لماذا ترفض الزوجة المصرية تعدد الزوجات؟ ج2

هذا هو الجزء الثاني من مجموعة الأسباب النفسية التي بسببها ترفض المرأة المصرية فكرة زواج زوجها بأخرى، بل تحاربها إن كانت غير متزوجة.

في المقال السابق تحدثنا عن الغيرة، واليوم نتحدث عن السبب الأهم ألا وهو التعلق المرضي.

اقرأ أيضًا التعلُّق.. أسبابه ووسائل علاجه

التعلق المرضي

وهو أمر ناقشته مرارًا على صفحتي الشخصية، وفي كل عمل أدبي كتبته، حتى صدر لي مؤخرًا كتاب (لم يكن حبًا، كان إدمانًا) يتحدث باستفاضة شديدة عن التعلق المرضي وأعراضه وكيفية الشفاء منه.

إن التعلق المرضي عمومًا ابتلاء قلبي شديد جدًّا، يفوق أي ابتلاء آخر، وهو منتشر أكثر بين النساء، لا سيما فيمن تربين وسط مجتمع منغلق ملتزم.

الفكرة باختصار أن الأفلام والروايات والرومانسية أسهمت في رفع سقف توقعات الفتيات لفارس الأحلام، إضافة إلى وقت الفراغ الهائل، فتصورت أن زوج المستقبل هو ساحر سيلبي لها كل ما تحتاج، واحتياجات غالب النساء عاطفية معنوية لا مادية، على عكس ما هو منتشر بأن النساء تعبد المال وتعشق الزوج الثري.

أتحدث عن المرأة السوية التي تتزوج لاحتياجات عاطفية ومعنوية، أما من تبحث عن المال أو تتزوج لأن هذه سنة الحياة أو تتزوج لمجرد الإنجاب فحسب بغض النظر عمن تتزوجه، فعليها مراجعة أسبابها جيدًا.

غالب فتياتنا نشأن نشأة عانين فيها ظمأً عاطفيًا شديدًا، لا لعطش ولا جوع، بل ظمأ من الأب المشغول بالإنفاق على المنزل هذا إن كان موجودًا أصلًا، والأخ الذي لا هم له إلا إثبات رجولته المبكرة بالتحكم في حياتها بالأمر والنهي، فممن تروي هذا الظمأ إذن؟

لهذا ظهرت العلاقات المحرمة، وسرعة تعلق الفتيات بكل شخص يظهر لها بعضًا من الاهتمام، إن المرأة أمام الاهتمام والحب ولو كان زائفًا تضحي بكثير، ولو كان شرفها وحياءها في بعض الأحيان.

والشباب العابث ما أكثره، والفتاة تقدم له نفسها وعواطفها وحبها على طبق من ذهب دون مقابل من ناحيته، فقط لتحظى بفتات المشاعر التي يلقيها لها من حين إلى آخر.

اقرأ أيضًا لماذا ترفض الزوجة المصرية تعدد الزوجات؟ ج1

مصيدة التعلق

بعد الزواج تتعلق الفتاة بزوجها تعلقًا مرضيًا لا شك، فهذا هو مصدر الأمان والاحتواء والحنان وإرواء هذا الظمأ العاطفي الوحيد دون الخوف من العلاقات المحرمة.

ربما لهذا السبب تخشى الزوجة التي يضربها زوجها الطلاق، مع أنه يؤذيها، في حين تطلبه بكل جرأة لو طالب هذا الزوج بالزواج من أخرى، مع أنه لا يصلح للزواج أصلًا، وسنناقش هذا في مقال قادم.

لكن التعلق المرضي من أهم أعراضه حب التملك، وهذا يظهر في عبارات عادية تقولها الزوجة عفويًا، مثل:

مش هأسمح لواحدة غيري تشاركني فيك.

- أنت بتاعي لوحدي.

وهي جمل عجيبة، كأنما الزواج عقد ملكية أو صك عبودية لا ميثاقٌ غليظ، قد تكون المرأة أسيرة عند الرجل بميثاق الزواج، لكن الرجل ليس كذلك.

