كثير من الآباء والأمهات لا يتحملون أخطاء الطفل سواء أكانت مقصودة أم غير مقصودة، وبدلًا من الوقوف على أسبابها ومحاولة تفهمها والتعرف على وجهة نظر الطفل إزاء هذا التصرف، يعاقبون الطفل، سواء بالشتم والتوبيخ أو الضرب. فهل هذه الطريقة المثلى في التعامل مع أخطاء الطفل؟ أم يتعين عليهم الوقوف على الأسباب التي دفعت الطفل إلى القيام بهذا الخطأ؟
لماذا يخطئ الطفل؟
كثير من الأخطاء التي يقع فيها الطفل -سواء بقصد أم دون قصد- يتوقف علاجها على مهارة الأبوين التربوية في التعامل معها من جذورها، وذلك بتفهم الدوافع التي دفعت الطفل إلى ارتكاب الخطأ، قبل محاسبته عليها.
الحقيقة التي يجب أن يدركها المربون أن حل معظم مشكلات أبنائنا بأيدينا نحن لا بأيديهم، وهذا يعني أن الآباء والأمهات يجب أن يمتلكوا مهارات تربوية من شأنها أن تجعل أبناءهم أقل عنادًا، أقل أخطاءً، أكثر استيعابًا وفهمًا لما يُطلب منهم.
الطفل بحاجة إلى تفهم المحيطين به لما يقوم به من أفعال، قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، خاصة في مراحل عمره الأولى -ما قبل المدرسة- فالطفل يكتشف البيئة التي يعيش فيها والأفراد الذين يتعاملون معه، وبمجرد أن يخطو خطواته الأولى يحاول تلمُّس كل شيء تقع عليه عينه، ولا يأبه لاعتراض الآباء والأمهات، ومحاولة منعه من الوصول إلى ما يريد، بل يزيد عناده إلى أن يصل إلى بغيته، ويتفحصها بحواسه كلها.
هذا يعني أنه يتعين على الآباء التسلح بالمهارات التربوية التي تعينهم على تربية أبنائهم تربية سليمة، والتعرف على الوسائل التي تعينهم لتحقيق ذلك.
اقرأ أيضًا: أهمية مرحلة رياض الأطفال في بناء شخصية الطفل
ما دوافع الطفل للخطأ؟
لو وضع الآباء والأمهات أنفسهم مكان أطفالهم عندما يخطئون لتغيرت كثير من ردات فعلهم تجاه أخطاء أطفالهم. ولنعد بالذاكرة عندما كنا أطفالًا صغارًا في مثل عمرهم، كيف كنا نفكر؟ وما الذي يدفعنا للتصرف بهذا الشكل؟ ولماذا لا يتفهم آباؤنا ما نريد؟ إجاباتنا عن هذه الأسئلة من شأنها أن تجعلنا أكثر تقبلًا وتفهمًا للأخطاء التي يقع فيها أطفالنا، ومن ثم نحافظ على العلاقة الجيدة بهم، التي من شأنها أن تقلل أخطاءهم، وتزيد ثقتهم بأنفسهم، وتقوي شخصيتهم.
على سبيل المثال، واحدة من الأخطاء التي يقع فيها الأطفال وتُغضب الأمهات، عدم قدرة الطفل على ضبط مسألة التبول، أو أنانيته ورغبته في الحصول على كل شيء تقع عليه عينه، فلا يحب أن يشاركه أحد بدءًا من الوالدين، ووصولًا لألعابه.
وهذه فطرة وطبيعة في الطفل خلال سنوات عمره الأولى. وإذا حاولنا نحن الآباء والأمهات أن نفعل غير ذلك، فإننا نخالف فطرته وطبيعة المرحلة التي يمر بها، فهم يريدون الأخذ وليس العطاء وعلى الوالدين تفهم ذلك.
اقرأ أيضًا: خطوات زرع الثقة بالنفس عند الأطفال
فراغ الطفل
فراغ الطفل وعدم إشغاله بما يفيد من الأسباب التي تدفعه إلى ارتكاب الأخطاء. وهنا مسؤولية الوالدين في المقام الأول، بإشغال وقت طفلهما في شيء مفيد، بعيدًا عن الجلوس بالساعات أمام الشاشات بأنواعها، نظرًا لأضرارها الكبيرة على الطفل صحيًّا وجسميًّا ونفسيًّا وأكاديميًّا ولغويًّا.
بل يجب أن نشغل وقت الطفل بما يفيد، وذلك بتوفير ركن خاص لألعابه في البيت، وتكون ألعابًا جذابة ومتنوعة، حتى لا يشعر بالممل، ويمكن للطفل ممارسة بعض أنواع الرياضات حسب سنه في البيت، وبتقليد الوالدين والإخوة الكبار في البيت، وحبذا لو شارك الأب أو الأم لعبته المفضلة لبعض الوقت، فإن لذلك وقعه الكبير في نفس الطفل.
