كلما تعددت الأسماء وكثرت المصطلحات وضاعت القيم في متاهات الأرقام اعلم أن الهدف واحد، وهو الزخرفة والبهرجة المصنعة المقنعة بعباءة الأكاذيب والأضاليل، فليس من المهم الإنتاج المعرفي أو الحضاري أو الإنساني الحقيقي، وإنما المهم ما تقوله تلك الصور المبهرجة، فعندها يستطيع العاقل أن يردد المثل القائل:
إذا قالت حذام فصدقوها فالقول ما قالت حذام
في قبيلة (عرب ستار) من سكان أحد كواكب المجموعة الشمسية أراد زعيم القبيلة أن يتبهرج في مزرعة الدجاج التي تعود ملكيتها إلى أوقاف القبيلة، وتعم فوائدها القبيلة بأسرها، راح يتفنن في إطلاق التسميات والمصطلحات قديمها وحديثها، فكانت التسمية المعجمية (مزرعة الدجاج) هي السائدة في عرف اللغويين، لكن زعيم القبيلة رأى أن التسمية بالية، ولم تعد تلبي حاجات الحداثة والتطوير.
فقرر تغيير التسمية إلى (جمعية الدجاج المهجن)، ومن أجل ذلك استورد كمية من الديكة الرومية، وزجها بين أسراب الدجاج المحلي، لعل المشكلة تحل، ويزداد البيض، وتكثر الصيصان، ولم تمض سنوات عدة حتى تبين أن المشكلة تفاقمت، فعمد إلى تغيير التسمية إلى (مؤسسة البيض لمن يبيض أكثر)، لكن النتيجة لم تتغير، بل زادت سوءًا، فاضطر إلى النظر في الأعلاف، فراح يغير في أسمائها ومصادر استيرادها.
ففاضت قريحته بتسمية جديدة (الأعلاف في خدمة الأعراف)، لكن دون فائدة تذكر، وراح يبحث عن مخرج آخر، ففكر مليًا، ووجد أن المشكلة في لون الدجاج، فأحضر الصبّاغين ليلونوا ريش الدجاج بألوان جديدة مزخرفة، لعلها تَفهم وتجد في لونها الجديد حافزًا للإنتاج ومواكبة سوق الفراريج المشوية، لكنه نسي أن التغيير يأتي من الداخل لا من الخارج.
بعدها ضل طريقه في المصطلحات، وتاه في عالم الصور المقلوبة، فراح يخوض غمار الأرقام، لعلها تنقذه من البهتان والضلال، فأطلق على كل دجاجة رقمًا، وعلى كل ديك رقمًا، وعلى كل معلف رقمًا، وعلى كل علف رقمًا، حتى وصل إلى التسمية الحديثة (عجائب الأرقام في عالم الأوهام).
لكن زعيم القبيلة تناسى أن بهرجة الصور وكثرة التسميات وضجيج الشعارات لا يغني ولا يسمن من جوع، فقرر بعد كل هذا التخبط العودة إلى المصطلح اللغوي القديم (المزرعة) فعادت حليمة إلى عادتها القديمة، وسطعت شمس الحقيقة بأن لا خير في جديد إذا لم يكن في أصالته قديم، ولا تُنهض حضارة إذا لم يكن في أرومتها بداوة.
👍👍👍
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.