من الأشياء التي يمكن رصدها بسهولة خاصة خلال مرحلة المراهقة كما يصطلح علماء النفس على تسميتها التي تقابل مرحلة البلوغ في الإسلام، هي تقبل الابن أو الابنة النصائح من الأصدقاء، ورفضها من الوالدين أو المقربين في الأسرة، فما السبب في ذلك؟
تقبَّل ابنك/ابنتك كما هو
بالنظر إلى علاقة كثير من الآباء والأمهات بأبنائهم في مرحلة المراهقة، نجد أنها يشوبها كثير من الاضطراب والتوتر، فلا تكاد تجد أبًا أو أمًّا إلا وتشكو سوء خلق ابنها أو ابنتها، وعدم طاعتها لأوامرها، وجلوسها بمفردها أغلب الوقت، ولا ترغب بالحديث إلى أحد من أسرتها.
في المقابل، تجدها شخصية أخرى تمامًا مع صديقاتها، تخرج وتمرح وتلعب، يتبادلون الكلمات، كما يتبادلون الابتسامات، كل واحدة منهن مستودع أسرار الأخرى، فما السر في ذلك؟
في البيت، يهرع الابن إلى أبيه كي يخبره بما حدث في الليلة الفائتة، رغبة في إشراك أبيه معه في تفاصيل يومه، والاستئناس برأيه، والشعور بقربه.
يسترسل في الكلام وهو لا يدري أنه يجلس أمام أحد المحققين يرصد هفواته وغفواته وأخطاءه كي يحاسبه عليها، ولا يدري الابن المسكين، أنه باسترساله يزيد قائمة الاتهامات التي ستوجه إليه بعد قليل.
بعد أن ينتهي الابن المسكين من الحديث، أو الفضفضة مع أبيه، تتغير ملامح الأب تمامًا، ويصبح وكأنه جالس أمام وكيل نيابة أو محقق، يناقشه في كل خطأ ارتكبه، لماذا أقدم على فعل هذا الأمر؟ كيف تذهب مع ذاك الولد؟
وهكذا الأمهات يفعلن مع بناتهن، فتكون النتيجة، أن يُعرض الأبناء عن الحديث إلى الوالدين، وأن يتجهوا بدلًا من ذلك إلى الأصدقاء.
قد يعجبك أيضًا لماذا يهرب المراهق من النقد؟
لماذا الأصدقاء تحديدًا؟
يلجأ الأبناء إلى الأصدقاء لأنهم يجدون فيهم وعندهم ما يحتاجون إليه، ما ينقصهم، ما كانوا يرغبون في الحصول عليهم من آبائهم، يجدون فيه الأذن الصاغية، اللسان العذب الطيب، الكلمة الطيبة، والثناء الحسن، يجدون من ينظر إلى إيجابياتهم ويتغافل عن سيئاتهم.
يميلون إلى ذاك الصديق الذي يمتدح طريقة لبسه وشياكته وأناقته، وقَصة شعره، وحذاءه الجميل. يمتدحون طريقة كلامها، ولبسها، واختياراتها، فتزهر معهم ما لم تزهر من قبل، وترتفع معنوياتها وتشعر بمكانتها وقيمتها، فتزداد ثقتها بنفسها التي تنعكس في قوة شخصيتها، وقدرتها على اتخاذ القرار الصحيح.
قد يعجبك أيضًا متى تنتهي صراعات الآباء مع الأبناء؟
الضمانة الوحيدة
عزيزي الأب، عزيزتي الأم، إن الضمانة الوحيدة لعلاقة جيدة بأبنائك هي القرب منه، وتقبلك له كما هو دون شرط أو قيد، فالمحبة المشروطة تبعدك عنه لا تقربك منه، تجعله قلقًا متوترًا يخشى غضبك، فتضعف شخصيته، وتقل ثقته بنفسه، وتذبل روحه، وينطفئ بريقه، ويصبح تابعًا لا متبوعًا، يخشى المحاولة والخطأ.
أقول لك، تقبل ابنك كما هو، تقبل ابنتك كما هي، بعنادها، بأخطائها، أخبرها أنك تحبها مهما فعلت لأنها ابنتك، إذ ليس شرطًا لكي تتقبل ابنك أن تتوافق معه في كل صغيرة وكبيرة.
فالاختلاف من طبائع البشر، وسنة كونية إلى يوم الدين، والآباء والأمهات قدوات ونماذج تُحتذى لأبنائهم، يجب عليهم إظهار قبول الآخر مهما كانت الخلافات والاختلافات، وكما يقال الاختلاف لا يفسد للود قضية، هذا مع الغرباء، فما بالنا مع الأبناء، فلذات الأكباد!
بعض الآباء من فرط حرصه على ابنه أو ابنته، يرسم له مستقبله، أنت عليك أن تجتهد لكي تصبح طبيبًا مشهورًا، وأنتِ عليكِ أن تبذلي قصارى جهدك لكي تلتحقي بكلية الهندسة، لا يتركون مجالًا لأبنائهم لاختيار المجال الذي يفضلونه ويجدون أنفسهم فيه، فمهمة الآباء ليس رسم الطريق للأبناء، ولكن إضاءته لهم، ويُترك لهم حرية الاختيار وفق رغباتهم.
أذكر أنه جاءني أحد الآباء وكانت تبدو عليه علامات الحزن الشديد، فقد حصلت ابنته على أعلى الدرجات في الثانوية العامة التي تمكنها من الالتحاق بكليات القمة، مثل الطب والصيدلة والعلاج الطبيعي وطب الأسنان وغيرها، غير أنها تصر على الالتحاق بكلية الفنون التطبيقية؛ لأنها تعشق هذا المجال منذ أن كانت صغيرة، وترى نفسها فيه، لكنها تصطدم برغبة الوالدين في الالتحاق بإحدى كليات القمة، لكي يُقال والد الطبيبة ذهب والد الطبيبة جاء.
لقد وصلنا إلى مرحلة من الاهتمام بالشكليات والمظاهر الكاذبة الخادعة التي خطف بريقها أبصار كثير من الناس في هذا الزمان، فما يهمه هو ما يقوله الناس، وليس ما يريده ابنه أو ابنته.
وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم في التعليقات أسفل هذه المقالة، من واقع تجربتكم وخبراتكم الحياتية مع أبنائكم.
أحسنت النشر.. بالتوفيق
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.