الفضول والرغبة في الاستكشاف
الفضول والرغبة في الاستكشاف من الدوافع التي تدفع الطفل إلى الخطأ، وغالبًا ما يكون دون قصد، فقد يمسك الطفل بالسكين، أو يلعب النار، أو يقبل على الماء الساخن، فتكون النتيجة لا قدر الله إصابته، هنا يقع على الوالدين مسؤولية تفهم الأمر، وتعليم الطفل بعواقب الأمور.
الطفل يرغب في الاعتماد على نفسه، وأن يفعل كل شيء بمفرده دون مساعدة من أحد، وهذا أمر جيد يستحق التشجيع من الوالدين، لأنه يعلم الطفل الاستقلالية والاعتماد على النفس منذ الصغر، وهذا من الأشياء الجيدة التي يجب غرسها في أطفالنا منذ الصغر.
والعجب كل العجب من بعض الأمهات التي تصر على مساعدة الطفل في أثناء الأكل والشرب واللبس حتى عامه السادس، على الرغم من قدرته على الأكل والشرب واللبس بنفسه، وهو نوع من الحماية الزائدة والتدليل الزائد الذي يخرج شخصية اتكالية، ليس لديها القدرة على الاعتماد على النفس واتخاذ القرارات فيما بعد.
الشعور بالإهمال
أحيانًا يتعمد الطفل أن يخطئ لكي يجذب انتباه الوالدين، خاصة عندما يشعر بالإهمال منهما، وكثيرًا ما يقع الوالدان في هذا الخطأ، نتيجة الانشغال طوال اليوم سواء بالعمل، أو أعمال البيت بالنسبة للزوجة، لا سيما إن كانت عاملة، فيكون الضحية في النهاية هو الطفل الذي لا يجد أبواه وقتًا للجلوس معه لتربيته بدلًا من رعايته.
الطفل تحديدًا خلال سنوات عمره الأولى -ما قبل المدرسة- يكون بأمس الحاجة للجلوس مع الوالدين والتحدث إليهما، وهذا من شأنه أن يوجد رابطة قوية وعلاقة حميمية بين الطرفين، تيسر على الآباء تربية الأبناء، وتجعل الأبناء أكثر طاعة لأوامر الوالدين. والعكس صحيح، فإن غياب الوالدين عن أطفالهما وانشغالهما المتواصل، من شأنه أن يجعل الأطفال أكثر عدوانية، أكثر عنادًا، وأقل تقبلًا للأوامر والنواهي.
اقرأ أيضًا: ملخص كتاب «مشكلات الأطفال» للدكتور عبد الكريم بكار
أين العلاج إذن؟
العلاج سهل وبسيط ويتطلب من الوالدين الوقوف على الأسباب التي تدفع الأبناء إلى التصرف على هذا النحو، وذلك حتى نتمكن من حل المشكلة. وعلى الأبوين ألا يلتفتا كثيرًا للتعليقات السلبية من المحيطين، خاصة أفراد العائلة والأقارب، وكيف يسمحان لطفلهما أن يرتكب هذا الخطأ أو التجاوز دون عقاب.
بل على الوالدين أن يفكرا بطفلهما قبل أي أحد، وأن يعرفا متى يستخدمان الشدة والحزم، ومتى نلجأ للين والرفق بالأبناء.
يبدأ ذلك منذ ولادة الطفل، فنجد أنه يبكي باستمرار، ومع الوقت تتفهم الأم الدوافع والأسباب لبكاء الطفل، فتعرف من نغمة صوته، أنه يريد تغيير ملابسه، أو أنه يشعر بالجوع، أو أنه يعاني ألمًا في بطنه، كل هذا من مجرد نغمة صوت الطفل، حيث تتشكل تلك العلاقة ولغة التواصل بين الأم وطفلها منذ الأيام الأولى للولادة.
لكن توجد مشكلة أخرى تتعلق بهذا التعلق من الطفل لأمه، فتجده دائم البكاء إذا وضعته على الأرض، فهو يريد أن تحمله الأم دومًا، وهذا دون شك يمثل عبئًا كبير على الأم لا يمكنها تحمله، خاصة إذا كان لديها أطفال آخرون، وعليها في هذه الحالة تركه يبكي حتى يسكت بمفرده، وبالتدريج ومع الوقت سوف يتفهم ذلك؛ نظرًا لأنه لم يحصل على الاستجابة التي كان يتوقعها أو يرغب بها.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.