لماذا تدهورت الترجمة في العالم العربي؟ «1»

الترجمة هي الجسر الذي يربط الشعوب والثقافات المختلفة في جميع أرجاء العالم، وتسهم في التعارف بينهما، هذا الجسر الذي يجب أن نعمل على بنائه؛ لما له من أهمية كبيرة في نقل المعارف والخبرات والتعارف بين الشعوب.

عندما تختلف اللغة بين المجتمعات، تصبح حاجزًا قويًّا أمام معرفة هذه المجتمعات ببعضها بعضًا، ويصبح من العسير التفاهم بينها، ومن ثم التعاون والعلاقات الجيدة، وحينئذ يأتي دور الترجمة لكسر هذا الحاجز وفتح الطريق أمام علاقات التقارب بين هذه المجتمعات، والترجمة علم وفن في الوقت نفسه؛ علم له قواعد وأدوات، وفن في طريقة استخدامها، فلا بد للمترجم أن يكون لديه علم باللغة المنقول منها واللغة المنقول إليها، استنادًا إلى موهبة في صياغة الأفكار والمعلومات، فالمترجم كاتب ومؤلف يعيد كتابة نص ما بلغة أخرى.

ثم إن الترجمة إحدى أهم عوامل نهضة الحضارات، ففي مصر مثلًا، اهتم محمد علي رائد النهضة العربية ومؤسس مصر الحديثة، بالترجمة والتعريب اهتمامًا كبيرًا، ودعا إلى ترجمة الكتب العلمية والأدبية من الفرنسية والإنجليزية، وأنشأ مدرسة الألسن في مصر لتعلم اللغات الأجنبية، وقد استمرت هذه الحركة منذ أواخر القرن الثامن عشر حتى السبعينيات من القرن التاسع عشر، ما أدى إلى إثراء الحياة العلمية والأدبية، وأسهم إسهامًا كبيرًا في رُقي ووعي المجتمع.

لكن للأسف، توقفت حركة الترجمة أو كادت بعد ذلك، ما أدى إلى تجمد الفكر الثقافي والعلمي عند هذه المرحلة، فما زلنا في مصر أو في معظم البلدان العربية ندرس النظريات والأفكار القديمة، ما جعلنا نتخلف عن ركب الحضارة التي قطعت أشواطًا كبيرة في التقدم، حتى أصبحنا نلهث للحاق بها، كل هذا بسبب تقاعسنا عن المتابعة وترجمة كل جديد في العلوم المختلفة حتى نبني عليها ونطورها.

يشكو متخصصون من ضعف الترجمة والمترجمين ويرونها ركيكة لا تعبر عن المعنى الحقيقي المقصود

ومع هذا التوقف وعدم الاهتمام بالترجمة واللغات بصفة عامة، حتى اللغة الأم اللغة العربية، تدهور مستوى الترجمة والمترجمين، وقل عددهم، ومن ثم قل إنتاجهم، وبذلك قلت الاستفادة من العلوم والآداب لدى الثقافات الأخرى المتقدمة.

نجد كثيرًا من المتخصصين اليوم، أمثال الدكتور محمد العنانى، عميد المترجمين العرب وأستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة الذي شرفت بتعلم الترجمة على يديه، يشتكي من مستوى الترجمة والمترجمين، ويصفها بأنها أصبحت ترجمة ركيكة لا تعبر عن المعنى الحقيقي المقصود في إطار العمل الفني.

وقد نرى ذلك في الصحف التي تنقل أخبارًا عن صحف أجنبية، يعمد المترجم إلى ترجمة الخبر أو التصريح مثلًا، بطريقة لا يفهم منها الخبر أو التصريح على وجهه الذي أراده المتحدث، ومن أشهر المواقف مثلًا، التي أثارت جدلًا واسعًا عندما تولت إحدى المذيعات المصريات تغطية حفل جوائز الأوسكار، فسألت الممثل الفائز بالجائزة براد بيت سؤالًا لم يفهم منه شيئًا، فقالت: ?What about your Oscar ومعناه: "ماذا عن الأوسكار خاصتك؟" تحير النجم السينمائي، وأجابها بعفوية قائلًا: "?What about it" أي "ماذا عنه؟" يعني: أين السؤال؟ رأيت أيضًا، مؤخرًا، إحدى الصحفيات الأفغانيات توجه سؤالًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبعد أن انتهت من طرح السؤال، قال لها: "أنا لم أفهم شيئًا من كلامكِ" على الرغْم من أنها كانت تتحدث بالإنجليزية.

الحقيقة أن كثيرًا من المؤسسات لم تعد تعترف بدور المترجم المتخصص، على اعتبار أن أي شخص يجيد الإنجليزية يستطيع أن يترجم ويتواصل مع المتحدثين بها، وهذا خطأ كبير سنتكلم عنه في الحلقة القادمة، فللحديث بقية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

معلومات قيمة
شكرا للكاتب
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة