كثيرًا ما يعبِّر الوالدان عن استيائهما الشديد من تصرفات أطفالهما وسلوكياتهم غير المرغوبة، فيلجآن إلى العقاب بالضرب والإهانة. ورغم أن هذه الطريقة -فضلًا عن أنها غير تربوية- فإن نتائجها دائمًا ما تكون عكسية على المدى البعيد.
في هذه المقالة سوف نسلط الضوء على طريقة عقاب تربوية بعيدًا عن الضرب، ضمن سلسلة العقاب دون ضرب، بعدما تحدثنا في مقالتين سابقتين عن العقاب بالنظرة الغاضبة، ثم التهديد بالزجر والصوت المرتفع، واليوم نناقش فكرة العقاب بالتحذير.
اقرأ أيضًا لا للضرب.. تعرَّف على أسلوب العقاب بالزجر وفوائده التربوية
ماذا يعني العقاب بالتحذير؟
العقاب بالتحذير أسلوب تربوي يعتمد بالأساس على توجيه الطفل وإرشاده بلغة حازمة ونبرة صوت حادة ونظرة عين غاضبة، بديلًا عن الضرب، يتضمن تحذير الطفل من تداعيات قيامه بسلوك أو تصرف معين.
الهدف من هذا الأسلوب التربوي الذي أثبت فاعليته في تقويم سلوكيات الأطفال غير المرغوبة، هو تذكيره بالقيم الأخلاقية والاجتماعية المقبولة بطريقة تساعده في إدراك الخطأ وتعلم كيفية تصحيحه دون اللجوء إلى التعنيف.
كأن يقول الأب لطفله الصغير الذي يكتب على حائط المنزل "إذا كررت هذا السلوك مرة أخرى، لن ألعب معك، أو سوف تنظِّف الحائط كله".
وبما أن مشكلة العصر هي جلوس الأطفال ساعات أمام شاشات التليفزيون والهاتف النقال، فقد يفيد هذا الأسلوب التربوي إذا طُبق بحزم في تقويم سلوكيات الأطفال الذي يقضون معظم يومهم أمام الشاشات: "إذا لم تترك الهاتف النقال الآن، سوف تحرم منه غدًا".
هنا نبرة الصوت مع نظرة العين وحركة الجسد توصل رسالة للطفل بأن هذا التصرف غير مقبول، وقد يتعرض للعقوبة أو الحرمان من الامتيازات التي يحصل عليها، فتكون النتيجة هي التوقف عن مثل هذه التصرفات فورًا.
اقرأ أيضًا النظرة الغاضبة.. هل تكفي لعقاب الأطفال على تصرفاتهم الخاطئة؟
ما الفائدة؟
هذا الأسلوب التربوي بمنزلة عقد اتفاق بين الوالدين والأبناء، بالأشياء المقبولة، وأخرى غير المقبولة، لذا فإن الطفل يفكر جيدًا قبل الإقدام على تصرف ما خشية أن يُحرم من أشياء يحبها، سواء أكانت لعبة، أم مصروفًا، أم هدية، أم فسحة، أم غيرها.
على عكس الضرب والإيذاء البدني، فإن عقوبة التحذير، تُسهم في نمو الطفل النفسي والاجتماعي على نحو جيد، بواسطته يتعلم الطفل كيفية التفاعل مع المواقف بطريقة أكثر نضجًا، ويكتسب أيضًا القدرة على فهم عواقب أفعاله على المدى الطويل.
عندما يستخدم الآباء التحذير، فإنهم بذلك يفتحون باب الحوار مع الطفل بدلًا من خلق فجوة عاطفية؛ ما يعني تعزيز الثقة المتبادلة، وتقوية العلاقة بين الطرفين.
من شأن هذه الطريقة التربوية في العقاب أن تعلم الطفل الانضباط، عن طريق فهم القيم والقرارات التي يقف وراءها، وهذا يجعل السلوكيات الإيجابية نابعة من داخله، وليس نتيجة خوف من العقاب.
من مزايا هذا الأسلوب التربوي أيضًا أنه يساعد الطفل في التفكير في أفعاله وتصرفاته، وتدفعه للبحث عن أساليب لتصحيح سلوكياته قبل أن تتفاقم الأمور، أي أنها تُسهم في تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات لدى الأطفال.
أيضًا الأطفال الذين يتم تحذيرهم دون اللجوء إلى الضرب والتعنيف، يكونون أكثر قابلية للتفاعل الإيجابي مع النصائح والإرشادات، ويعزز ذلك قدرتهم على التعاون مع الآخرين.
اقرأ أيضًا تعرف إلى أهم أساليب العقاب وشروط ضرب الطفل
السؤال الآن: كيف نطبق هذه الطريقة التربوية في العقاب؟
فاعلية وجدوى هذه الطريقة التربوية في العقاب تتوقف على آلية التنفيذ، إذ يجب أن يكون التحذير واضحًا ومباشرًا، وأن يشرح المربي الأمر للطفل بطريقة بسيطة، بحيث يعرفه التصرف الخاطئ، ولماذا هو غير مقبول.
الأمر الثاني غاية في الأهمية، وهو أن تكون العقوبة مناسبة للتصرف الذي قام به الطفل، دون مغالاة. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يتصرف بعدوانية، فقد يكون التحذير من حرمانه من شيء يحبه أو من قضاء وقت خاص مع الأسرة كافيًا له.
لذلك من الأفضل الاستماع للطفل أحيانًا، للوقوف على الأسباب التي دفعته إلى التصرف على هذا النحو، فقد يكون السبب مشكلات أو ضغوطًا نفسية أو اجتماعية، أو مشكلة مع إخوته.
يعتقد بعض الناس أن هذا الأسلوب التربوي في العقاب يُقصد به التصرفات السلبية فقط، وهذا غير صحيح، بل يجب تشجيع التصرفات والسلوكيات الإيجابية المقبولة، التي من شأنها أن تعزز ثقة الطفل بنفسه.
كل هذه الأمور في جو من الهدوء دون صراخ أو تهديد، فذلك أدعى أن يسهم في تقبله للموقف، وعدم شعوره بالتهديد أو الخوف.
وهنا المشكلة التي يقع فيها كثير من الآباء والأمهات، ألا وهي التسرع والعجلة، وعدم الاستماع والانتظار لفهم ملابسات الموضوع، خاصة في حالة الغضب والعصبية، فتكون النتائج كارثية.
وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم في التعليقات أسفل هذه المقالة، حول تجربتكم مع طريقة التحذير مع أطفالكم.
أحسنت النشر يا صديقي
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.