عندما قلنا في المقالة السابقة إن الترجمة تحتاج إلى مترجم متخصص وليس مجرد شخص يجيد اللغة وفقط، قصدنا أن نلقي الضوء على طبيعة عمل المترجم ودوره. ولنبدأ بتعريف المترجم.
من المترجم؟
المترجم هو في الحقيقة كاتب يصوغ الأفكار في نص موجه إلى قارئ، وصحيح أنه يصوغ أفكار غيره، لكنه يصوغها بلغة أخرى لجمهور آخر، وهذا أصعب من الكتابة الأصلية، فالكاتب الأصلي لديه الحرية في صياغة أفكاره، إما بتطويع اللغة التي يكتب بها للفكرة التي يريد كتابتها، وإما بتطويع الفكرة للغة.
وهذه ميزة يحرم منها المترجم، لأنه لا يستطيع تغيير فكرة الكاتب الأصلي ولا طريقة صياغته، بل لا بد أن يوصلها بدقة عندما يترجمها إلى لغة أخرى، وهنا يواجه عدة صعوبات ليست بالهيّنة، أولها دلالات الألفاظ الثقافية والتاريخية.
كلمة "بشت"، مثلًا، أو كلمة "جلباب" في العربية، لها جذور ثقافية في المجتمع العربي تتعدى كونها مجرد قطعة ملابس، فهي رمز للشجاعة والمكانة الاجتماعية والتفاخر في المناسبات والأعياد.
وكلمة "جلباب" أيضًا لها جذور ثقافية في العربية وتعبر عن الهوية العربية، وهي بهذا لن تجد لها مرادفًا في الإنجليزية يؤدي المعنى نفسه ثقافيًا.
فإذا ترجمنا كلمة "بشت" العربية أو "عباية" بكلمات مثل "Coat" التي تعني "البالطو" أو "Gown" التي تعني "ثوب" مثلًا في الإنجليزية، فإنها لن تعطي نفس الدلالة الثقافية والتاريخية. لهذا، يفضَّل ذكر الكلمة كما هي "Bisht" وكذلك كلمة "جلباب" التي ترتبط بالهوية الثقافية العربية، وليس لها مرادف يؤدي المعنى نفسه في الإنجليزية، فكلمة "Dress" أو "Garment" التي تعني "ملابس" لن تعبر تعبيرًا دقيقًا عن كلمة "جلباب" في العربية.
لاحظ أن كلمة "بيجاما"، التي هي كلمة فارسية في الأصل وتعني ثوب النوم الفضفاض، قد أخذتها الإنجليزية وأصبحت كلمة إنجليزية، فهم يقولون "Pajamas" بمعنى منامة، ولهذا لا تعبر بدقة عن كلمة "جلباب" أو "جلابية" في العربية؛ لذا نجد الإنجليز يطلقون عليها الاسم نفسه "Galabia"، بسبب هذه المشكلة في الدلالات، تستعير اللغات من بعضها البعض الكلمات التي ليس لها بديل في اللغة الأصلية.
هنا يجب أن يكون المترجم على علم بثقافة وتاريخ اللغة التي يترجم منها وإليها. وسنتحدث في المقال القادم عن مشكلات أخرى تؤثر في مستوى الترجمة وإجادتها، فللحديث بقية.
👍👍👍
🌹🌹🌹
👏👏👏👏👏
👏👏👏👏👏
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.