ماذا لو توجَّهنا بهذا السؤال لكل الآباء والأمهات: هل يكفي ما نكنُّه في صدورنا من حب وحنان لأطفالنا؟
أم يجب التعبير عن هذه الحب بشتى الوسائل؟
المظهر الإيجابي للحب
من المؤسف حقًّا أن بعض الآباء والأمهات، يكتفون بما يضمرون داخلهم من حب وحنان لأطفالهم دون أن يعبروا لهم عن هذا الحب بالكلمات، الأحضان، مشاركتهم ألعابهم، وقضاء الوقت رفقتهم.
يطلق علماء النفس على هذا الجانب من الحب الفطري الغريزي للأبوين تجاه أطفالهما، بالمظهر السلبي؛ لأن الطفل لا يشعر به، فعندما تصرخ الأم في وجه طفلها، وعندما يوبخ الأب ابنه أمام أفراد العائلة، هل هذا يعني أن يكرهه؟
بالطبع لا، لكنه أظهر الجانب والمظهر السلبي من الحب الفطري، وتجاهل تمامًا المظهر الإيجابي.
الطفل ذلك الكائن الضعيف الذي يرى في والديه العالم بأسره، ينتظر منك أيها الأب، وأيتها الأم، إظهار مشاعرك الفياضة، الجياشة، أن يلمسها، يتذوقها، لا سيما في العصر الذي نعيش فيه الذي طغت فيه المادة على كل شيء.
لدرجة أن أفراد الأسرة قد يكونون جالسين في غرفة واحدة، ولكن لكل واحد منهم عالمه الخاص، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي.
الحضن، الكلمة الطيبة، القبلة الحانية، قضاء بعض الوقت معه، مشاركته لعبته المفضلة، كلها وسائل ولغات مختلفة للحب يمكننا التعبير بها لأطفالنا عن مكانتهم بقلوبنا، في كل وقت وفي أي مكان.
الحرمان العاطفي
أعجب من بعض الآباء والأمهات الذين يخجلون من إظهار مشاعر الحب والحنان لأطفالهم والتعبير عنها، فقديمًا كانوا يعلموننا أن العلم يضيع بين الكبر والخجل، وكذلك الحب، لا بد من التعبير عنه بلغاته المفضلة لطفلك.
وإلا فالنتيجة أن الطفل أو الفتاة سوف يبحث عنه في مواقع التواصل الاجتماعي، والأصدقاء، ويا لها من كارثة، أن نترك أبناءنا للإنترنت وأصدقاء السوء، كي يشبعوا حاجتهم للحب والحنان والكلام الطيب.
في إحدى مدارس الفتيات الثانوية، أُجري استبيان، وكان من بين الأسئلة التي تم توجيهها للطالبات هذه الفقرة: أنا كبرت فمن حقي... (أكمل).
لقد كان الجواب صادمًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فأكثر من 53% منهن، أكملن الفقرة كالتالي: أنا كبرت فمن حقي أحب! تخيلوا، كيف لهؤلاء الفتيات في هذا العمر أن ينطق هذه الكلمة بل ويعبرن عنها بالكلام؟
وأين هم هؤلاء الآباء والأمهات الذين شغلتهم الدنيا بأحوالها ومشاغلها عن إشباع عاطفة ومشاعر أطفالهم؟
لذلك يمكن القول إن انحراف الأبناء خاصة الفتيات في مرحلة المراهقة تحديدًا مرجعه افتقادهن لمشاعر الحب والحنان في البيت، فتكون النتيجة، البحث عنه خارج البين.
فليست العبرة أن تكون موجودًا بين أبنائك وحسب، بل أن تظهر ذلك الحب والحنان وتلك المشاعر الفياضة التي بداخلك نحو أبنائك، أنت بذلك تحافظ على أطفالك، وتبتعد بهم خطوة بعيدًا عن طريق الانحراف، فضلًا على شعورهم بالأمان العاطفي والسلام النفسي.
متى تبدأ حاجة الطفل للحب والحنان؟
منذ اللحظة الأولى التي ينزل فيها الطفل من بطن أمه إلى هذه الدنيا بكل تفاصيلها، تكون حاجته للحب والحنان والرعاية والاهتمام، وليس أدل من ذلك، أنه وبمجرد أن يولد الطفل، يضعونهه على صدر أمه، كي يهدأ ويشعر بالأمان.
فالطفل دون مبالغة يشعر بدقات قلب أمه ونبضها، حيث يعيد إليه اتزانه وهدوءه وسلامه النفسي.
حتى إن بعض علماء النفس يفسرون صرخة الطفل الأولى منذ لحظة الميلاد "صدمة الولادة"، بأنها بمنزلة طلب للحنان والحاجة إليه من أمه لكي يزول قلقه.
هل الحاجة للحنان مرتبطة بسن معينة؟
حاجة الطفل لحنان والديه ليست مرتبطة بسن معينة عندما يصله الابن يزول هذا الاحتياج، فكم واحد منا وقد بلغ من العمر عتيًّا، ولا يزال على الرغْم من نضجه وكبره وأسرته، يشعر بحاجة لصدر أمه، لمداعباتها أصابعها ثنايا شعره.
حتى نحن معشر الكبار، عندما ينال منا التعب والإرهاق، ونضم أطفالنا الصغار لأحضاننا، نشعر وكأن جبالًا من التعب تتساقط من فوق أكتافنا.
لا شك بأن حاجة الطفل لهذه المشاعر الجياشة، تزداد في سنوات عمره الأولى، تقل بالتدريج كلما كبر في السن، ولكنها لا تنهي الحنين الذي بداخله لحضن أمه ودفء صدرها.
حتى الدراسات التربوية تثبت أن الطفل بحاجة إلى حنان أمه أو من يقوم مقامهما، فكانت فكرة المدارس النموذجية، فالمعلم والمعلمة بمنزلة أب وأم آخرين، يوفران السلام والهدوء النفسي إضافة للنواحي التربوية والتعليمية.
لكن هل يكفي حنان الأم وحده؟
لا حنان يعوض الطفل حنان أمه، ولكن هل وحده كافيًا؟
مهما أعطت الأم طفلها من حب وحنان ورعاية واهتمام، فإنه أبدًا لا يعوض حنان الأب، فالطفل بحاجة لأن يشبع هذه الحاجة من والديه معًا، ولعل غياب أحد الوالدين يؤثر سلبًا على نفسية الطفل، ونموه النفسي والعاطفي، فحرمان الطفل من هذه الاحتياجات من شأنه أن يتسبب في اضطرابات نفسية وسلوكية.
في حالات الطلاق، أو سفر الأب، يعاني الأبناء كثيرًا؛ لأنهم يفتقدون هذه المشاعر والاحتياجات العاطفية التي بحاجة لإشباع، لكن كيف ذلك، والأب والأم كل منهما في مكان؟!
يزداد هذا الاحتياج عندما يصل الابن أو الابنة مرحلة المراهقة حيث يحتاج الأبوان بالقرب منه، يميل الابن إلى أبيه، والابنة إلى أمها، نظرًا لطبيعة المرحلة التي تقتضي محادثات من نوع خاص بين الجانبين.
ولكون الأبناء خجلين، فإنه قد يكون عائقًا أن يتحدث الابن إلى أمه، أو الابنة إلى أبيها، خاصة ما يتعلق بالتغيرات الجسمية التي تحدث.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.