يتعلم الأطفال خلال مراحل نموهم الأولى عن طريق المحاكاة والتقليد، ويُعدُّ الوالدان القدوة والنموذج الأول الذي يُحتذى به من قبل أطفالهم، فالآباء بمنزلة مرآة للأبناء يرون أنفسهم بواسطتها. لذلك، تتأثر شخصية الأبناء بالوالدين، سواء بالسلب أو بالإيجاب.
التقليد أحد أعمق أشكال التعلم في حياة الإنسان، إذ يبدأ الأطفال بتقليد ما يرونه من حولهم في سن مبكرة. ولما كان الأب والأم هما النموذج الأول والأهم في حياة الأطفال؛ كانت سلوكياتهم وردود أفعالهم حتى مشاعرهم تجاه مواقف الحياة المختلفة، تؤثر بدرجة كبيرة في تكوين شخصية الطفل. مع أنَّ الأطفال يتأثرون بالأشخاص من حولهم، مثل معلمة الروضة أو بطل الكارتون، وغيرهم، يبقى تأثير الوالدين هو الأقوى والأعمق، لا سيما أن الأطفال يرون في الآباء والأمهات صورة "الكون" كله.
أنت قدوة لطفلك
قد يعتقد الوالدان أن ما يصدر عنهما من أقوال وأفعال لا يؤثر في أطفالهم، وهذا اعتقاد خاطئ؛ فالأطفال يراقبون تصرفات والديهم ويقلدونها، سواء كان ذلك في الأقوال أو في الأفعال أو حتى في طريقة التعامل مع الآخرين.
هذا التقليد يتجاوز مجرد تقليد الألفاظ ليشمل سلوكيات حياتية واسعة النطاق. نذكر على سبيل المثال: إذا كان الأب دائمًا يعامل الآخرين باحترام ولباقة، فمن المرجح أن يتعلم الأبناء كيفية التعامل مع الآخرين بهذا القدر من التقدير والاحترام.
إذا كانت الأم تبتسم دائمًا في وجه المشكلات وتواجه الحياة بتفاؤل، سيقلد الأطفال هذا الموقف على نحو طبيعي.
أب هادئ
الهدوء والاتزان في التعامل مع المواقف الحياتية والضغوط اليومية من قبل الآباء والأمهات على السواء، يتعلمه الأطفال في مواجهة المواقف الضاغطة والضغوط اليومية.
للأسف، ما نراه اليوم من بعض الآباء عندما تواجهه بعض المشكلات في العمل، وعند عودته إلى البيت يحاول التفريغ عن شحنات الغضب التي بداخله على أهل بيته وأطفاله، مع أنهم لا ذنب لهم في هذه المشكلات.
هنا يلاحظ الأبناء طريقة الأب في إدارة مشاعره، ويتعلمون منه كيفية التحكم في انفعالاتهم والتعامل مع المشكلات بطريقة أكثر عقلانية وهدوءًا، أو العكس، كما في المثال السابق.
قد يواجه أحد الأطفال في المدرسة صعوبة في حل الواجبات المدرسية. في حالة ما إذا كان الأب هادئًا متزنًا، فإن طفله يتعلم منه كيف يواجه التحديات اليومية بهدوء. هذا الهدوء يعزز ثقته في نفسه وقدرته على مواجهة الصعاب بهدوء دون الإحساس بالذعر.
عصبية الأمهات
العصبية هي سلوك ينعكس بقوة على الأطفال، لا سيما إذا كانت الأم هي المصدر الرئيس لهذا السلوك. عندما يكون للأم ردود فعل عصبية سريعة عند مواجهة أي مشكلة أو تحدٍ، يتعلم الأطفال أن هذا هو الأسلوب الطبيعي في التعامل مع الأمور.
الأمهات اللاتي لا يتوقفن عن الصراخ والصوت العالي كل يوم... هذا النوع من السلوك، مع أنه قد يكون عابرًا أو بسبب ضغوط الحياة، لكنه يمكن أن يرسخ في ذهن الطفل ويتحول إلى سلوك طبيعي بالنسبة له.
على سبيل المثال: إذا كانت الأم دائمًا تنفعل في حالة حدوث مشكلة بسيطة، مثل أن ينسكب كوب من الماء على الأرض، أو عندما يتأخر أحد الأبناء عن العودة إلى المنزل في الموعد المحدد، أو عندما يفشل طفلها في كتابة واجباته بمفرده، أو عند حصوله على تقييمات منخفضة في المدرسة، فقد يتعلم الأطفال من سلوك الأم أن هذا هو الأسلوب الصحيح في التعامل مع المواقف الصعبة.