حب التملك يظهر في أفعال أخرى كثيرة، لكن النساء يفسرنه حبًا؛ لأن الحب ببساطة لا يعرفه من امتلأ قلبه بالتعلق، وهو يمثل نسبة ضئيلة جدًّا في هذا الزمن.

اقرأ أيضًا تأملات في موضوع الحب

الحب والتعلق

إن الحب يختلف تمامًا عن التعلق، لكن التعلق يسمى حبًا لأن الصورة المنتشرة في الأفلام والروايات هي صورة التعلق لا الحب، وهي الصورة التي تصدر للناس على أنها حب.

الحب شعور عميق قوي، لا يمكن وصفه بكلمات، أصحابه لا يتحدثون عنه على الإطلاق، ولا يظهر في هؤلاء الذين تمتلئ وسائل التواصل بصورهم الضاحكة السعيدة.

الحب شعور صامت، يجعلك تفعل أي شيء في سبيل من تحب، ولو كان رحيلك عنه سيريحه، وتتنازل عن كثير من عاداتك من أجله.

في بعض الأحيان تجد نفسك تقلده في حركاته، وتردد عباراته، ليس بالحب تملك على الإطلاق، بل كل طرف يترك الآخر على سجيته، فلا يطارده ولا يقيده بمراقبة وقوانين، وإن فعل يكون بغرض الاطمئنان وليس الشك.

أصحاب هذه المشاعر لا حل لهم سوى الزواج؛ لذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لم يُر للمتحابين سوى النكاح»، ليكون قوله دلالة واضحة على أن الحب قد يحدث قبل الزواج، وأن الزواج هو علاجه الوحيد.

بينما التعلق يطغى عليه حب التملك والسيطرة على الأرجح، وقد يكون الأمر حبًا في البداية ثم يتطور إلى تعلق مرضي بمرور الوقت.

لذا كان أهم ما تقابل به ربك في الآخرة هو القلب، وأن تعمل على تنقيته وتزكيته قدر ما تستطيع في هذه الدنيا، وأن تكون وظيفتك الأساسية أن يرضى الله تعالى عن قلبك.

اقرأ أيضًا إدمان العلاقات والتعلق بالأشخاص

التعدد حل للتعلق

العنوان غريب، لكنه حقيقي من وجهة نظر عملية، الزوجة المتعلقة بزوجها تعلقًا مرضيًا علاجها في أن يقتسم زوجها وقته مع امرأة أخرى، فلا يكون موجودًا معها طول الوقت، وبدلًا من حياتها التي كانت تدور حول زوجها فحسب، فقد صار لديها فائض من الوقت يمكنها أن تستغله لنفسها.

مشكلة المرأة المصرية أنها تربت على أن الزوج هو كيانها وهمّها الأوحد والأخير، فتمسكت كل زوجة بزوجها تمسكًا مبالغًا فيه، وظلت مجرد قمر يدور حول كوكب واحد هو زوجها.

لكن الأمهات لم يربين بناتهن على حب النفس وكيفية إسعادها، وتنمية العقل والروح، وممارسة الهوايات المختلفة واغتنام وقت الفراغ، فليست المرأة زوجة فقط، إن مهامها متعددة، حتى مع زوجها.

فهي الصديق المثقف الذي يمكنه أن يتحاور معه في أمور مختلفة حوارًا شيقًا، ويستشيرها في مشكلات عمله، وهي الأم التي تعتني به وقت المرض وتحرص على رعايته، وهي الحبيبة في الأوقات الخاصة، والأنثى المدللة التي تملأ الدنيا مرحًا وصخبًا، وكل هذا في امرأة واحدة.

لكن الزوجة المصرية لم تفهم هذا، وظلت تحيط الزوج بقيود نفسية كثيرة، حتى وجد الزوج نفسه يحاول التملص من تلك القيود؛ ليظفر ببعض الحرية، ليُفاجأ أنها تتحكم بكل شيء حرفيًا، حتى فيه نفسه.

