لماذا يفشل الأب المتعلم وينجح غير المتعلم في تربية الأبناء؟

كثيرًا ما توجَّه سهام الانتقادات إلى التربية الإيجابية ومن ينادي بها، ولسان حالهم: ويحكم أيها المتعلمون المتفزلكون، لقد تربينا على أيدي رجال ونساء لا يجيدون القراءة والكتابة، وقد أخرجوا منا رجالًا ونساء يتحملون مسؤولية إقامة البيوت وتربية الأبناء على الأخلاق والقيم والمبادئ.

فلماذا فشلتم أنتم أيها المتعلمون في تربية أبنائكم في هذا الزمان؟

اقرأ أيضًا لماذا يقبل الأبناء نصائح الأصدقاء ويرفضون نصائح الآباء؟

الجهل أم العلم في التربية؟

في البداية، لا توجد قاعدة تقول إن ما نجح فيه الآباء السابقون، أخفق فيه الآباء الحاليون، فلكل زمان أحواله ومتغيراته، ولا أدل على ذلك من أن طفل اليوم الذي لم يتعدَّ عامه الثالث بإمكانه الولوج إلى عالم الإنترنت، واختيار المحتوى أو المضمون الذي يشاهده وفقًا لرغباته، فماذا عن طفل الثمانينيات والتسعينيات الذين هم آباء وأمهات اليوم!

أذكر أنني -وبصفتي أحد أبناء جيل الثمانينيات واليوم أب لثلاثة أبناء- كانت تجربتي الأولى مع الإنترنت بعد تخرجي من الجامعة!

نعم كما تسمعون بعد تخرجي من الجامعة، أي أن المرة الأولى التي شهدت دخولي ومعرفتي بعالم الإنترنت كانت في العقد الثاني من عمري في الوقت الذي دخله ابني في عامه الثالث.

لم تكن معرفتي بالحاسب الآلي وبجهاز الكمبيوتر تتعدى المعرفة الشفهية النظرية، الدخول إلى قائمة start وshutdown عندما ننتهي ونريد غلق الجهاز. حتى عندما كنا ندرس مادة الحاسب الآلي بالجامعة.

لم يكن بمعمل الكلية سوى جهاز أو اثنين يعملان والبقية قيد الإصلاح، فكنا نتناوب نحن العشرات من أبناء دفعتنا للجلوس أمام هذه الشاشة الساحرة -الكمبيوتر- لكي يعلمنا المحاضر من أين نفتح ونغلق جهاز الكمبيوتر.

اقرأ أيضًا هل توجد علاقة بين مشاهدة الريلزات وضعف التركيز وتشتت الانتباه؟

ما علاقة هذا بما نتحدث عنه اليوم؟

ما قصدته أن التربية في السابق كانت أبسط بكثير مما هي عليه الآن، فكان الوالدان والجد والجدة والأعمام والأخوال يربون النشء، يقوِّمون سلوكيات الابن الخاطئة، لم تكن وسائل الاتصال الحديثة اليوم قد عرفت بعد.

أقصى ما كنا نشاهده أو نسمعه الإذاعة والتليفزيون الأبيض والأسود، حتى البث التليفزيوني فكان ينتهي عند تمام الساعة التاسعة أو العاشرة، إيذانًا بموعد النوم.

لكن بنظرة فاحصة للمؤثرات الكثيرة في تربية الأبناء نجد الآتي:

لم تعد الأسرة بمعناها الصغير -ولا نقول العائلة؛ لأن وجودها يكاد يكون مقتصرًا على اجتماعات شهرية أو سنوية لأعضائها بعد ما تفككت العائلة بزواج الأبناء وانفصالهم عن بيت العائلة، كلٌّ في مكان مختلف- المؤثر الوحيد في التربية؛ بل توجد وسائل الإعلام المختلفة على مدار الساعة وبمحطات متخصصة، في الرياضة، الفن، الدراما والمسلسلات، الغناء والطرب، الكارتون، وغيرها على مدار أربع وعشرين ساعة.

ليس هذا فحسب، بل دخلت وسائل التواصل الاجتماعي منذ بداية العقد الثاني من الألفية الجديدة بتأثير قوي لا يمكن إنكاره في تربية الأبناء، مع خروج المرأة إلى العمل، وإلحاق الأبناء بالروضة في سن مبكرة، أو التعهد به إلى الخادمة لكي تتولى عملية التربية في غياب الأبوين.

