لم أعد أفهم علاقتي بالآخرين…
كل شيء أصبح ضبابيًّا، متداخلًا، مشوشًا.
أحيانًا أشعر أنني قريب من الناس حد التماهي، وأحيانًا أشعر أنني لا أنتمي لأحد، كأنني غريب مرّ في قلوبهم دون أن يترك أثرًا.
كنت أظن أن النية الطيبة تكفي، أن الحب وحده يصنع الجسور، أن الصدق لا يُثقل العلاقات، بل يُنيرها. لكنني اكتشفت أن الأشياء ليست بهذه البساطة، وأن العلاقات ليست دائمًا عادلة…
فأحيانًا، تكون الصادق الوحيد في عالمٍ مملوء بالأقنعة، المحب الوحيد في مكانٍ لا يرد المشاعر، المُبادر الوحيد في محيطٍ لا يعرف سوى الأخذ.
لم أعد أفهم...
هل علاقتي بالآخرين تُبنى على حاجة؟
هل أنا فقط موجود حين يكون وجودي مفيدًا؟
وحين يتلاشى الغرض، يتلاشى الوجود أيضًا؟
كم مرة كنتُ خيارًا مؤقتًا؟ وكم مرة كنتُ مجرد صفحة في روايات لا أُكمل قراءتها؟
توجد علاقات استنزفت روحي، وتركتني أتعافى بصمت.
ويوجد من غادرني دون تفسير، وكأنني لم أكن يومًا سوى فكرة عابرة في يوم مزدحم.
ويوجد من بقي بجانبي جسديًا، لكن روحه كانت غائبة، حضورٌ باردٌ أشد قسوة من الغياب نفسه.
أصبحتُ أخشى العلاقات التي تبدأ بسرعة، والوعود التي تُقال في لحظة دفء، ثم تُنسى في أول لحظة برود.
أصبحتُ أتردد قبل أن أفتح قلبي، قبل أن أشارك حزني أو فرحي، لأنني تعلّمت أنّ الجميع ليس جديرًا بالدخول إلى المساحات العميقة في داخلي.
هل أنا من تغير؟ أم أنني فقط بدأت أرى الأمور على حقيقتها؟
هل كنتُ أعيش في وهم العلاقات المثالية، في بيئة يُقابل فيها الحب بحب، والإخلاص بإخلاص؟ أم أنني فقط، كبرت بما يكفي لأفهم أن العلاقات ليست دائمًا كما نتمنى؟
الآن، لم أعد أبحث عن عدد الأشخاص حولي، بل عن جودة الحضور.
لم أعد أُقيس العلاقات بطولها، بل بصدقها.
لم أعد أرغب في أن أكون محبوبًا من الجميع، يكفيني أن أكون مفهومًا، حتى لو من قلة.
أُراجع علاقتي بكل من حولي، وأسأل نفسي بصدق:
هل أشعر بالأمان معهم؟ هل أكون على طبيعتي؟ هل يحتملون ضعفي كما يحتفلون بقوتي؟
وإن كانت الإجابة «لا»…
فربما لا بأس أن أرحل بصمت، أن أُحبّ نفسي بما يكفي لأختار العزلة على أن أعيش في دائرة زائفة من «الاهتمام المشروط».
لم أعد أفهم علاقتي بالآخرين، لكنني بدأت أفهم علاقتي بنفسي، وهذا في حد ذاته، بداية للشفاء.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.