في المستقبل، قد يواجه هؤلاء الأطفال صعوبة في ضبط مشاعرهم، حيث يميلون إلى العصبية أو فقدان السيطرة في مواقف مشابهة.
ماذا يحدث عندما تتعصب على طفلك؟
يؤدي التوتر العصبي المستمر إلى الشعور بالقلق وعدم الأمان لدى الأطفال، ما يؤثر على تطورهم النفسي. هذا النوع من التربية قد يسبب أيضًا صعوبة في بناء علاقات صحية، سواء مع الأقران أو في مرحلة البلوغ.
فضلًا عن أن الأطفال -دون وعي، يتعلمون أن العصبية والصراخ هما الوسيلتان الوحيدتان للحصول على ما يريدون، وهو ما قد يؤدي بهم إلى استخدام نفس الأسلوب في التفاعل مع الآخرين؛ ما يفقدهم الأصدقاء كونهم يبتعدون عنهم لعدوانيتهم وأسلوبهم العنيف.
علاقة الزوجين وأثرها على الأبناء
العلاقة بين الزوجين تسهم في تشكيل شخصية الأبناء ونفسيتهم، إذ يراقبون كيف يتعامل الأبوان مع بعضهما البعض، سواء في لحظات الاتفاق أو الاختلاف.
إذا كانت العلاقة بين الوالدين يسودها الاحترام المتبادل والتفاهم، لا سيما في أوقات الخلاف، فإن هذا يعد بمنزلة درس عملي للأطفال في كيفية إدارة العلاقات الشخصية بهدوء ودون عصبية أو انفعال.
على سبيل المثال، إذا حدث خلاف بين الأب والأم، وحلَّا المشكلة بالحوار والنقاش، بدلًا من التوتر أو العنف اللفظي، فإن الأطفال يلاحظون ذلك ويتعلمون منه، بل قد يؤدي ذلك إلى تطوير مهاراتهم في التواصل وحل المشكلات بفاعلية.
شخصية طفلك المراهق
تستمر تأثيرات التربية في مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ، حيث تنعكس هذه السلوكيات في حياة الأبناء اليومية. فالشخص الذي نشأ في بيئة يسودها الهدوء والاحترام قد يكون أكثر توازنًا في علاقاته الشخصية والمهنية، أمت الشخص الذي نشأ في بيئة مملوءة بالصراخ والعصبية قد يواجه تحديات أكبر في التعامل مع ضغوط الحياة، وقد يعاني مشكلات في العلاقات العاطفية والعملية.
إذا كان الأب دائمًا يهتم بممارسة الرياضة والحفاظ على صحته ولياقته البدنية، فإن أطفاله يكبرون على حب الرياضة، سواء كانت فردية أو جماعية، وتنعكس بالطبع على صحتهم النفسية، لا سيما أن ممارسة الرياضة من بين الوسائل التي يُفرغ فيها الطفل الطاقة والنشاط الذي بداخله.
وإذا كانت الأم دائمًا تعتني بعلاقاتها الاجتماعية وتبدي اهتمامًا بالعائلة والأقارب، فإن الأطفال سيتعلمون قيمة العلاقات الاجتماعية وصلة الأرحام وبر الوالدين عندما يكبرون.
تعديل السلوكيات
لأن التربية بالقدوة، فأنت كأب لا يلزمك كثير من اثلتوجيهات والتعليمات أو الأوامر والنواهي، بل يكفيك أن يراك طفلك وأنت تصلي عندما تسمع الأذان، أو تقابل إساءة أحدهم بالحسنى.
فالتقليد، وإن كان يؤدي دورًا كبيرًا في تكوين الشخصية، لكن التربية والتوجيه يؤديان دورًا أساسيًّا في تعديل السلوكيات وتنميتها. من هنا، يجب على الآباء أن يكونوا واعين بتأثير سلوكهم على الأبناء، وأن يسعوا جاهدين لتوجيههم بطريقة إيجابية.
هذا يعني ضرورة العمل على توفير بيئة تربوية تشجع على الاحترام المتبادل، وتعلم كيفية التعامل مع المواقف الصعبة بهدوء، وتقدير الجهد والعمل الجماعي.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.