لا شك أن رفض المجتمع المصري فكرة الزواج الثاني للرجل يحمل كثيرًا من الأسباب، وقصدتُ المجتمع المصري بالتحديد؛ لأن المجتمعات العربية لا تعاني مشكلة مع التعدد مثلما عندنا في مجتمعنا.
ناقشتُ بعض هذه الأسباب في الجزء الأول من هذا المقال، والآن أكملها حسب علمي.
اقرأ أيضًا لهذه الأسباب يحارب المجتمع فكرة الزواج الثاني للرجل ج1
على خُطا العلمانية
والعلمانية لمن لا يعرف هو اتجاه سائد لفصل الدين عن الحياة العامة، بحيث لا يكون مكان الدين إلا في المساجد وأوقات العبادة فقط، وهو ما نسميه نحن في لغتنا الدارجة "مسلم بالبطاقة"، أي إنه لم ينل من الدين شيئًا إلا الانتماء إليه بالاسم فحسب.
العلمانية تهاجم كل مظهر إسلامي يبدأ بالظهور على الساحة وينتشر، وبسببها انتشرت دعوات الإعلام والأعمال الدرامية المناهضة لفكرة الزواج الثاني للرجل، كما أوضحتُ في مقالي السابق.
صحيح أن بعض الأعمال الدرامية ناقشت تجارب ناجحة لتعدد الزوجات مثل المسلسل الشهير "عائلة الحاج متولي"، لكنه أظهر الرجل ديكتاتورًا يتمتع بكثير من النرجسية والغرور وحب الذات، وليس شخصًا سويًّا.
ويوجد كتاب بالعامية موجود على مواقع الإنترنت للتحميل اسمه (برضه ح اتجوز تاني) لكاتب ساخر مهتم بالشئون الأسرية يُدعى (إيهاب معوض)، ناقش فكرة التعدد في المجتمع المصري بأرقام وإحصائيات، صحيح أنه بالعامية البحتة، لكنه كتاب مهم لا شك.
في الكتاب يقول الكاتب إن في مجتمعنا يحاربون فكرة الزواج الثاني الشرعي، في حين لا يعترضون على العلاقات غير الشرعية خارج إطار الزواج كما في الغرب، ويسمونها انفتاحًا وتقدمًا، إن هذا أحد أهداف العلمانية أصلًا.
حتى الدعوات التي تدعو لمحاربة هذا الفكر العلماني تأتي بصوت خفيض خشية طوفان الاعتراض والاستهجان والشتائم الذي يصدر غالبًا من نساء، حتى لو كنَّ غير متزوجات أصلًا.
نتاج تلك الدعوات العلمانية كان ما نسمعه اليوم من رأي أي امرأة في التعدد، ستسمع عبارات على غرار:
- أقبل ليه بنص راجل ونص حياة!
- أكسر قلب واحدة ست زيي ليه!
- مش عاوزه أكون خطافة رجالة.
وغيرها من المخاوف المجتمعية، بعض التفكير العقلاني سيرى أن الله تعالى هو الذي أباح التعدد أصلًا من فوق سبع سماوات، وهو سبحانه وتعالى يعلم الأذى النفسي الذي سيقع على الزوجتين معًا، وربما الرجل أيضًا.
لكن أغلب العبادات لو نظرنا إليها لوجدناها تحتاج شيئًا من المشقة وجهاد النفس، حتى الصوم والصلاة، حتى الذكر نجد مشقة في فعله مع أنه أيسر العبادات.
اقرأ أيضًا لهذا السبب يعارض الأهل فكرة الزواج الثاني للرجل
مخالفة القطيع
إن مجتمعنا يخاف من دعوات التغيير، أي تغيير، يخاف المختلفين وينقاد وراء القطيع بلا تفكير، حتى لو صادف هؤلاء المختلفين في أي ناحية من نواحي الحياة فإنه يوسعهم سخرية واستهزاء.
المجتمع اعتاد على صورة الأسرة المعروفة المكونة من زوجة واحدة، لذا تجد أن نظرات المجتمع لرجل متزوج من امرأتين مثلًا نظرة تحمل بعض الاحتقار والاستياء، كأنما هو رجل شهواني لا يفكر إلا بغرائزه كما يدَّعي العلمانيون.
والحقيقة أن الرجل الراغب في التعدد يسير عكس التيار حرفيًّا، تيار المجتمع الذي يهاجمه ويتهمه بالشهوانية والظلم، وتيار الأهل الذي يهاجمه متهمًا إياه بالأنانية، وتيار الإعلام الذي يراه رجلًا (عينه فارغة) كما نسمع في بعض الأوقات.
كل مخالف للقطيع يتعرض للهجوم، وفي هذه الحالة يكون الهجوم بصورة مستميتة؛ لأنه لو نجح سيتبعه كثيرون، ويتغير نمط المجتمع المصري الذي تربى منذ عقود على فكرة أن الزواج الثاني مصيبة وكارثة.
المجتمع يكره المختلفين ويضع أمامهم كل العراقيل للسقوط والفشل، حتى يصيح أفراده في سخرية إشارة إلى ذلك الفاشل الذي سقط ولم يفلح في الوصول لهدفه.
الأمثلة كثيرة جدًّا على محاربة المجتمع للمختلفين، تراها في كل مكان حولك؛ لأن مجتمعنا يحقد على المختلفين وقد أدمن الراحة والكسل.
انظر إلى من أراد إكمال تعليمه مثلًا بعد أن ضاعت فرصة تعليمه وهو صغير لأسباب معينة، فظهر مثل (بعد ما شاب ودوه الكتاب) الساخر، وهو مثل محبط، وكأنما التعلم لسن محدد، مع أننا نتعلم يوميًا دروسًا جديدًا في رحلة الحياة.
ولو نظرت لأغلب الأمثلة الشعبية المصرية تجد أغلبها يبعث على الإحباط واليأس، هذا مجتمع لا يحب التغيير، ولا يستسيغه، ويهاجم من يدعو إليه.
أعتقد أن هذا المقال مع المقال السابق استعرضا أهم الأسباب التي من أجلها يرفض المجتمع المصري بالتحديد التعدد.
وفي المقال القادم سنناقش أسباب رفض الزوجة الأولى للأمر في أغلب الأوقات، وإصرارها على الطلاق، وهي أسباب نفسية بحتة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.