في وقت الفراغ الذي كان يحتله زوجها ستشعر الزوجة الأولى بالتخبط على الأرجح؛ لأنها لم تعتد أن تكون وحدها ولو جزئيًا، قد تطارد زوجها بالرسائل والاتصالات على أمور واهية، وقد تبدأ باختلاق المشكلات، لكن عليها فعلًا أن تتعلم كيف تحب نفسها وكيف تعيش هذا الوقت لها وحدها.

كل شيء سيأتي بالتدريج، المهم أن تكون هي نفسها تريد التغيير، وأن تصبح أحسن حالًا، وأن تسعى إلى علاج قلبها من مرض التعلق، هذا إن اقتنعت أنها مريضة فعلًا.

اقرأ أيضًا لهذه الأسباب يحارب المجتمع فكرة الزواج الثاني للرجل ج2

الخوف من عدم العدل

تخاف الزوجة من المستقبل ومن المجهول، هذه زوجة كانت حياتها مستقرة هانئة، فإذا بزوجها يتخذ قرارًا يقلب هذه الحياة المستقرة رأسًا على عقب، وقد يكون قد نفذه فعلًا، وتزوج من بضع سنوات، لكنه أخبرها اليوم.

حينئذ تشعر الزوجة الأولى بالخداع، وبأنه كان يكذب عليها طيلة الوقت، وهذا أكبر شعور يؤذيها، مع أنه لم يقترف إثمًا، لم يظهر عليه أي تغيير، لكن الأمور ستتغير اليوم بعد أن علمت.

فبعدما كان يبيت معها يوميًا تحت سقف واحد صارت له أيام محددة، وهي تعلم أن في حياته امرأة أخرى يتشارك معها كل شيء، ولا ينفك ذهنها عن المقارنات وسماع قصص الزوجات اللاتي تعرضن إلى تجربة مثل هذه.

إن قصص التعدد مؤلمة في غالبها، والناظر لها لن يقدم على الأمر على الإطلاق سواء كان رجلًا أو امرأة، لكن قصص الزواج العادية كذلك أيضًا.

فالقصص التي تتحدث عن مشكلات الزواج أكثر بكثير من مشكلات التعدد، والناظر إليها لن يتزوج، والواقع أنه توجد نماذج ناجحة في كل شيء، لكن أصحابها لا يظهرون، ولا يتحدثون عن تجربتهم لأحد، إنهم يعيشون اللحظة لتدوم؛ لأن التحدث عن السعادة يعرضها إلى الفقد.

اقرأ أيضًا لهذا السبب يعارض الأهل فكرة الزواج الثاني للرجل

الخوف من كلام الناس

ومن نظرة المجتمع الذي لن ينفك يتهمها بالتقصير ويرميها بنظرات الشفقة، والواقع أن التقصير ليس منها، في أحوال كثيرة تكون زوجة مثالية، لكن المشكلة ليست فيها، إن زوجها هو من يحتاج إلى مزيد، أو يحتاج إلى أشياء أخرى معنوية قد لا تقدر عليها، وهذه طبيعة في الرجال ولا تعيبهم أيضًا.

لكن المجتمع سطحي لا يفهم هذه الأمور، وما على الزوجة إلا أن تتجاهلهم، هكذا ببساطة، وكل أمر يتحدث عن المجتمع اليوم يصمتون عنه بعد وقت معين، كأنه لم يكن.

المهم أن تتيح الفرصة لصوت العقل، وتعلم بعد مدة من المقاومة والاعتراض أنه لا شيء سيمنع إرادة الله، فتستشعر عبادة التسليم، ولتدع كل شيء يسير كما هو مقدر له. 

لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، البلاء الذي قدّره الله تعالى على صاحبه يعلم أنه سيتحمله، لن يكلفنا الله بما لا نطيق، لكن الابتلاءات القلبية فيها تهذيب للنفس والروح، وهذا ما لا نعلمه إلا بعد مرور المرحلة الأصعب من البلاء.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة