دائمًا ما يتعجب جميع من حولي أنني أحب كرة القدم لهذه الدرجة، ويزداد تعجبهم عندما يعرفون أن لا أحد سواي بالمنزل يحرص على متابعتها، وعلى الرغم من وجود الكرة النسائية، وانتشار المشجعات في المدرجات والبرامج الرياضية إلا أن الشعب العربي ما زال غير مقتنع أن تولج فتاة لعالم كرة القدم، ويطرحون السؤال دومًا "لماذا قد تحب الفتيات كرة القدم؟"؛ والإجابة ببساطة لأنها تمثل الحلم لهن.
فدومًا النساء يضفن لمستهن، ونظرتهن الشاعرية لكل شيء، مهما بدا هذا الشيء قاسيًا، فترى مصارعة تصعد للحلبة لكنها بكامل أناقتها، وبأحدث تصفيفه للشعر، وعلى الرغم من عنف اللعبة، وأداء كل مصارعة إلا أنك ستستشعر النعومة، وسيظل شعور التعاطف والجمال يسيطر عليك أثناء المشاهدة، وستحب مشاهدة المصارعة النسائية أكثر من الرجال رغم ضعف المستوى عن الرجال، لأن النساء لهن سحرٌ.
فكيف ترى الفتيات كرة القدم لعبة الجري والروح والمهارات حلم؟ لو حاولنا حصر مآرب الفتيات اللاتي يشجعن كرة القدم، وأرجعنا المأرب لأصله سنجده في حقيقته حلم فمثلًا؛ هذه الفتيات اللائي شاء الله أن يكون نصيبهن لاعب كرة قدم، ولم يسبق لهن تشجيع كرة القدم لكنهن تحولن لمشجعات بعد الارتباط، فهن يهتممن بحلم شريك حياتهن، ويحلمن معهم، وبمرور الوقت يستقر حب كرة القدم بقلوبهن، ويعشن كل أحداث المباريات بانفعالات من عميق أفئدتهن، فهي لهن الحلم وفي الصفوف الأولى من الحلم حبيبهن، وفي طياته مستقبلهن.
ونوع آخر من الفتيات اللائي يشجعن كرة القدم من أجل الوسماء من اللاعبين، ولأن كرة القدم جارفة الشعبية ويتحدث الكل عنها فلماذا لا نتحدث نحن الأخريات؟! وهذا النوع أول ما يخطر بذهن الرجل العربي عن الفتيات اللاتي تحب كرة القدم، فهم للآسف منتشرات وبسببهن تتعرض باقي الفتيات المشجعات للسخرية، ظنًا أنهن مثيلاتهن، وعلى رغم اعتراضي على هذا التوجه إلا أنني لا يحق لي الحكم على أي توجه والمطالبة بإقصائه، وفي العموم فهن أيضًا أصل هدفهن "الحلم"؛ حلمهن بنيل أحد الوسماء الأغنياء المشاهير في عالم الكرة، أو حلمهن أن يصيرن مشهورات من خلالها.
ملاحظة؛ هذا النوع لا يشمله من يعرفن أنه كان هنالك مباراة أو ربما شاهدن آخر خمس دقائق، وعندما صار الحديث عن تلك المباراة "وسمًا -تريندًا-" تحدثن كأنهن خبيرات، فهؤلاء الفتيات تحاولن الانتساب للمشجعات وما هن بمشجعات، وعادة هذا النوع يحاول الانتساب لكل مجال كلما ظهر وكثر الحديث عنه.
هناك نوع آخر من المشجعات، وهو النوع الوراثي، نمت الفتاة في عائلة تحب كرة القدم، لا تترك مباراة، تكثر الأحاديث عن فتيات وتاريخ اللعبة في اجتماعات العائلة، يحرص الوالد على الذهاب لملعب المباريات، تصل الأجواء لأعلى درجات الحماسة والاستعداد ليلة المباراة، تشتعل الأجواء صخبًا وطربًا وتُصرَف المكافئات حين الفوز، ويخيم شبح الحسرة والصمت حين الهزيمة.
كل هذه المشاعر وأكثر تنشأ عليها الفتاة، فتتأثر وتصير مشجعة بنفس ذات الدرجة، بعض الفتيات يفلتن من وراثة حب كرة القدم رغم وجود هذه الأجواء؛ والحقيقة أنه أمر عجيب يجب أن يهتم علماء الاجتماع بإيجاد تفسير.
عودةً للمشجعات بالوراثة -واللائي كم أغبطهن، فمن اليوم الأول أدركن متعة كرة القدم-؛ فهن أيضًا تشجعيهن خير مثال للحلم، حلم أن يفوز الفريق ويؤدي جيدًا، ويحصد البطولات كي يبتهجن. وكم يجدن لهن السلوى في كرة القدم إذا توفى الوالد؛ فبعد كل فوز سيقلن "الفريق فاز، كم أن أبانا سعيدٌ الآن". وهذه المشاعر إن كانت تغمر أي مشجع كرة قدم محب بشدة للكرة، فهذه المشاعر مضاعفة عند الفتيات.
أما عن نوع المشجعات الذي أنتمي له، هو نوع بلا عوامل حافزة أو مُسبب إلا الشغف والحلم، فعندما سمعت لأول مرة عن بطولة كرة قدم مهمة لمنتخب بلادي كان عمري اثني عشر عامًا، حينها قررت أن أستكشف عالم كرة القدم، فوجدت فيه حماس لم أعرف مثيله فأعجبني، وتُوج منتخب بلادي بالبطولة حينها فوجدت الفرحة العارمة تضرب بشوارع المحروسة؛ بلادي التي تئن من المشاكل والتزاحم تنفس شعبها الصعداء، وهبها الله فرحة وتجديدًا لحب الوطن بقلوب شعبها، ومن جراء الفرحة زاد نشاط كل فرد وكثر إنتاجه، كل هذا حُفِر بفؤادي وحلمت أن يدوم، لكنه اقتصر حتى هذا الوقت على الإعجاب.
بعدها قررت أن أعرف أكثر عن الفرق والكرة، وجدت فريقا له أسلوب حكيم متطور من الإدارة تتمنى أن كل المؤسسات تصير مثله؛ فحينها سيتغير كل شيء للأفضل.
نما معي الحُلم "لو تعلمنا من ذلك النادي الإدارة والتخطيط، ورفعنا الحماس وقت إنجاز أعمالنا كاللاعبين، وتعلمنا الفرح والإيجابية كساعة الفوز بالمباراة، وجددنا في كل حين حب الوطن في أفئدتنا وتعهدنا على العمل لرفعته، لو أننا نقتدي بكرة القدم ونتعلم منها الدروس".
هذا الحلم قررت أن أطبقه على نفسي، وأتعلم من فريقي المفضل الدروس، فريقي المفضل عاندته الكرة، وكان سيئًا بالشوط الأول، لكنه لم يستسلم وعاد وسجل هدف الفوز بالدقيقة الخامسة بعد التسعين، فها أنا تراكمت دروسي، لدي بعض المشاكل، بعض الأحزان قابعة بفؤادي، أفكاري مخربطة؛ لكن فوز فريقي سيطرد الأحزان وكما عاند اللاعبون عناد الكرة سأعاند مشاكلي، وأتغلب عليها وأحقق هدفي كصاحب الهدف القاتل.
فريقي ارتكب الأخطاء بالمباراة، لم يعطها القدر الكافي من التركيز، نال الخسارة المستحقة لكن البطولة ما زالت طويلة وبعد يومين مباراة أخرى، فها أنا أتعلم الحياة مستمرة والتحديات لا تتوقف، لا داعي للوقوف بسبب فشل لنتعلم من أخطاء الماضي ونتفاداه فيما هو قادم.
ربما يعتبرها البعض نظرة فلسفية زائدة، أو محاولة فاشلة لإعطاء الأمور بُعدا غير حقيقتها، كما أن هذه الدروس يعرفها كل عاقل ولا حاجة لاستشفافها مُخصصًا من كرة القدم، وهذه حقيقة لكن كم هي الدروس التي نعرفها لكنني نحتاج للتذكير بها بمثال حي؟ نعم أنا أقتبس من حياة كرة القدم أحلاما لحياتي، أرى شغف اللاعبين على الأرض الخضراء، والروح والإصرار والاجتهاد رغم تفوق بعض المنافسين ويكون القتال المنتصر لا المهارة بدون قتال، فأقرر أن أنظر لهوايتي وحياتي بنفس هذا الشغف وأقاتل، وأؤمن أني سأنتصر مثلهم فإن لم أنتصر فلن تندم نفسي على سعيها، كما يُصفَق للفريق المجتهد إذا خسر وتُقام الممرات الشرفية.
وبالإضافة لكل هذه المشاعر والحياة التي أراها في عالم كرة القدم، فتشجيع كرة القدم كم يشعرني بالحرية! خاصةً أنني لا أملك الكثير من الحرية في بيتي وبين بلدتي؛ حرية اختيار الفريق، حرية التعبير عن الفرحة بعد كل هدف، حرية إبداء الرأي في التشكيل والأداء. وللأسف هذه الحرية بدأت التقلص لأنهم بالمنزل تأثروا من حبي للكرة، وأصبحوا يشاهدون ويعارضون كلامي ويحجرون رأيي لمجرد كوني فتاة فلن أفهم في كرة القدم رغم أنني من أهتم ومن جعلهم يحبونها!
ومع تزايد مظاهر الحريات في أوساط مشجعات كرة القدم المشهورات، تتزايد ردة الفعل العنيفة تجاه الفتيات أكمل اللائي يشجعن الكرة؛ "أنتِ تقولين رأيك عن الأداء! لماذا خرجتِ من المطبخ؟ هل كرة القدم هي الأخرى ستشاركوننا إياها؟ كرة القدم لعبة رجال" وهذه الأسئلة لا تُقال لكي يعرفوا الإجابة، هي للاعتراض فقط ومهما كانت الإجابة فلن تُقبَل. وفي الحقيقة أنا أؤيد اعتراضهم لكن على من تستحق وتطالب بعكس الفطرة البشرية، لكن ليس بمثل هذا الأسلوب، لكن مهما زادت المضايقات فلن أتناسى لكرة القدم آثارها في حياتي ولن أتخلى عنها.
وختامًا البعض يمكن أن يتساءل "هذا الحلم وهذه المشاعر يمكن إيجادها في أي رياضة أخرى، فلماذا كرة القدم بالذات؟ وهل حب كرة القدم يجعلكن تطالبن بكرة قدم نسائية وينجح الأمر ويصير منكن لاعبات كرة قدم نسائية؟"
وأنا أتفق تمامًا أن هذا الحماس وأكثر يتواجد في رياضات أخرى مختلفة، لكن ما هي اللعبة الشعبية الأولى؟ كرة القدم، وها هي الإجابة ففي ظل قلة الاهتمام بالألعاب الأخرى وبعضها يكون الاهتمام بها منعدم فكيف سنتابعهم؟
أما عن كرة القدم النسائية فهي كفكرة حرية ولا يوجد مانع ديني لها، أما كتطبيق فكل على حسب دينه وما يتقبله له الحق بالحكم بلا تجريح.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.