لهذه الأسباب يحارب المجتمع فكرة الزواج الثاني للرجل ج1

بعد كتابة مقالي السابق الذي تطرق إلى أمر التعدد والزواج الثاني للرجل في مجتمعنا مباشرة، وجدتُ بعدها أن في جعبتي كثيرًا للتحدث به عن هذا الأمر.

الملف شائك، ولم يتطرق أحدهم إلى تلك المشكلة أو تحدث عنها بهذا الشكل المستفيض من قبل؛ خوفًا من الهجوم وردود الأفعال.

 لكنني سأفعل ذلك بتوسع في سلسلة من المقالات الاجتماعية التي تناقش أزمة تعدد الزوجات في مجتمعنا المصري تحديدًا.

قد يعجبك أيضًا لهذا السبب يعارض الأهل فكرة الزواج الثاني للرجل

الصورة الإعلامية المشوهة

ظلت الفنانة الراحلة "ماري منيب" تؤدي دور الحماة المتسلطة المؤذية التي لا تفكر في مصلحة ابنها أو ابنتها، بل تبحث عن مصلحتها الشخصية، وتضغط على الابن عن طريق التحذير من عقوق الوالدين ليرضخ لطلباتها. 

فنجدها تارة تحث الابن "كمال الشناوي" في فيلم "الحموات الفاتنات" على تطليق زوجته والزواج بأخرى بغير سبب مقنع إلا أنها على خلاف مع أم زوجته. 

وتحيل حياة "تحية كاريوكا" جحيمًا في فيلم "حماتي قنبلة ذرية"، وكثير من الأفلام كانت تتخذ صورة الحماة الشريرة التي تبغي خراب بيت أولادها لأن هذه إرادتها ورغبتها لا أكثر.

وبسبب هذه السلسلة الطويلة من الأفلام، ارتبطت صورة الحماة في الأذهان بماري منيب، وتخوفت كل فتاة من حماتها المستقبلية، بعد أن طغى نموذج الحماة القاسية فعلًا على أرض الواقع؛ بسبب القصص التي تتناثر هنا وهناك معززة الفكرة.

في خضم كل هذا تخفت الأصوات التي تعترض على هذا النموذج غير العادل، حاملة في طياتها قصصًا حقيقية لحماة كانت أكثر من الأم مع زوجة ابنها أو زوج ابنتها، بل وظلت زوجة الابن تدعو لها بعد مماتها كثيرًا، لكن كل هذا يختفي وسط صيحات القطيع.

بالمنطق نفسه عمل الإعلام على تصدير صورة فاسدة خاطئة في أحيان كثيرة للزوجة الثانية، فهي -في نظر الإعلام- امرأة لعوب، مطلقة غالبًا، تمارس ألاعيبها النسائية غير الشريفة للظفر برجل متزوج ثري، ولا بد أن يكون ثريًّا؛ فهي لن تنفق وقتها مع رجل فقير، وترضى بالزواج منه عرفيًّا أو إقامة علاقة عابرة معه لتحصل على أكبر قدر ممكن من الأموال.

انتشرت هذه الصورة على نحو مكثف لدرجة أن سكرتيرات كثيرات اتُّهمن بممارسة علاقات غير شريفة مع مدرائهن في العمل، وسادت صورة أن المدير يتزوج السكرتيرة في السر إلى حد مخيف.

قد يعجبك أيضًا لا ضرر في الضرائر.. هل تعدد الأزواج بالنسبة للرجال طريق للنجاح؟

عقود من التدمير

من هنا وبسبب الإعلام ظهرت بضعة قوانين مجتمعية غير معلنة، منها أن المرأة المطلقة تكون سيئة السمعة، والزوجة الثانية تكون هي عاهرة على الأرجح، وزوجة الأب امرأة قاسية بلا قلب، والحماة شريرة وتبغي خراب بيت أولادها وتدميره نتيجة حب التملك!

أنا لا أنكر وجود نماذج هكذا فعلًا، لكن التعميم قاتل، فلو اتُّهمت كل امرأة مطلقة بأنها غير شريفة، أو كل زوجة ثانية بأنها امرأة لعوب لكان ذلك طعنًا في شرف كل مطلقة وكل زوجة ثانية، وهذا في الإسلام يُعد قذف محصنات وله عقوبة كبيرة، وهو أيضًا غيبة بلا شك واتهام بالباطل وخوض في الأعراض.

نعود لحديثنا، وهو تصور عام عن الزوجة الثانية أنها لعوب وهي من ألقت بشباكها على الرجل، وكأنما هذا الأخير مسلوب الإرادة، بل دفع مهرًا واشترى شبكة وأعدَّ منزلًا وهو تحت تأثير سحرها!

إن هذا عبث، ولا يصدقه إلا ذوو التفكير السطحي، حتى المرأة اللعوب فعلًا التي تسير على درب غير شريف للإيقاع برجل متزوج فهي ليست وحدها الآثمة، إنه شريكها في الإثم، يحمل إرادة خاصة به، ويمكنه صدُّها وإبعادها عنه لو أراد، لكنه يتبعها بإرادته حتى لو كانت نواياه غير سليمة.

وكأنما لا توجد مطلقة بحاجة إلى رجل ليساعدها في تربية الأبناء ومن ثم ارتضت وضع الزوجة الثانية لتجد من ينفق عليها، ولا توجد أرملة تعاني ويلات الوحدة بعد وفاة زوجها وهي صغيرة في السن وتحتاج للونس، وعشرات الحالات الأخرى التي ليست كلها مجرد أفاعٍ متنكرة.

وضع الزوجة الثانية في بلدنا صعب، و90% من الرجال لا يعدلون في بيوتهم، سواء الأول أو الثاني، والعدل يختلف عن المساواة، وهذا يحتاج مقالًا بمفرده.

من ترتضي هذا الوضع الصعب المحفوف بالمخاطر على نفسها على الرغم من نظرة المجتمع الكارهة لها وأصابع الاتهام التي ستجلدها كل ساعة، ونظرات الازدراء لأنها ارتضت أن تكون رقم اثنين في حياة رجل، من تفعل ذلك يكون الدافع له قويًّا فعلًا.

قد يعجبك أيضًا زوجة أولى ولا ترفض التعدد

دعوات النسوية

ظلت دعوات النسوية على مدار السنوات الأخيرة تدعو الزوجة التي يتزوج عليها زوجها للطلاق بلا جدال ولا نقاش، وأن زواج زوجها عليها ينقص من كرامتها، فهل زوجات النبي عليه الصلاة والسلام كُنَّ معدومات الكرامة إذن؟!

أكثر من مرة أشاهد برنامجًا معينًا يتحدث عن قضايا المرأة، فتقع في يد المذيعة مشكلة عن رجل يود الزواج ثانية لكن زوجته ترفض، فتنهال عليه كلمات اللوم والتقريع وربما بعض الشتائم.

ادخل أي جروب نسائي وانظر لأي مشكلة صاحبتها زوجة ثانية، ستجد التعليقات كلها من نوع (تستاهلي) و(أحسن يا خطافة الرجالة)، وتعليقات مشينة جدًّا، لو كانت صاحبة المشكلة عاهرة تريد التوبة لكانت التعليقات أكثر هدوءًا، لكنها زوجة وليست عاهرة!

المشكلة أن لفظ (خطافة رجالة) يسيء للرجل أكثر من المرأة، كأنما الرجل طفل صغير معرض للخطف من أي امرأة تغمز له بعينها أو ترتدي زيًّا مثيرًا، إنه هكذا لا يكون حتى طفلًا، إنه حيوان يهرع وراء غرائزه.

لكن المرأة لا تريد اتهام الرجل بأي شيء حتى لا تنظر للرجل أنه المخطئ، إنه ضحية وكفى، فلو كل زوجة اكتشفت خيانة زوجها مثلًا ألقت باللوم على الزوج نفسه في البداية لأنه المسئول الأول قبل كل شيء، لشعرت بالتهديد في حياتها وعدم الأمان.

لكن فكرة أنه مجرد (ضحية) امرأة لعوب متمرسة تريحها كثيرًا، توهمها أن كل شيء على ما يرام ما دامت تلك الأفعى -من وجهة نظرها- رحلت بلا رجعة.

وكأنما وسائل التواصل انعدمت. فأي شخص يريد عمل أي شيء بعيدًا عن الأعين سيفعله، وكم من زوجة اكتشفت أن زوجها متعدد العلاقات وهي لم تكن تشعر بأي تغيير معه لأنه كان حريصًا على إخفاء علاقاته بدقة.

فالرجل ليس طفلًا سنمنع عنه الأذى ونقوم بحظر تلك الفتاة اللعوب من كل وسائل التواصل لتنتهي المشكلة! إنه حل طفولي جدًّا، من يريد فعل شيء سيفعله بكل وسيلة.

كنا نمنع أولادنا وهم صغار عن مشاهدة التلفاز أو اللعب بالهاتف كي لا يتعطلوا عن المذاكرة، فكانوا يتحايلون على الأمر ويفعلون ما يحلو لهم بطرائق أخرى لا يمكن للأم اكتشافها، ومن قاعدة (الممنوع المرغوب)، منع الشيء يزيد رغبتك في الحصول عليه وليس العكس.

وللحديث بقية...

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة