إذا سألتك من أعظم ملك في الحضارة المصرية القديمة؟ فستصاب بالحيرة لكثرة عددهم، فقد تقول لي إنه أحمس، لا بل هو تحتمس الثالث، بل رمسيس الثاني، أو الملك مينا موحد القطرين.
ولكن إذا سألتك من هو أغرب ملك في مصر القديمة، فستكون الإجابة واحدة، أمنحتب الرابع، دون نقاش، إنه مثير للجدل لدرجة أن الاسم السابق قد تمرد عليه، ليصبح إخناتون.
ملك أجرى تغييرات ثورية في كل شيء في مصر القديمة، ولكن لماذا؟ لماذا خلَّف وراءه تلك الحالة من الجدل؟ ذلك ما سنعرفه معًا، لذا الرجاء من السادة المسافرين عبر التاريخ والأزمان ربط الأحزمة استعدادًا للرحلة الشيقة.
حياة إخناتون
في البداية، إخناتون كان اسمه "أمنحتب الرابع" وذلك هو الاسم الأصلي له، ولد في عائلة ملكية، فأبوه كان الملك "أمنحتب الثالث" ووالدته كانت الملكة "تيي"، ويعتقد أنه ولد في العام الـ25 من حكم والده تحتمس الثالث.
أما عن مكان ولادته فهو محل خلاف، إذ توجد آراء تقول إنه ولد في جنوب مدينة هابو في قصر "ملكاتا"، وملكاتا تلك معروفة أيضًا باسم "الملقطة"، وهي كانت مجمع قصور على الضفة الغربية لنهر النيل.
وآراء أخرى تقول إنه ولد في منف حيث انتشار عبادة الإله "رع" إله الشمس، ويرى العلماء أنه ولد في تلك المدينة بسبب حياته الدينية في باقي حياته، إذ يقولون إنه ولد هناك، ومن ثم تأثر بعبادة إله الشمس وحول تلك العبادة في ما بعد إلى ديانته الشهيرة "الآتونية".
يوجد أيضًا اعتقاد أن إخناتون قد حكم مصر قبل توليه الحكم رسميًّا، ولكن كيف؟ الإجابة ببساطة أنه تقاسم السلطة مع أبيه، ولكن ذلك الرأي ليس مؤكدًا، وجد علماء الآثار في عام 2014 نقشًا على مقبرة الوزير "أمنحتب - هوي" وزير أمنحتب الثالث ملك الإنجازات العمرانية، ويحمل ذلك النقش اسم أمنحتب الرابع مع أبيه معًا.
ويرى العلماء المؤيدون لذلك الرأي أنه قد حكم مصر بالشراكة مع أبيه مدة لا تقل عن 8 سنوات، وقد تصل تلك المدة إلى 12 عامًا، ولكن الرأي الآخر يرى أنه قد نُقش اسم أمنحتب الرابع تعبيرًا عن الاحترام، لأن تلك المقبرة بدؤوا في إنشائها في عهد أمنحتب الثالث، وانتهوا منها في عهد أمنحتب الرابع.
كم كان عمر أخناتون عندما حكم مصر؟
عمر إخناتون في لحظة وصوله لعرش الحكم في مصر ليس معروفًا على وجه الدقة، ولكن سنخبرك معلومة مهمة قد تساعدك في معرفة عمر إخناتون التقريبي لحظة وصوله للحكم.
في عام 2010 أُعلن أن مومياء الملك الموجودة في مقبرة 55 بوادي الملوك، ترجع إلى الملك أمنحتب الثالث والملكة تيي، وأن ذلك الشخص هو والد الملك "توت عنخ آمون" أي أنه إخناتون، كل ذلك عن طريق فحص الحمض النووي، وأن تلك المومياء تعود لرجل توفي بين عمر الـ45 و50 عامًا، فإذا طرحنا عدد سنين حكمه من عمر المومياء، فإن إخناتون تولى حكم مصر وهو بين عمر الـ28 والـ33 عامًا تقريبًا.
ما قصة أخناتون؟
تتلخص قصة إخناتون في كلمة واحدة "الدين"، عند تلك الكلمة يبدأ وينتهي كل شيء، بعد تولي أمنحتب الرابع حكم البلاد أجرى تعديلات جذرية في الدين، فقد منع عبادة أي معبود آخر سوى إله الشمس "آتون"، بما في ذلك الإله الأكبر عند المصريين القدماء "آمون رع"، بل خاض حربًا ضروسًا مع العبادات الأخرى.
وكان يرى آتون على أنه إله واحد لا يشاركه أحد، ويروى أنه لما يئس من الناس وكهنة الآلهة الأخرى، هجر "طيبة" التي كانت في بعض الأحيان تعد عاصمة العالم القديم، من أجل أن ينتقل لـمدينة أخيتاتون.. العاصمة الجديدة لإخناتون، والتي أسسها من أجل الإله أتون "أخيتاتون" التي تعرف الآن بـ"تل العمارنة" بمحافظة المنيا، وكانت تلك المدينة ملاذًا له ولأتباعه.
وقد أسس في المدينة ما نعرفه نحن بـ"المساواة بين الناس"، حيث إن قصور الأعيان وعاملي البلاط الملكي مبنية بجوار بيوت الفقراء في تلك المدينة.
أما عن الأحوال السياسية فقد ساءت، إذ انشغل إخناتون بالتعبد والصلوات من أجل إلهه وزهد في الحكم، ما أدى إلى تقلص مساحة الإمبراطورية المصرية التي قد وصلت قبل توليه إلى نهري دجلة والفرات بالأعلى، وإلى النوبة، ويروى أيضا أنه قد ترك حكم البلاد لوالدته الملكة "تيي".
وقد استخدم إخناتون طريقة جديدة في التعبد لذلك الإله، وهي الإنشاد، فهناك أنشودة شهيرة لإخناتون تقول:
وهذه الأنشودة تقول إن الوحيد كان قبل إخناتون ولكن أخناتون هو الذي أحياه وأخلص في عبادته.
"يا مذكري بالأبدية
وحجتي في إدراك الأبدية
يا من سوى نفسه بنفسه
إنك صانع مصور لنفسك بنفسك
ومصور دون أن تصور
منقطع القرين في صفاته مخترق الأبدية
مرشد الملايين إلى السبل
وعندما تقلع في عرض السماء يشاهدك كل البشر
أنت خالق الكل وتمنحهم قوتك
أنت أم نافعة للآلهة والبشر
وأنت صانع مجرب
وراعٍ شجاع يسوق ماشيته
وأنت ملجؤها ومانحها قوتها
هو الذي يرى ما خلق
والسيد الأحد الذي يأخذ كل الأراضي أسرى كل يوم
بصفته واحدًا يشاهد من عليها
مضيء في السماء وكائن كالشمس
وهو يخلق الفصول والشهور
وكل البلاد في فرح عند بزوغه كل يوم.. لكي تسبح له".
حياة إخناتون كانت أغرب حياة لملك مصري على مر التاريخ، حتى نهايتها نهاية غامضة، فقد توفي في سن صغيرة نسبيًّا، فلا يعرف إذا كان مات طبيعيًّا أو بسبب مرض أو اغتيل.
لا يعرف أيضًا إذا انقلبوا عليه أم لا، ولكن ذلك في ذاته كنز، فتخيل معي أنه قد اكتُشفت جميع آثاره وأنه عاش حياة عادية، ونشر دينه بكل سهولة، هل كنت ستهتم للبحث عنه أو القراءة عن سيرته؟
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.