يتعهد كثير من الآباء والأمهات يوميًا بعدم الغضب على أطفالهم، لكنهم يجدون أنفسهم يعودون إلى الانفعال والصراخ عند كل موقف غير متوقع. فما الذي يدفع الوالدين إلى فقدان السيطرة على أعصابهم؟ هل هي الضغوط اليومية والمسؤوليات المتراكمة؟ أم أنه توجد أسباب نفسية أعمق تؤدي إلى هذه السلوكيات؟ أم أنها رغبة في السيطرة على أطفالها من الصغر؟ أم توجد أسباب أخرى لذلك؟ في هذا المقال، نناقش الأسباب الحقيقية وراء غضب الآباء من أبنائهم، وتأثير ذلك في علاقتهم الأسرية ونمو الطفل النفسي.
حب مفرط أم رغبة في السيطرة؟
يمكن تعريف الغضب بأنه شحنة انفعالية تخرج في صورة عصبية وانفعال وصوت مرتفع وربما صراخ، وقد يصل الأمر إلى الإيذاء الجسدي متبوعًا بحالة الهياج التي يكون عليها الشخص.
تصرفات الأبناء على نحو لا ينال رضا الوالدين، أو على عكس توقعاتهم، من شأنها أن تثير انفعال الوالدين الذي يرجعه البعض في كثير من الأحيان إلى رغبة الوالدين في السيطرة على الأبناء، وتحديد الاستجابات المناسبة والتصرفات الملائمة التي يجب أن يلتزم بها الطفل داخل البيت وخارجه؛ لذا إن أي خروج عن هذه القواعد التي وضعت من شأنها أن تجلب غضب الوالدين، وقد يتطور الأمر ويصل إلى حد الإيذاء البدني، نتيجة حالة الهياج والصراخ التي تنتاب الأمهات تحديدًا عندما يتصرف طفلها على نحو غير متوقع.
ما الأسباب النفسية وراء غضب الوالدين؟
يعتقد هؤلاء الآباء والأمهات أن محاولة السيطرة على أطفالهم بهذه الطريقة من شأنها أن تحميهم مستقبلًا، وتجعلهم مقبولين بين أفراد المجتمع، فالتحدث بصوت مرتفع مع أحد الوالدين أو الكبار داخل البيت، أو رفض الابن أو الابنة طاعة الوالدين في إحضار شيء ما من السوبر ماركت، أو ترتيب غرفته بعد اللعب، أو تقاعس الابن عن كتابة الواجبات المدرسية بعد العودة إلى البيت، وبدلًا من ذلك يجلس أمام شاشة التليفزيون أو الهاتف النقال، وغيرها من الأمور التي من شأنها أن تثير غضب الوالدين.
كيف تؤثر التربية الصارمة في سلوك الطفل؟
في كتابه (عادة الغضب في تربية الأبناء) يفسر (كارل سيمليروث) السر وراء غضب الوالدين من الأبناء بقوله: «ينشأ الغضب من الرغبة في السيطرة، ويقع عدد من الآباء والأمهات فريسة محاولاتهم السيطرة على أولادهم، وهم إذ يحاولون ذلك يملؤون بيوتهم بالتفاعلات الغاضبة، وحين يحدث ذلك يصبح الوالدان أكثر إحباطًا وبؤسًا، ويصبح الأولاد أكثر ابتعادًا وغالبًا خارج السيطرة».
فعلى غير المتوقع، وعلى عكس ما يظن كثير من الآباء والأمهات بأن الغضب والانفعال على الأبناء من شأنه أن يجعل الأطفال ودودين طيبين، يتقبلون السيطرة على تصرفاتهم، نجد أن هذا السلوك يؤدي إلى تباعد الأبناء عن الآباء والأمهات، ما يزيد الفجوة بينهم، بل يجعلهم خارج السيطرة الوالدية.
ما تأثير الغضب المتكرر في الصحة النفسية للأطفال؟
من الأهمية أن يتوقف الوالدان لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذا الغضب الذي يخلق حالة من التوتر والصراع داخل البيت، والأخطر في الأمر أن الرسالة التي تصل إلى الطفل من الانفعال والغضب الوالدي هي رغبة والديه ليس فقط في السيطرة والتحكم بتصرفاته، وإنما أيضًا الرغبة في إلحاق الأذى الجسدي والنفسي به، فتكون النتيجة اضطراباتٍ وتوترًا وقلقًا ومعاناةً في أثناء النوم، وغيرها من المشكلات النفسية التي تعصف بالأبناء في هذا الجو الأسري المشحون.
ماذا يحدث عندما يصبح الغضب روتينًا يوميًّا؟
حالة الانزعاج التي يبديها الوالدان من تصرفات الأبناء لا تتوقف عند هذا الحد، ففي الغالب تصاحبها رغبة في الابتعاد أكثر من مجرد تعبيرات وجه غاضبة، أو صوت حاد ومرتفع، إلى سلوكيات مدمرة، كأن يصفع الوالد طفله وأن يركله برجله، أو يقذفه بشيء ما في يده.
مع تكرار هذه الحالة الانفعالية العصبية والإفراط في استخدامها، يصبح الصوت العالي والصراخ روتينًا يوميًا في حياة الأطفال، فيشعر الأبناء بالخوف وعدم الأمان، وتهتز شخصيتهم، وتضعف ثقتهم بأنفسهم، ويبحثون عن مكان بديل عن هذا الجو المشحون بالغضب.
كيف يمكن للوالدين التحكم في انفعالاتهم تجاه الأبناء؟
داخل البيت يضع الوالدان سقف توقعات مرتفعًا دائمًا خاصة الأم، فهي تتوقع أن يشاركها الأبناء أعمال البيت؛ من كنس ومسح وغسيل وإعداد مائدة الطعام وترتيب غرف المعيشة ورعاية الإخوة الصغار وغيرها من الأمور المنزلية، فإذا حدث ولم يظهر الأبناء التعاون انتاب الوالدين حالة من الغضب الشديد.
فضلًا على القواعد الداخلية التي تحكم الصغار والكبار داخل البيت؛ كمواعيد النوم والاستيقاظ والبقاء خارج المنزل التي يؤدي عدم التزام الأبناء بها إلى التسبب في غضب الوالدين.
الجلوس بالساعات أمام الشاشات، سواء كانت شاشة التليفزيون أم شاشة الموبايل، أم الجلوس أمام الألعاب الإلكترونية مدة طويلة، وتأثير ذلك في أداء الأبناء الأكاديمي وعلاقاتهم وتفاعلاتهم الاجتماعية داخل الأسرة، أيضًا من شأنه إثارة غضب الوالدين.
عندما يصل الأبناء إلى مرحلة المراهقة، تكثر المشكلات والانفعالات، ويصبح جو البيت مشحونًا طوال الأربع والعشرين ساعة، ما يمكن من حدوث الانفجار في أي لحظة، ودون سابق إنذار، كأن يلاحظ الوالدان سلوكات غريبة على أبنائهم؛ كالتدخين والتقليد الأعمى في الأزياء والموضة وقصات الشعر، وغيرها من السلوكات التي تثير غضب الآباء والأمهات من أبنائهم.
كيف يؤثر التواصل الفعّال في تقليل التوتر الأسري؟
ما يمكن قوله إنه إذا كان غضب الآباء والأمهات على الأبناء أيًا كانت الأسباب الباعثة عليه، هو أمر طبيعي كرد فعل على التصرفات التي تصدر عن الأبناء، ولكي يفهم الأبناء ذلك لا بد من وجود قناة اتصال حقيقية بين الآباء والأمهات، فيوضح كل منهما رؤيته وتوقعاته من الطرف الآخر، ما يسهم في تهيئة الجو الأسري، وتجنب التوتر الذي يمكن أن يحدث من جرّاءِ غضب الوالدين من الأبناء.
وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم أسفل هذه المقالة عن أفضل الوسائل في التعامل مع أخطاء الطفل أو تصرفاتهم غير المتوقعة داخل البيت وخارجه.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.