لماذا خلق الله الشر؟

هل تعتقد أن العالم مظلم؟ هل تعتقد أن العالم مكان جيد للحياة؟ لماذا خلق الله الشر؟ لماذا خلق الله الألم؟ هل تظن أنك مت وتعيش الآن في الجنة؟ دعنا الآن أيها الرفيق نبحر بك إلى حزمة من العوالم المتعددة، إذ إن كل حالة وكل شعور وكل حدث وعارض من مظاهر الحياة ما إلا محطات وعوالم مختزلة في عالم واحد الذي نملكه ونعيش فيه.

فالشعور بالسعادة مضاد الشعور بالحزن، شتان بين هذا وذاك، ويكون ذلك واضحًا جدًا في نفس المرء حين يكابد الحزن، وحين تنساب روحه مع غمرات الفرح.

وعلى هذا يجدر بنا الاعتراف بأن كل شعور مختلف يصاحبه عالم على شاكلته. 

والألم يرتبط بالشر، وكان الإنسان قديمًا ينسب الألم والشر إلى الشيطان، في حين لا ينسب السعادة لكيان ما، وكانت الأمراض العقلية تُعالج بالضرب على الجمجمة أو بثقبها، لاعتقادهم بوجود قوى شريرة لعبت بعقل الضحية، ولا شفاء لها إلا بثقب الجمجمة في مكان معين، ما كان يؤدي -في أحيان كثيرة- إلى العمى!

وبما أن الأسئلة تؤدي إلى مراد العقل، يجعلنا ذلك نسأل: من الكائن الأعظم في هذا الكون؟

إنه الإنسان، والإنسان في طبعه الطمع والجشع وحب السيطرة والتملك والشره نحو المال، وإن كان بعضنا في ظاهر الأمر أو باطنه يكافح آفات النفس والهوى، فإنها موجودة وجود الفطرة ساعة تكون روحًا في ظلام بدائيّ في بطن أمه.. إذن الإنسان فيه الخير والشر يجتمعان. 

فمن يسبب الألم ويخلق الشر؟ الطبيعة؟ أم أن غالب الآلام والشرر من الإنسان نفسه؟

حب السيطرة لدى البشر يدفعهم إلى خوض صراعات وحروب مخلفين وراءهم قتلًا ودمارًا

إن الطمع وحب السيطرة داخل البشر يدفعانهم إلى الانخراط في الصراعات والحروب، مخلفين وراءهم فقدًا وقتلًا يفوق ما خلفته الطبيعة من دمار.. فلماذا لا ينسب الإنسان الشر إلى نفسه؟ وإن كان المرء في أي مكان في الأرض يتحلى بالصدق والشجاعة وينسب الشر والألم إلى نفسه، فإنه لا يجرؤ على لوم الخالق لماذا خلق صفات دنيئة فيه ليجعله إنسانًا لا ملاكًا، بيد أن لديه فرصة كبيرة أن يصير ملاكًا.

أما نسبة الشر إلى الطبيعة، فإن الطبيعة هي الأخرى فيها ما فيها من جمال يخلب خيال المرء الحالم والمتأمل فيها من سماء وخضر، وما تنبت له من مختلف الأكل وتنبع له متنوع الشراب لينعم بما ينعم القائم في جنته. 

وترى الطبيعة هي الأخرى تُنفّس عن غضبها لما أصابها من عبث البشر الطامحين إلى معالي الحضارة، يتبع ذلك العبث كوارث طبيعية وبيئية فظيعة.. وكما ذكرنا، الفظائع التي خلفها الإنسان لجنسه، تفوق مرات ومرات ما خلفته الطبيعة، لذلك نجد أن غالب كوارث الطبيعة هي من الإنسان نفسه!

غير أن الجانب المظلم من الطبيعة مسير بفطرته، لكن الجانب المظلم في نفس البشر هو مخيَّر فيه.

من وجه آخر، نجد أن الآلام في حد ذاتها يمكن أن تكون إصلاحًا للإنسان، وقد وجدنا أن كثيرًا من البشر لم يتخلوا عن العادات السيئة التي تؤذي غيرهم إلا بعدما عرفوا طعم الألم.

وقد وجدنا أيضًا أن الإنسان بنظرته القاصرة يظن أن المتألم لا يشعر بالسعادة، بيد أننا قد عاينا حالات عدّة تكمن السكينة في ألمها.

وإن تحدثنا عن الموت فإن الموت يصاحبه مرارة الفقد؛ لأن الموت في حد ذاته هو نهاية الحياة، وإن الموت هو الحقيقة الوحيدة التي نراها ونؤمن بها مهما اختلفت عقائدنا وتوجهاتنا، وهي حقيقة آتية لا محالة لكل كائن حي، مهما طال الزمن أو قصُر، فلماذا نعده شرًّا؟

تبقى هنا مرارة الفقد، والفقد هنا ما إلا مرحلة مؤقتة لأن الحي سيجد الموت بعدما يتآكل العمر.

ولما كان الشر والصحة مصاحبان للخير والألم، فإن الإيمان بهذه الحياة جملة واحدة يجعلنا نهتدي أننا لسنا في الجنة، وأننا نعيش على كوكب فيه ما فيه من خير وشر، وأن الإنسان بعقله وروحه وجسده وهواه هو مصدر الشرور كلها، غير أن له إرادة حرة قد تهديه إلى النور الذي قد يهدي غيره إلى الطريق وإلى السكينة.

إن وجود الألم والشر وانتقاده أمر مضحك أو يدل على قصور في فهم كثيرين، إذ إن المرء حينها ينكر نفسه، وبذلك ينكر وجوده كليًّا وينكر طبيعته، في حين أنه يؤمن بالجانب المنير فيه، غير أن من يدعي ذلك، لو واتته الفرصة ليزيح زميله في العمل -مثلاً- ليحظى بفرصة مالية أو مكانة لفعل دون تردد، أو أي شيء آخر مما يهمس في نفس المرء من طباع الطمع.

وإن الأمراض هي صاحبة الصحة، إذ إنه لا صحة بلا مرض، وإن الإنسان لا يعرف الطعوم من بعضها إلا بعدما يتذوق مختلفها، وإن المرء لا يؤمن بالشيء إيمانًا صحيحًا، إلا بعدما يرى العكس، فالإنسان في جحود من الصحة والفرح إلى أن يرى ما يحزنه ويمرضه.

شيء آخر، هو أننا يحكمنا حيز المكان والزمان، وما الإنسان إلا كائن حي له من الزمن ما له ثم يرحل، سواء مرض أو حزن أو حدث له ما حدث من عوارض الدهر.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.