لماذا اعتمد المماليك على الجيش النظامي وكيف نظموا جيوشهم؟

إذا أردنا أن نعرف كيف تمكّن المماليك من حكم الدولة المصرية والشام وأجزاء من شبه الجزيرة العربية مدة قرنين ونصف قرن من الزمان؟ وما المقومات التي ساعدتهم على أن يستمروا طيلة هذه المدة؟ فإلى جانب شخصيات السلاطين القوية سنجد أن اعتماد دولة المماليك على الجيش النظامي كان إحدى الركائز في هذا الصدد.

اهتم المماليك بالجيش وتدريب الجنود، وكان الجيش متنوعًا بين جنود من أهل البلاد وجنود قادمين من الخارج، وهم المماليك الذين اشتراهم السلاطين الأيوبيون وجلبوهم إلى البلاد بمجموعة من السبل وبعدد من المصادر، فهل تريد أن تعرف كيف نظّم المماليك جيوشهم؟

اعتماد دولة المماليك على الجيش النظامي

عندما تمكّن المماليك من حكم البلاد -وقبل تمكنهم من الحكم- كانت محاطة بعدد من الأخطار، لكنها ليست أخطارًا عادية يمكن تجاوزها بالمناوشات أو المشاكسات أو التفاوض، لكنها أخطار كانت قادرة على إنهاء الدولة المملوكية بأسرها، بل من الممكن أن تقضي على مهد الدين الإسلامي؛ لذلك كان لوجود الجيش النظامي أهمية قصوى، وليس مجرد رفاهية أو تباهٍ بين الأمم، فكان لا بد من توافر جيش بأعداد كبيرة جدًّا؛ لأنهم مطالبون بالحرب على أكثر من جبهة ومع أكثر من عدو، وكذلك يجب توافر العُدة والمعدات اللازمة؛ ليكون لهم الأفضلية التقنية في الحرب.

اعتمد المماليك على الجيش النظامي

أحيط المماليك بالخطر المغولي، وانتهى تقريبًا هذا الخطر عند حد الانتصار في معركة عين جالوت، لكن امتد هذا الخطر بعد ذلك في أوقات أخرى بعد هذه الحرب، والخطر الصليبي كان موجودًا من عهد الدولة الأيوبية؛ فقد صد المماليك بكل قوة الطموح الصليبي في السيطرة على بيت المقدس والشرق عمومًا والاستفادة من خيراته، لذلك نتحدث في معرض حديثنا عن اعتماد دولة المماليك على الجيش النظامي، وذكر مكونات هذا الجيش.

مكونات الجيش 

يتكون معظم جيش المماليك من المصريين الأصليين، وهذه المعلومة قد تكون غريبة على البعض، لكنها تحتاج إلى مزيد من التفسير لكي تصل إليك كاملة، فإن تحدثنا عن الجيش النظامي الخاص بدولة المماليك نجد أنه كان يتكون من مصريين في غالبهم، وكان توجد معهم فرقة من المماليك، واعتمد المماليك في كثير من المعارك الحاسمة على المصريين، وكان السلطان يخرج في جيش مكون من 200 ألف غالبيته الكاسحة من المصريين، وكان عدد المماليك لا يتعدى الـ 24 ألف جنديًا، وقد حدث ذلك فعلًا في معركة مرج صفر.

ولعل من المواقف التي كانت لها الأثر في زيادة أعداد الجيش المصري ما حدث مع السلطان الأشرف شعبان؛ فقد واجه تمردًا داخل القاهرة ضده، فتخلى عنه المماليك، وهربوا خارج القاهرة، وكان من بقي معه العوام المصريون، فدافعوا عنه، وحولوا المعركة من هزيمة منكرة إلى انتصار ساحق، ومن هذه اللحظة قرر السلطان أشرف شعبان زيادة عدد المصريين، ويدل ذلك على ولاء المصريين واستعدادهم للدفاع عن وطنهم وسلطانهم وعدم التخلي عنه حتى آخر المعركة.

وبعد ذلك اتفق المماليك البحرية والبرجية على ضم عدد من الأعراق الأخرى في الجيش، فضموا كثيرًا من أعراق المماليك والأعراب والترك، وكانت توجد فئة من المماليك الشراكسة في وقت المماليك البرجية، وقد كانت لهم أدوار مهمة عندما توسعت دولة المماليك، ووصلت إلى مناطق بعيدة يصعب على عرق واحد بسط نفوذه على أجزائها كلها. 

المماليك ونظام تدريبهم العسكري

اجتمع المماليك في عاصمة مخصصة لهم في سامراء، وكانوا يُستقطبون من أمكنة مختلفة وهم غلمان، ولم يكن لدى الغلمان أي خبرة تذكر، فقد كانوا يتدربون على الأساسيات والتعرف إلى كيفية حمل السلاح وكيفية توجيه الضربات، لكنهم لم يكونوا في هذا الوقت مستعدين للمشاركة في المعارك أو في التدريبات الجادة.

وبعد أن يصل الغلام إلى سن الشباب، ويكون مستعدًا جسمانيًا وتقنيًا للحرب ولو مبدئيًا، ينتقل الشاب إلى البلاد التي سوف يخدم في الجيش التابع لها، فمنهم من كان يذهب إلى بغداد للخدمة في الخلافة العباسية، ومنهم من كان يذهب إلى مصر للخدمة في دولة المماليك أو في الأجزاء الأخرى من هذه الدولة في الشام وفي شبه الجزيرة العربية.

تدريب الجيش في الدولة المملوكية

ومع بدء المماليك في شراء الغلمان، كانوا ينتقون الغلمان أصحاب الأجسام القوية؛ لكي يتحملوا مشقة التدريبات العسكرية الصعبة، وفي الظروف الجبلية الصعبة؛ لكي يكونوا مستعدين للحرب في الظروف كلها، وفي كل الأجواء، وفي أجزاء كثيرة من دولة المماليك كانوا يُجندون الغلمان ويُجبرونهم على ترك أهلهم عنوة؛ لكي ينضموا إلى صفوف جيوش المماليك، ومنها مناطق السودان والأرمن ومناطق العرق التركي.

وكان استقدام الغلمان والشباب من أواسط آسيا ومن كثير من الأعراق إلى العبيد المماليك مستمرًا حتى قبل حكم المماليك للبلاد رسميًّا؛ وكان من المعلوم أن أهالي آسيا الوسطى يبيعون أولادهم لسلاطين المماليك في مصر، كما عُرف عن السلطان صلاح الدين الأيوبي استقدام أعداد كبيرة جدًّا من المماليك؛ لأن المواجهات كانت مع الصليبيين، وكان تحتاج إلى الدعم العددي باستمرار، ومن الملوك الذين اهتموا بزيادة أعداد المماليك وتدريبهم على أعلى مستوى السلطان عز الدين أيبك.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة