يتساءل كثير العرب وبعض الدول الصديقة عن سبب غلق الجزائر لحدودها مع شقيقتها المغرب وكأنه نوع من الحصار والغلق على المغرب، على الرغم أن شعبا الجزائر والمغرب من أقرب الشعوب وأكثرها تشابهًا بل هم في الأصل شعب وأمة واحدة فرقهم الاستدمار وتتدخل السياسة وترسم الخرائط والحدود.
قبل الإجابة على هذا السؤال لا ضير أن نقف عند أبجديات السياسة التي تقوم أساسًا على حفظ مصلحة الدول، ومن ذلك سنبدأ.
تاريخ المغرب والجزائر
يجب أن نذكر أن المغرب هو أول من فرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين وضيق على السياح الجزائريين الموجودين في المغرب، سواء للسياحة أو للأعمال بعد حادثة إرهابية اتهم فيها فرنسيون من أصول جزائرية (وهذا يعني في العرف أن أي دولتان متجاورتان حدوديًّا تفرض أحدها التأشيرة، فهذا يعني غلق الحدود دبلوماسيًّا).
قلنا اتهم فيها الجزائريون زورًا وبهتانًا في ظرف كانت تعاني منه الجزائر ويلات الإرهاب الإسلامي صامدة لوحدها، هذا الإرهاب الذي أحرق البلاد وقوض الاقتصاد المتهالك آنذاك.
وكادت الجزائر تدخل في حرب أهلية طاحنة تحرق الأخضر واليابس، وكانت نتيجتها لولا فضل الله ورحمته أكثر من خمس مليون قتيل ومائات الآلاف من المفقودين وعشرات مليارات الدولارات خسائر وبنى تحتية مهدمة، ولله المنة والفضل على كل حال.
وقد راهن المغرب على سقوط وانهيار الدولة الجزائرية وعبر عنه في كثير من المناسبات المعلنة وغير المعلنة، وبعد هذه الإهانة التي شعر بها قادة الجزائر للشعب الجزائري الذي لم يستسغ هذه الإهانة من الشقيقة المغرب وهو يعيش ظروف صعبة، فما كان من القيادة الجزائرية إلا أن تعاملت بالمثل وزادت عليه بالإعلان الرسمي عن غلق الحدود.
بعد ذلك قررت المغرب إلغاء التأشيرة إشارة إلى فتح الحدود مع الجزائر، معتقدة أن الجزائر ستحذو حذوها، لكن هيهات هيهات، فالجزائر ليست تابعًا لأهواء المخزن، تغلق عندما يغلق وتفتح عندما يفتح، بل هي الجزائر السيدة التي لا تقبل الذل والإهانة، فالجزائر كما قال الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة: "الجزائر تفتح الحدود عندما تريد، وهي الآن لا تريد". والعرف العربي يقول العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم.
تشير بعض المصادر غير المؤكدة أنه يوجد بالجزائر نحو مليون مغربي يعملون في الجزائر بصفة غير نظامية خصوصًا في مجال البناء والقليل منهم في الزراعة والأعمال التجارية عن طريق الشراكة مع جزائريين.
هؤلاء المغاربة يحتضنهم إخوانهم الجزائريون بكل مودة وأخوة، حتى إن الشرطة الجزائرية لا تضايقهم ولا تحقق معهم، ثم إنه من الواجب التذكير أن معظم العائلات الجزائرية في الحدود الغربية لهم أقارب وأصول أو فروع في المغرب الشقيق، وكل الشعب الجزائري يعتز بإخوانه المغاربة ويكن لهم كل الحب والمودة.
ما الأسباب الحقيقية لغلق الحدود؟
إن حادثة إغلاق الحدود التي فرضها المغرب كانت في الحقيقة القطرة التي أفاضت الكأس والقشة التي كسرت ظهر البعير، فالاقتصاد الجزائر يعاني الأمرين بسبب التهريب المنظم لمقدرات الشعب الجزائري.
فقد اشتهرت الجزائر وفق تصريحات الرئيس الأسبق للجزائر الشاذلي بن جديد "بالبقرة الحالوب التي تغذي أبناءها وأبناء جيرانها وتداوي أبناءها وأبناء جيرانها"، والمقصود دول الجوار وعلى رأسهم دولة المغرب.
فكان يهرب البترول ومشتقاته (النزين) المدعم من طرف الدولة (لأن الجزائر على الرغم من كونها بلدًا نفطيًّا فإنها تصدره خامًا وتستورد مشتقاته وعلى رأسها البنزين بالعملة الصعبة وتقوم بتدعيمه للمواطن الجزائري) وصل حجم التهريب إلى ما قيمته مئات الملايين من الدولارات، وانتعشت هذه الجريمة التي ترتقي إلى جريمة اقتصادية، واستفادت منها عصابات الحدود من كلا الطرفين جزائريين ومغاربة والضحية هو الاقتصاد الجزائري.
ولم يقتصر الأمر على تهريب النفط ومشتقاته بل تعداه إلى مواد غذائية استراتيجية وحيوية لمعيشة المواطن تقريبًا كلها مستوردة بالعملة الصعبة ومدعمة من طرف الدولة، أهمها السكر والسميد وحليب البودرة والزيت والأدوية.
فأظهرت الدراسات في مواقف تدعو للذهول والغرابة أن المواطن الجزائري الواحد يستهلك 3 كلغ سكر يوميًّا أي 120 كلغ شهريًّا، والشيء نفسه للأدوية؛ لأنه من الواضح أن كميات كبيرة كانت تهرب إلى دول الجوار وعلى رأسهم المغرب، كميات قدرت بنحو الثلث من إجمالي السلع الأساسية والنفط والأدوية، وقدرت بعض المصادر الجزائرية ما قيمته 15 إلى 20 مليار دولار من المواد الأساسية من نفط وأغذية وأدوية كانت تهرب إلى دول الجوار.
قضية الصحراء الغربية وسبتة وميلية وجزر الكناري
أثناء مفاوضات الاستقلال بين الجزائر وفرنسا التي جرت في إيفيان التي عرفت بالاتفاقيات إيفيان، قدم المستعمر الفرنسي مقترحًا يطلب فيه منح استقلال شمال الجزائر (المعروفة بحدودها اليوم وفق الحدود المرسمة من طرف الدول الاستعمارية) دون الصحراء.
فما كان من أحرار الجزائر إلا أن رفضوا هذا المطلب جملة وتفصيلًا، وقيل لفرنسا: "كل شبر من هذه الأرض مسقية ومطهرة بدماء الشهداء ولن نقبل ولن نتنازل عن شبر منها، فإما الاستقلال الكامل للتراب الجزائري وإما هي الحرب"، وكما يقال على قدر أهل العزم تأتي العزائم فما كان من فرنسا إلا أن رضخت وقبلت عن يد وهي صاغرة.
أما قضية المغرب مع فرنسا فهي مختلفة تمامًا فالمغرب الذي قبل الوصاية الفرنسية، فكان يحكم الملك شعبه وفق القانون الفرنسي وليس له الحق في تقرير شؤون بلاده الخارجية إلا بموافقة الحاكم العسكري في المغرب.
تقاسمت فرنسا وإسبانيا بلاد ما كان يعرف بالمغرب الكبير الذي كان يمتد من مضيق جبل طارق والبحر الأبيض المتوسط شمالًا إلى حدود شمال السينغال جنوبًا مع أجزاء من الجزائر والمالي، وموريتانيا كانت ضمن الأراضي المغربية كما يدعي المغاربة.
فأخذت فرنسا الجزء الشمالي المعروف حاليًا بالمغرب، وأخذت إسبانيا الجزء الجنوبي من المغرب المعروف حاليًا بالصحراء الغربية وموريتانيا وفي شمال المغرب مقاطعتي أو مدينتي سبتة وميلية، وأيضًا في المحيط الأطلنطي جزر الكناري.
عندما أعلنت فرنسا استقلال المغرب سنة 1954 وفق الحدود الحالية حتى اليوم، للتفرغ للقضية الجزائرية قصد القضاء عليها بنية عودة الدول التي منحتها الاستقلال مرة ثانية وعددها 12 دولة، قبلت المغرب بهذه الحدود ولم تجادل، لتبقى المناطق المعروفة اليوم بالصحراء الغربية وموريتانيا وجزر الكناري ومدينتي سبتة وميلية تابعة للاستدمار الإسباني.
لم يقاوم المغرب ولم يدخل في حرب للمطالبة بأقاليمه الجنوبية التي يدعيها وبقيت تتنظر وتترقب على الرغم من أنه كان قادرًا على تحرير أقاليمه، خصوصًا وأن حكم فرنكو الديكتاتوري في إسبانيا كان يتهاوى تحت ضربات حركة إيتا، ونسي أن استقلال الشعوب يؤخذ ولا يعطى، وأن ضريبة الجهاد والدم هي الضريبة الوحيدة التي تحرر الشعوب والأوطان.
سنة 1969 تعلن إسبانيا استقلال موريتانيا، فلم يفعل المغرب أي شيء ويتنازل مرة أخرى عن إقليم جنوبي ويعترف بالجمهورية الموريتانية، ويستمر في الانتظار فلربما ستجود عليه إسبانيا بمنحه الصحراء الغربية.
المغرب تحتل الصحراء الغربية
في سنة 1973 يقوم مجموعة من الشباب المتحمس من أبناء وقاطني الصحراء الغربية بإعلان حركة الجهاد والمقاومة ضد إسبانيا مطالبة باستقلال الصحراء الغربية مُعدَّة نفسها الممثل الشرعي والوحيد لسكان المنطقة الصحراوية.
وفي سنة 1975 تقوم اسبانيا بلعبة قذرة في اتفاق العار المعروف باتفاق مدريد حيث تنازلت فيه إسبانيا لكل من المغرب وموريتانيا متجاهلة أبناء المنطقة وثوار جبهة البوليزاريو.
والمذهل أيضًا في سياسة المغرب أنه يقبل بقسمة الصحراء الغربية بينه وبين موريتانيا، فهل يعقل من يعتقد أن هذه الأراضي أراضيه أن يتقاسمها مع دولة أخرى هي في الأصل كما يدعي انتزعت منه؟
ولكن بفضل الضربات القوية والموجهة لثوار جبهة البوليزاريو على الجيش الموريتاني جعله يعود أدراجه ويعلن انسحابه من هذه الأراضي، وللأسف يقوم الجيش المغربي باستغلال الفرصة واحتلال هذه المناطق المحررة من طرف جبهة البوليزاريو التي تمثل نحو ثلث منطقة الصحراء الغربية.
والشيء نفسه بالاستقلال مع اقتطاع منطقتي هامتين في قلب المغرب، فكثير من الإخوة العرب لا يعلمون أن مقاطعتي أو ولايتي" سبتة وميلية" الاستراتيجيتان هما مقاطعتين من التراب المغربي تابعة للسلطة الاسبانية، وسكانها المغاربة وبعض الإسبان يملكون الجنسية الإسبانية، ويخضعون للقانون الإسباني ويرفع فيهما العلم الاسباني، والشيء نفسه لجزر الكناري الاستراتيجية في المحيط الأطلنطي التي تخضعان لحد اليوم للسلطة الإسبانية.
وكان من الأجدر على المخزن مطالبة إسبانيا برد هذه المقاطعات ولو تطلب الأمر إعلان الحرب لكن سياسة المخزن معروفة، فهي لا تستطيع أن تأخذ بل تنتظر أن تعطى.
لماذا لم تقدم إسبانيا استقلال الصحراء الغربية للسكان الأصليين للصحراء؟
يجب أن نبين لإخواننا العرب وللعالم أجمع أن إسبانيا هي أكثر الدول دعمًا لسكان المخيمات الصحراوية في الجزائر وفي الأقاليم الصحراوية غير الخاضعة للاحتلال المغربي، وتقدم مساعدات كبيرة، كما أنها تدعم حق الصحراويين في بناء واستقلال وطنهم ظاهريًّا، ولا تقبل باحتلال المغرب للصحراء الغربية.
فلماذا هذا التناقض في الموقف؟ وكان باستطاعة إسبانيا تقديم الاستقلال للصحراويين بدل تقسمها على المغرب وموريتانيا وفق الاتفاقيات السرية التي عرفت "بإتفاقيات مدريد-اتفاق مدريد وقعته إسبانيا والمغرب وموريتانيا يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 أنهى الاستعمار الإسباني للصحراء الغربية، وتقاسم بموجبه المغرب وموريتانيا الإقليم".
ونص "اتفاق مدريد على منح موريتانيا منطقة وادي الذهب (الجزء الجنوبي من الإقليم) والمغرب منطقة وادي الساقية الحمراء (الجزء الشمالي) ومقابل ذلك احتفظت إسبانيا باستغلال الفوسفات من مناجم بوكراع كما احتفظت بقواعد عسكرية قبالة جزر كناريا".
وكانت هذه الاتفاقيات السرية استباق لمنع حصول الشعب الصحراوي على استقلاله أو على الأقل تقرير مصيره، حيث يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975، أصدرت محكمة العدل حكمها الذي أقر بوجود صلات اجتماعية وروحية وسياسية بين الإقليم وسكانه وبين البلدين.
كما نصَّ على أنَّ الصحراء الغربية لم تكن أرضا خلاء قبل الاحتلال الإسباني، وأن العلاقات القائمة لم ترق يومًا إلى مستوى السيادة، ولا يُمكن أنْ تُؤثر في حق سكان الإقليم في تقرير مصيرهم السياسي. وقبل يومين من صدور الحكم، طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتنظيم استفتاء لتقرير المصير في الإقليم.
وفي إبريل/نيسان 1976، وقع المغرب وموريتانيا اتفاقية لتقسيم الصحراء لتندلع مواجهة عسكرية دامية بين البلدين ضد جبهة البوليزاريو المطالبة بالاستقلال.
السؤال الذي يجب أن يجيب عليه المخزن المغربي: كيف يعقل أن يقبل باقتسام أراضيه مع موريتانيا إذا كان حقا يؤمن بأن هذه المناطق هي أراضيه؟
وقد تنازل من قبل عن موريتانيا التي كان يطالب بها على أنها من أراضيه، وقبل ذلك أيضًا طالب باسترجاع منطقتي تندوف وبشار في الجزائر التي ضحى واستشهد من أجلها الألاف من الشهداء الأبرار ومناطق أخرى من المالي، في الحقيقة فالمخزن ينتهج مسارًا واضحًا هو مبدأ المساومة، وليس المواجهة وتقديم ضريبة الدم التي بها وبها فقط تحرر الشعوب والأوطان.
خرجت موريتانيا من الصراع تحت قوة الضربات القاصية من ثوار البوليزاريو وكانت فرصة سانحة لانقلاب عسكري يوم 10 يوليو/تموز أطاح بنظام الرئيس المختار ولد داداه، ووقعت مع جبهة البوليزاريو اتفاق سلام بالجزائر يوم 5 أغسطس/آب 1979 بعد مفاوضاتٍ مكثفة استضافتها فريتاون؛ لتتمكن جبهة البوليزاريو من تحرير الثلث الجنوبي من أراضيها لكن للأسف في يوم الـ14 من الشهر نفسه، دخلت القوات المغربية وادي الذهب بعد انسحاب الجيش الموريتاني ومطالبة بكل الأراضي الصحراوية.
ميلاد جبهة البوليزاريو
بقربِ نهاية حقبة الجنرال فرانكو في إسبانيا بعد تدهور صحته وتقدمه في السن واغتيالِ رئيس وزرائهِ ورجل ثقته المخلص لويس كاريرو بلانكو على يد مسلحي حركة إيتا يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 1973، وكانت إسبانيا تستعد للتخلص من إرث فرانكو، ومنه الصحراء الغربية.
كان يعيش العالم نشوة التحرر خصوصًا في المنطقة العربية التي كانت معظمها مستعمرة، وكان المغرب لا ينفك يُطالب بالصحراء الغربية بحسبانها جزءًا لا يتجزأ من أراضيه التاريخية، وكان تمسكه بها قد اشتدَّ بعد تخليه عن المطالبة بموريتانيا عام 1969.
وطالبت موريتانيا هي الأخرى بالصحراء الغربية منذ 1957، وتعدُ السيادة عليها استكمالًا لوحدتها الترابية، ولتوحيد مجموعة قبائل البيظانْ التي تُشكل من الناحية الديمغرافية أهم مكونات الشعب الموريتاني.
شهدت الصحراء الغربية منذ الستينيات حركات سياسية محلية مناهضة للاستعمار الإسباني بعضها مقرب للمغرب مثل "حركة الطليعة" بقيادة محمد سيد إبراهيم بصيري والمجموعات القريبة منها، وبعضها لموريتانيا مثل الرمز السياسي المعروف صيلهْ ولد أعبيده الذي كان عضوا بالكورتس الإسباني ممثلًا للإقليم الصحراوي، ثم أسس جبهة تحرير الصحراء وضمها لموريتانيا.
كان يوجد أيضًا تيارٌ ثالث يرفع شعار الاستقلال وينادي بقيام دولةٍ صحراوية مستقلة، وشكلت جبهة البوليزاريو التي تأسست في مايو/أيار 1973 أهم فصيل في هذا التيار، وكانت مشَكلة أساسا من شباب في مقتبل العمر لا تكاد سنهم يُجاوز العقد الثالث من العمر، وكان الولي مصطفى السيد أبرز قيادات هذا التنظيم ذي النزعة اليسارية، في حين كانت أغلب التيارات الأخرى ذات نزعة تقليدية وتتكوَّن من وجهاء قبليين.
مثَّلت "انتفاضة الزملة" عام 1970، وما رافقها من قمع للصحراويين من قبل الاستعمار الإسباني، مفصلًا مهمًّا أجج حراكًا تحرريًّا لم يعرفه الإقليم من قبل. وأسهم احتضار فرانكو -وما كان يعنيه من خروجٍ وشيك لإسبانيا من الصحراء- في مضاعفة الفاعلين المعنيين بالقضية جهودهم أملًا في الاستفادة بأنجع الطرق من مرحلة ما بعد فرانكو.
رفعت البوليزاريو شعار الاستقلال والنضال المسلح، في حين اختار المغرب وموريتانيا تنسيق جهودهما فتوجها إلى الأمم المتحدة، مطالبين بعرض القضية على محكمة العدل الدولية لتقديم رأي استشاري حول صلاتِ الإقليم بالبلدين من الناحية السياسية والاجتماعية.
وفي عام 1974، شرعت المحكمة في الاستماع لمرافعات البلدين، وصيف ذلك العام أعلنت إسبانيا نيتها تنظيم استفتاء لـتقرير المصير بالإقليم في النصف الأول من 1975.
الجواب الذي لا يعرفه كثيرون هو أن إبقاء الوضع على ما هو عليه لمصلحة فرنسا وإسبانيا بالدرجة الأولى؛ لأن إسبانيا تعرف جيدًا أن استقلال الصحراء الغربية سوف يشعل ثورة الاستقلال لدى المغاربة لاسترداد سبتة وميلية، وربما حتى جزر الكناري التي لن تقبل هذه الأخيرة عن التنازل عنهما مهما حدث.
فرنسا.. المغرب والجزائر
لا تزال حتى اليوم تملك فرنسا الوصاية على المغرب وإن كان ليس بالنمط القديم، فالمغرب هو أكبر دولة فرنكوفونية، ولا تقوم بأي عمل إلا بإيعاز من قصر الإليزيه، وفرنسا كانت في كل مرة تعارض باستخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرار يفضي بحل النزاع في الصحراء الغربية الذي عدته الأمم المتحدة قضية تصفية استعمار وقضت بمقترح الاستفتاء على تقرير مصير الصحراويين إما بالاستقلال أو بالانضمام إلى المغرب.
من جهة ثانية ففرنسا العدو القديم الحديث والأزلي للشعب الجزائري لا يزال يعتقد أن الجزائر محمية فرنسية، وأن الجزائر أرض فرنسية يجب استردادها، ويجب أن تضعف وتبقى دولة ضعيفة هشة وسوقًا لأوروبا وفرنسا بالذات.
لذلك ففرنسا تبذل كل ما في وسعها لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه وتأجيج الصراعات بين الجزائر والمغرب بكل الوسائل حتى أصبح المغاربة يرون في الجزائر عدوهم الأول، وزرع المخزن في عقول شعبه أن الجزائر ستقدم على احتلال المغرب يومًا ما، وهي المسؤولة عن اختلاق مشكل الصحراء الغربية وهي من ورائه.
الجزائر قبلة الشعوب المستضعفة
قال المناضل الكبير نيلسون مانديلا: "المسلمون يحجون إلى مكة بالمملكة السعودية، والمسيح يحجون إلى الفاتيكان في إيطاليا، وأما الثوار والأحرار فيحجون إلى الجزائر قبلة الأحرار في العالم"، فكانت الجزائر قبلة الثوار والأحرار في العالم وهو شرف كبير أخذته الجزائر بتضحيات أبنائها ودماء شهدائها عبر التاريخ.
إن عقيدة الدولة الجزائرية أن كل شعب يناضل ويقاوم من أجل أرضه، له الحق في الاستقلال وفي بناء دولته، فليس من المعقول أن يقاتل ويناضل الصحراويون من أجل وطنهم وصحرائهم ضد المحتل الإسباني وتتخلى عنهم المغرب، وعندما يدحرون المحتل الإسباني تدعي المغرب أحقيتها في هذه الأراضي وتطالب بها، كان من الأولى أن تجاهد وتناضل عليها، فحرية واستقلال الشعوب والأوطان يؤخذ بضريبة الدم ولا يعطى هدية.
إن الجزائر تحترم حقوق الإنسان في تقرير مصيرهم بأنفسهم دول ضغوط أو تدخل خارجي، إن الجزائر تنادي باحترام المواثيق الدولية وقرارات منظمة الأمم المتحدة التي تنص بصراحة أن قضية الصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار.
وللخروج من هذه الأزمة قدم السيد جيمس بيكر خريطة طريق تنص على حق السكان الأصليين القاطنين في الصحراء الغربية قبل سنة 1974 للتصويت والانتخاب لتقرير مصيرهم تحت رعاية الأمم المتحدة.
يدعم المغرب دعمًا مباشرًا من فرنسا بمحاولة تغيير الخريطة الديمغرافية للصحراء الغربية والقيام باستثمارات غير مجدية اقتصاديًّا وتحفيز المغاربة للعيش في هذه الأقاليم لبسط نفوذه وتغيير الوضع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.