كل ما سبق ألقى بظلاله على عملية التربية، وجعل منها عملية معقدة في كل شيء، ليس فقط المؤثرات التربوية، ولكن أيضًا من يقومون بهذه المهمة، في ظل انشغال الأبوين وخروج المرأة إلى العمل.

اقرأ أيضًا نفسية طفلك أم بيتك المرتب؟

هل يمكن القول إن نجاح التربية أو فشلها يتوقف على العلم؟

قولًا واحدًا، نعم بكل تأكيد، وليس أدل على ذلك من أن أول آية نزلت في القرآن الكريم هي "اقرأ" اعترافًا بأهمية العلم وفضله.

وما يميز الآباء الناجحين عن غيرهم، هي رغبتهم المتواصلة في التعلم المستمر.

وهذه ظاهرة إيجابية في وقتنا الحالي؛ إذ تحدوهم الرغبة في معرفة أفضل الوسائل التربوية التي تعينهم في تربية الأبناء، والطبيعي أنه كلما كان الشخص أكثر علمًا وثقافة ودراية، كان أكثر قدرة على التربية على نحو صحيح.

وليس معنى وجود آباء وأمهات حصلوا على أعلى الدرجات العلمية، ومع ذلك متهاونون أو مقصرون في تربية أبنائهم، أن تكون القاعدة أن الآباء المتعلمين فشلوا فيما نجح فيه نظراؤهم من غير المتعلمين؛ لأنه إذا أردنا وضع قاعدة فلا يختلف اثنان: أنه بالعلم نربي أبناءنا لا بالجهل.

اقرأ أيضًا لماذا يشكو الآباء انحراف أبنائهم؟

أين المشكلة إذن؟

قد يكون نجاح بعض الآباء من غير المتعلمين يكمن في مساحة الحرية والثقة التي يمنحونها لأبنائهم، فيكبرون وكلهم ثقة بأنفسهم وقدراتهم وإمكانياتهم، لديهم قدرة على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية، مقارنة بنظرائهم ممن يصطدمون بسلطوية آبائهم وأمهاتهم وتعنتهم وعدم السماح لهم بالأخذ والرد والنقاش في الموضوعات التي تهمهم.

إذا أمعنا النظر في الأمثلة الناجحة من الآباء والأمهات السابقين من غير المتعلمين، لوجدنا أنه في الوقت الذي كانت تسود فيه أفكار التربية التقليدية القائمة على الضرب والإهانة والتوبيخ والتقليل من قدرات أبنائهم ووصفهم ونعتهم بأوصاف مثل الغبي، عديم الأخلاق، الفاشل، وغيرها، كانوا هم يمنحون أبناءهم الثقة، يدربونهم على المحاولة والخطأ.

ما يحاول البعض الترويج له اليوم، هو أن التربية التقليدية نجحت فيما فشلت فيه التربية الإيجابية اليوم، في إخراج نماذج صالحة من الأبناء في جميع التخصصات على الرغم من تربيتهم على أيدي آباء وأمهات لا يجيدون القراءة والكتابة، وهو طرح خاطئ يسيء إلى العلم والعقل الإنساني.

المشكلة ليست في التربية الإيجابية بقدر تطبيقها من قبل الآباء والأمهات الذين يضيقون ذرعًا، ويحسبون أنها تملك العصا السحرية لتغيير السلوكيات الخاطئة لدى أطفالهم، فالتربية تحتاج إلى صبر ومثابرة وقوة تحمل.

في هذا السياق، ربما ما كان يميز آباءنا وأمهاتنا السابقين أنهم كان لديهم صبر وقوة تحمل في التربية؛ ربما لأن الضغوط لم تكن كما هي عليه الآن.

فالأم كانت ربة بيت، مهمتها في المقام الأول تربية الأبناء، أما اليوم فالأمهات خاصة العاملات، لا يجدن حتى الوقت للقيام بمسؤولياتهن في البيت من طبخ وغسل وغيره، فكيف تجد وقتًا لتربية أطفالها؟!

ولا أدل على ذلك من ظهور أمراض العصر التي لم نعرفها من قبل، كاضطرابات التواصل الاجتماعي، التوحد، وغيرها، بعد ما حُرم الأبناء من حقوقهم الأساسية في اللعب، لتُستبدل بالجلوس بالساعات أمام الشاشات بأنواعها المختلفة، على الرغم من مضارها الصحية والعقلية واللغوية والاجتماعية على الأطفال.

وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم في التعليقات أسفل هذه المقالة، للإجابة عن هذا السؤال: لماذا نجح الآباء السابقون فيما فشل فيه الآباء اليوم؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة