"برايل" لغة أضاءت مسار المكفوفين وضعاف البصر، ونسجوا بها جملًا وكلمات عن طريق اللمس. سمعنا كثيرًا عن هذه الطريقة التي تساعد فاقدي البصر في الكتابة والقراءة بمختلف اللغات في أنحاء العالم، لكن ماذا تعني هذه الكلمة؟ ولمن يعود الفضل في اكتشاف هذه اللغة التي غيَّرت حياة ملايين المكفوفين في أنحاء العالم؟
لويس برايل.. الصبي الذي أدهش العالم
صبي في السادسة عشرة من عمره، يُدعى لويس برايل، تمكَّن من تغيير حياة المكفوفين وإضاءة عتمة أبصارهم، بعد أن ظلوا قرونًا طويلة غير قادرين على مطالعة الكتب وسبل المعرفة، يفتقدون القدرة على التعبير عن أفكارهم بواسطة الكتابة، فأحدث اكتشافه نقلة هائلة للمكفوفين، بتطويره نظامًا جديدًا يساعد المكفوفين في الكتابة عام 1825.
وُلد قاهر الظلام، لويس برايل، في العاصمة الفرنسية باريس، في الرابع من يناير عام 1809، لأبٍ يعمل في المصنوعات الجلدية. لم يولد لويس كفيفًا، لكنه أُصيب به في صغره. فذات يوم صحب لويس برايل والده لمحل صناعة السروج للخيول، وكان يبلغ من العمر حينئذ ثلاثة أعوام، وفي أثناء لعبه أُصيب في عينه وجُرحت جرحًا غائرًا، حتى إنه كان يبكي ويصرخ بشدة، إذ تسببت الإصابة بالتهاب العصب البصري، قبل أن تؤدي إلى فقد عينه اليسرى حاسة الإبصار، وبعدها أُصيبت عينه اليمنى فأصبح كفيفًا كليًّا.
في محاولة للتخفيف عنه، ألحقه والده بأحد المعاهد الموسيقية، وفيه تعلم العزف على البيانو، حتى وصل سن الثامنة عشرة، وأصبح مشهورًا في المعهد القومي للعميان في باريس، وكان نابغًا في الموسيقى بجانب تفوقه الملحوظ في الرياضيات والعلوم والجغرافيا.
أما عن طريقة تدريس القراءة للمكفوفين في المعهد، فكانت بواسطة لمس حروف كبيرة من المعدن، يتم تقطيعها ولصقها على الورق، فيتعلم الأطفال لمسها للتعرف على أشكالها.
من أين استوحى لويس برايل طريقته في الكتابة؟
لم تلق هذه الطريقة التقليدية قبولًا لدى برايل الذي سعى لتطوير طريقة أكثر سهولة تمكِّن المكفوفين من القراءة والكتابة. ظل برايل يفكر في طريقة أفضل للقراءة والكتابة، إلى أن هداه تفكيره إلى نظام الكتابة المتبع بالجيش الفرنسي الذي يمكِّن الجنود من تداول التعليمات والأوامر في أثناء الظلام. أما فكرته فتعتمد على عمودين من النقاط البارزة، في كل عمود ست نقاط تُقرأ عن طريق اللمس، ولكتابة هذه النقاط فقد صمم لوحًا مرقمًا يستخدمه على الأسس نفسها التي تقوم عليها كتابة برايل الحالية.
ورغبة منه في ابتكار طريقة سهلة للتعليم، لجأ لويس برايل إلى استخدام أقل عدد من النقاط، وفي عام 1829 تمكَّن من تكوين حروف الكتابة باستخدام ست نقاط فقط، قبل أن يجرِّبها ويستخدمها في المعهد. وبحلول عام 1839 كانت طريقة برايل قد انتشرت في أنحاء متفرقة من العالم، وإن قوبلت برفض كبير من الجميع.
غير أن إيمان لويس برايل بفكرته دفعه إلى تأليف أول كتاب له يحتوي ترجمة قصائد الشاعر الإنجليزي الأعمى "جون ميلتون". وقاده شغفه إلى ابتكار آلة كاتبة لذوي الإعاقة البصرية حتى أصبح بوسعهم أن يكتبوا إلى جانب قدرتهم على القراءة. إلى أن جاء اليوم الذي احتفت الصحافة والمجلات باختراعه الجديد، واعترفت به الحكومة الفرنسية، وتعمم تطبيق لغة برايل على جميع مدارس المكفوفين بفرنسا، ثم منها إلى جميع مدارس المكفوفين في العالم؛ ليظل اسمه مرتبطًا بملايين المكفوفين يذكرونه على مدار الزمان.
وفاة لويس برايل
عندما أخبره أصدقاؤه، وهو راقد على فراش المرض بعد إصابته بمرض السل وتقاعده عن التدريس، قال لهم والدموع تملأ عينيه: "لقد بكيت 3 مرات في حياتي، الأولى عندما فقدت بصري، والثانية عندما اكتشفت طريقة حروف الكتابة، وهذه هي المرة الثالثة، وهذا يعني أن حياتي لم تذهب هباء".
توفي برايل في عام 1850 عن عمر ناهز 43 عامًا، لم يُسعفه عمره للمكوث طويلًا، لتظل طريقته في القراءة والكتابة التي أنارت عتمة ملايين المكفوفين في أنحاء العالم تذكره حتى يومنا هذا.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.