لآلئ التراث

التراث كلمة كبيرة مؤثرة في كل نفس بشرية، تهز أوتار قلبها رابطة أحاسيسه بوجدان الماضي، فلا يمكن الفصل بين الماضي والحاضر؛ لما له من ارتباط مباشر واعتماد كل واحد منهما على الآخر. فلا تطور ولا قيمة للإنسان الذي يغفل تراثه وماضيه، فمن يفعل ذلك يصبح كأنه شجرة بلا جذور، لا أصل لها ولا قيمة. ومن هنا تكمن أهمية التراث بصفته محفزًا وشاحذًا للهمم كي تبني الأجيال مستقبلها، وتتميز بعضها عن بعض، بفضل هذا الارتباط العاطفي مع كل موروث تراثي مصقول بالأصالة وعبق الأجداد وصفوة منجزاتهم.

ويمثل التراث كل مَا لَهُ قِيمَةٌ بَاقِيَةٌ مِنْ عَادَاتٍ وَآدَابٍ وَعُلُومٍ وَفُنُونٍ، ويَنْتَقِلُ مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيلٍ، ومنه التُّرَاثُ الإنْسَانِيُّ والتُّرَاثُ الديني والتُّرَاثُ الأَدَبِيُّ.

وللتراث نوعان رئيسان:

منه ما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا من أمور مادية، مثل الأبنية التراثية والمستلزمات الحياتية للإنسان كأدوات الزراعة مثل المحراث الحيواني، فلم تكن حراثة الأرض بالأمر السهل كما هو الحال في يومنا هذا، إذ كان المزارعون يحرثون الأرض بواسطة محاريث تجرها الثيران، إضافة إلى المنجل وغيرها من الأدوات المستخدمة في الحصاد.

والأدوات المنزلية، فهي كثيرة تكاد تعد ولا تحصى، منها الحصير الذي يُصنع من الخوص ليُستخدم كالسجادة للجلوس عليه والببور "الباجور" (بريموس) وهو أداة نحاسية تُستخدم للطبخ وتسخين المياه والتدفئة ولم يكن يخلو منه أي منزل. والمكنسة أو "المقشة" وتستخدم لتنظيف الأرض من الغبار والأوساخ وتُصنع من القش الطبيعي. والطاحونة أو الجاروشة وتستخدم لطحن حبوب القمح وغيرها لصناعة الطحين والخبز.

والنوع الثاني للتراث هو الأمور المعنوية مثل العادات والتقاليد وأعراف المجتمع، فكثير من الأمور التي تنظم حياة مجتمعنا وعلاقات الناس بعضها ببعض تستند أساسًا للموروث التراثي للشعب نفسه. فمثلًا الكرم والجود ومساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف، والأمثال الشعبية، والحكايات، والموسيقى، والرقصات الفلكلورية، وغيرها من العادات الأصيلة في المجتمع هي التي تتحكم ببناء المجتمع بصورته التي نراها الآن. 

وللتراث أهمية كبيرة على مر التاريخ؛ فهو الرابط الذي يربط بين الأجيال ويعزز الشعور بالانتماء ويحافظ على الهوية الوطنية، وهو أيضًا مصدر إلهام وإبداع، فكثير من الفنون والابتكارات الحديثة تستلهم من التراث القديم. ويوجد أيضًا دور اقتصادي مهم للتراث يتجلى في جذب الزوار والسياح من جميع أنحاء العالم للمواقع التراثية؛ ما يعزز اقتصاد الدولة، ويمثل رافدًا أساسيًا لخزينتها المالية.

وعلى الرغم من أهمية التراث فيجب التمييز بين الغث والسمين فيه، فما يكون تراثًا مقبولًا في مجتمع لا يكون مقبولًا في مجتمع آخر. فمن الناحية الدينية مثلًا دافع كفار قريش عن كفرهم بوصفه تراثًا ورثوه من آبائهم وأجدادهم. قال تعالى في سورة لقمان - الآية 21. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}، وقد أثبت القرآن لهم زيف وخطأ هذا الموروث.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

أبدعتي سارة دائمًا متميزة موفقة 🤍🤍
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة