآمنة السوية من شأنها أن تخرج أبناء أسوياء، يقدِّرون مشاعرهم ومشاعر غيرهم، لديهم الثقة والحماسة في طرح الأسئلة بما يؤدي في النهاية إلى تحصيل العلم على نحو أفضل.
ليس هذا فحسب، فلا يوجد طفل لا يواجه صعوبات وتحديات في المجتمع المدرسي، سواء يتعلق بأقرانه، أو معلميه، أو البيئة التعليمية نفسها، عندما يكون مشبعًا عاطفيًا، يكون أكثر قوة وصلابة في مواجهة هذه التحديات الأكاديمية.
صحة طفلك النفسية
مما لا شك فيه أن كل ما سبق ينعكس بالإيجاب على صحة الطفل النفسية، ويزيد من ثقته بنفسه، ويطور من الاستقلالية والاعتماد على النفس دون رهبة أو خوف، وبذلك يكون أكثر قدرة على حل المشكلات ومواجهة الأزمات التي تعترضه.
ليس هذا فحسب، فالطفل يكون أكثر رغبة في إقامة علاقات اجتماعية بأقرانه وأفراد عائلته، يشعر بهموم من حوله، يظهر لهم التعاطف والمساندة.
التربية بالاحتضان من شأنها أن تخرج أطفالًا قادرين على حل ما يعترضهم من مشكلات، والتحليل والتفكير النقدي والإبداعي، بدلًا من الاستسلام لها.
خاتمة
أيها الآباء، أيتها الأمهات، فلنجعل من التربية بالاحتضان أسلوب حياة، وطريقة فعالة في تربية الأبناء، نبني بها جسور التواصل معهم، لمستقبل أفضل دون مشكلات أو مواجهات أو صراعات، نسمع عنها ونراها بأم أعيننا بين كثير من الآباء والأمهات من جانب، وأبنائهم من جانب آخر، لا سيما عندما يكبرون.
فالتربية بالاحتضان، لا تعلم طفلك الجفاء أو القسوة أو الغلظة، ولا يقبل بها، سواء معه أو مع غيره، أنت بذلك تخرج للمجتمع طفلًا سويًّا رحيمًا يشعر بآلام ومعاناة الغير في زمن قلَّ فيه من يشعر بجاره وأخيه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.