لتعيش سعيدًا.. اتبع هذه الخطوات البسيطة

قبل أن أبدأ هذا المقال أحب أن أطرح عليك سؤالًا جوهريًّا: ما السعادة التي تريد أن تعيشها؟يبدو هذا السؤال ساذجًا جدًّا؛ فالجميع يعرف ما السعادة، هذا ما يعتقده البعض أن السعادة معروف لها تعريف واضح. ولكن حينما يُواجَهون بهذا السؤال: ما السعادة؟ يقف كل منهم محتارًا في الإجابة، ويتحول هذا السؤال الساذج إلى معضلة حقيقية

فكل منا يعتقد أن أمورًا معينة قد تسعده، مثلًا أن يقع في الحب الرومانسي الرائع الذي يراه في الأفلام والمسلسلات، وآخر قد يرى أن سعادته الحقيقية في أن يتناول وجبة معدة بطريقة يحبها ولها رائحة شهية، وآخر يجد السعادة في الوقت الدافئ الذي يجلسه مع أسرته ويتبادل أطراف الحديث، وآخر يرى أن السعادة تكمن في أن ينهي كل شيء على أكمل وجه ويكون كفئًا فيما يقوم به

هل يمكن أن تكون الحياة سعيدة؟

كل هذه أمثلة لأمور رائعة ولكنها لا تؤدي إلى حياة سعيدة؛ فهي في النهاية كلها لحظات في حياتنا لا نستطيع أن نحولها لتكون كل حياتنا؛ فتلك الحالة الرومانسية لا بد أن يأتي وقت وتنتهي، وذلك الطعام لن نستطيع أن نظل طوال الوقت نأكله، ولن نكون كفئًا طوال أيام حياتنا في كل شيء... 

فهل هذا يعني أنه لا يمكن للإنسان أن يعيش حياته سعيدًا؟! يا لتعاسة هذا المخلوق الذي لا يستطيع أبدًا أن يصل إلى ما ينشد.

فإن كانت الإجابة أن الحياة لا يمكن أن تكون سعيدة هي إجابة قاسية جدًّا، وتجعلنا نرى الحياة بنظارات سوداوية قاسية فعلًا، وهذا ما تصوره لنا بعض المفاهيم الخاطئة التي ترهقنا طوال الوقت، والتمسك بهذه الأفكار وانتظار طوال الوقت اللحظات السعيدة يجعلنا نحرم أنفسنا من أن نعيش حياة السعادة

اسمح لي سيدي القارئ الآن أن أسألك: إذا كنت تقف أمام لوحة بيضاء بالكامل هل يمكنك أن تميز أي شيء من ملامحها، أو حتى تستطيع أن ترى أي جمال فيها؟ 

بالتأكيد الإجابة لا؛ لأن اللوحة بلون واحد وهو الأبيض، فتختفي بقية الملامح التي هي في الأساس المكون الرئيس للصورة. هكذا هي حياتنا، فهي أشبه بلوحة، إذا أردنا أن تكون طوال الوقت لحظات سعيدة فإنها ستكون حياة فارغة بلا ملامح.

وهذا ما يجعلنا نشعر دائمًا بالحزن العميق والدفين في أعماقنا ونحن في رحلة بحثية مستميتة في اتجاه أن نعيش الحياة فقط لحظات سعيدة

وجود الحزن لا يعني غياب السعادة

تخيل عزيزي كم معاناة إنسان لم يبكِ طوال حياته؟!

نعم أقصد هذا التعبير، معاناة. إنها فعلًا معاناة؛ لأن الحزن والألم جزء من طبيعية البشر. اسمح لي يا صديقي أن أقول لك إن الحزن شعور، والألم شعور كالفرح والسعادة. فالحزن لا يعني في حياتنا غياب السعادة، والألم لا يعني أبدًا غياب الفرح. فهذه أجزاء من طبيعتنا وليست علامات عن غياب أجزاء أخرى.

وجود الحزن لا يعني غياب السعادة

إذن نحن لا نحتاج في حياتنا يا عزيزي حينما نتألم أن نحاول بأقصى جهد أن نتخلص من هذا الألم وكأنه شيء منفر أو ورم سرطاني يحتاج إلى جراحة دقيقة وسريعة لنتخلص منه.

فالمشاعر غير السعيدة لا تشير دائمًا إلى أن حياتنا في خطر، وأننا مهددون ويجب أن نأخذ موقفًا حازمًا لننقذ أنفسنا من بحر الأحزان قبل أن نغرق في الألم ونموت

هل تعرف أن المشكلة الحقيقية تكمن في خوفنا من التلامس مع جزء طبيعي في كياننا خُلقنا به؟ إن كبت هذا الجزء هو ما يجعل حياتنا غير سعيدة

قد عنيت كلمة معاناة وأنا أصف هذا المسكين الذي لم يختبر البكاء طوال حياته؛ فإنه فعلًا مسكين لأنه لا يعيش بأجزاء شخصيته كلها، ويوجد جانب كبير في نفسيته لا يتلامس مع وجوده

هل تذكر حينما تنفجر في البكاء وتجهش في هذه الحالة؟ بعدها تشعر أنك فرَّغت كمًّا من الطاقة، وتشعر بالراحة. ألا يعني هذا أن التلامس مع هذا الجزء يجعلك تشعر بالراحة؟ 

أيضًا عندما تنتبه من نفسيتك وتشعر بالخوف، ذلك الشعور المقلق المرهق ينقذك من شيء كان على وشك أن يحدث لك. ألا تشعر بعده بالسلام والثقة في مشاعرك؟ 

نعم يا عزيزي، هذه المشاعر السلبية أو ما نطلق عليها السلبية هي في الحقيقة جزء مهم جدًّا من حياتنا، وجزء بدونه لن تعرف معنى السعادة أبدًا.

مفهوم الحياة السعيدة

والآن دعني أوضح لك يا صديقي ما مفهومي عن الحياة السعيدة

اسمح لي أن أذكر لك بعض المواقف في حياتي الشخصية. أنا أتذكر ذلك اليوم الذي لمست فيه يدي فتاة أحبها، ووقفت وأنا أستشعر لمسات يدها ليدي، وشعرت بغمر غير طبيعي من السعادة والمشاعر المحببة لي. وأذكر أيضًا ذلك اليوم الذي وقفت فيه باكيًا ونحن ننهي علاقتنا، وكنت أشعر بهذا الحزن العميق الذي سيطر على كل جزء مني، لدرجة أنني لم أستطع أن أتفاعل مع أحد مدة طويلة، وفقدت شغفي في الحياة، وكنت أريد فقط حينها أن أبقى بعيدًا عن الناس وبعيدًا عن الحياة، وظللت أبكي طوال ليالي وكان الحزن يغمرني

لكن بعد مرور السنوات على هذا كله، الآن أعرف جيدًا أن علاقتنا لم تكن نموذجية كما كنت أتخيل، وأن حياتنا سويًّا لم تكن في أفضل صورة، وأن استمراري في هذه العلاقة كان سيدمر حياتي

مفهوم الحياة السعيدة

نعم أشعر ببعض الألم لأن هذه العلاقة قد انتهت، وأشتاق إلى تلك المشاعر وإلى تلك الحالة الرائعة التي كنت فيها معها طوال الخمس سنوات التي ارتبطنا فيها، ولكني أدركت أنني تجاهلت كثيرًا من الأمور المؤلمة التي حدثت؛ لرغبتي فقط في أن أتمسك بحالة من السعادة، فخلقت لنفسي سعادة وهمية، وأقنعت نفسي أنني لن أجد سعادة بعد الانفصال "هذا كان مؤلمًا جدًّا".

لكني في الحقيقة اكتشفت كم من الأمور الرائعة التي كنت سأفقدها إذا التزمت بهذه العلاقة إلى يومنا هذا. على سبيل المثال كنت سأعيش حياة تقليدية موظفًا في بيئة عمل لا أحتملها من أجل أن أجني بعض الأموال القليلة جدًّا؛ لأن هذا دوري المحتوم عليَّ للحفاظ على السعادة التي أنا متمسك بها.

هذا كان جانبًا واحدًا من جوانب المعاناة التي احتملتها وأنا أدّعي أنني سعيد، وكان يوجد مزيد من الجوانب التي كانت أكثر قسوة عليَّ من هذا، ومع ذلك أقنعت نفسي أن هذه هي حياتي السعيدة الجميلة

ولولا أننا وصلنا إلى ما كنت أدَّعي أنه معاناة حقيقية -وهو الانفصال عن حبيبتي- لما اكتشفت أن هذه حقًّا لم تكن السعادة التي أريدها

الخوف يمنع السعادة

وبدأت رحلتي الشخصية من هنا في البحث عن مفهوم للحياة السعيدة، فعلت كل شيء يجعل مني إنسانًا في حالة من السعادة، ولكني لم أُشبع هذا الوحش الذي يتغذى على السعادة في داخلي أبدًا، فوجدت نفسي عبدًا لهذا الوحش وجوعه الذي لا ينتهي، وهنا أدركت أنني أسير في اتجاه خاطئ

بدأت رحلتي من جديد، ولكن هذه المرة تقبلت أن يكون في جانب من الحزن بحياتي وبعض المشاعر غير المحببة لي التي لم أكن أحتمل وجودها من قبل. بدأت أشعر أن الحياة أصبحت ذات معنى أكثر، والمواقف لم تعد مؤلمة، والمشاعر غير المحببة أصبحت أقل إزعاجًا لي، وحياتي بدأت تستقر قليلًا

هنا أدركت أنني في احتياج شديد أن أدقق في حياتي، وأبحث عن سبب هذا الاستقرار النسبي، وأفحص حياتي بصورة أكثر دقة. اكتشفت أنني تصالحت مع معضلة الإنسانية، فأنا أتقبل أن أرى نفسي تحت أي شعور أيًّا كان، لم أعد أحتاج أن أهرب من المواقف التي قد تؤدي بي إلى مشاعر غير محببة

دخلت رحلة غير منتهية من المغامرة واكتشاف المشاعر التي لم أكن أدرك أصلًا أنها قد تكون موجودة في أعماقي بالمرة

توجد مقولة مشهورة جدًّا أحتاج أن أستعين بها هنا لتوضيح المعنى بصورة أعمق، هي: "الإنسان يعيش طوال حياته يخاف من صوت الرصاص، مع أن الحقيقة أن الرصاصة التي ستقتله لن يسمع صوتها أبدًا". 

نعم يا عزيزي، إننا دائمًا في حالة من الخوف الجنوني تجاه تجنب المشاعر السلبية وغير المحببة لدينا، في حين أننا لا نملك أي وسيلة لتجنب حدوث هذا في حياتنا. فأنا لم أملك أبدًا أي حيلة لجعل والدي لا يموت، فإن الأمر خارج عن سيطرتي، وقد حدث فعلًا في غمضة عين وغفلة من الجميع ووقف الجميع مكتوفي الأيدي

كان الألم في هذه اللحظة صدمة لي. فأنا في حقيقة الأمر لم أكن أفكر في ذلك الوقت في مصير أبي مثلًا أو ما سيحدث له بعد أن فارقت روحه، لكني كنت منحسرًا في شعور مؤلم ومرعب لا أفهم حقيقته

وحينما دققت في مشاعري وجدت نفسي في هذا الحزن الرهيب على الرغم من أن أبي كان يرغب في الموت، وهذه إرادته الخاصة؛ لأنني سأفقد حمايته لي، وسأفقد وقتًا سويًّا وكثيرًا من الأمور المتعلقة بي أنا، وشعرت بتهديد من فكرة فقدانها بحقيقة موت أبي الراحل رحمة الله عليه

فالسبب الحقيقي وراء كل معاناتي حينها هو الخوف، وهذا جعلني أرفض حتى أن أستمر في الحياة التي أجهل في الحقيقة ماذا كانت ستخفي لي. فأنا ما أزال حيًّا! نعم الحياة قد اختلفت فعلًا، ولكني استمددت مشاعر الأمان المفقودة بسبب موت أبي ومن مصادر أخرى، وهذا كان رائعًا جدًّا لي

لا أستطيع أن أنكر أنني بداخلي حزن على فقدان هذا الرجل في حياتي، ولكني أتقبل فقدانه الآن، وسعيد لأنه عاش حياته بالطريقة التي أراد، وحقق ما تمنى في أيامه

وجدت نفسي أجد الحل للحياة السعيدة، وهو كامن في التصالح مع النفس والحقيقة. حقيقة إدراكي لمشاعري، وأن أعرف كيف أتعامل معها، ولا أهرب من أي شعور يراودني في أي وقت، بل أواجهه وأبحث عن حلول

عِش حياتك كما هي

وهنا أدركت وجهًا آخر للحياة، وتغيرت الأمور على نحو كبير. فأنا لم أعد أسعى إلى اللحظات السعيدة في أيامي، ولكني أصبحت أعيش ما أعيشه كما هو، وأتعامل مع شعوري تجاهه. لا أخفي عليك أيها القاري العزيز أني في بعض الأوقات لا أستطيع أن أتعامل مع مشاعري على نحو كامل، وتوجد مواقف لا أستطيع فيها أن أكون مسيطرًا على كل الأمور

كيف تكون سعيدًا؟

لكن حتى هذه الأوقات لم تعد تمثل لي معاناة الآن؛ لأنني أصبحت أثق في نفسي بصورة أعمق. إنني سأستطيع مواجهة ما سيأتي عليَّ، حتى ولو لم أواجه سأتكيف، وإن لم أتكيف سأتغير ولم أعد أخاف أو أهاب ذلك

أستطيع أن أقول لك الآن الخطوات التي دخلتَ هذا المقال لتقرأها

اسمح لنفسك بعد كل موقف تشعر فيه أن لديك مشاعر غير محببة لك، أن تجلس مع نفسك في أعماقك وتحاول أن تتحمل مسؤوليتك تجاه نفسك، وتبحث في عمقك عن سبب هذا الإزعاج، وتبحث عن حلول مرضية لك، وتحاول ألا تيأس من أول تجربة، وبهذا ستعيش حياتك سعيدًا حينما تتوقف عن الخوف من أن تعيش الحياة، وتهرب فقط إلى اللحظات المفضلة لك، وحينما تجرب هذا ستجد حتى اللحظات المفضلة أصبحت أجمل بكثير من السابق

هل أصبحت الآن قادرًا على إجابة سؤالي؟!

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مقالة جميلة وبها سؤال جوهري عميق متجذر لكن لكل واحد منا إجابة تشبهه واصل 🫡
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة