العواطف والمشاعر الإنسانية ليست مجرد ردود أفعال عابرة، يمكن ملاحظتها في سلوكيات البشر نتيجة التعرض إلى مواقف مختلفة ومتعددة تحفز استجابة ملائمة، بل هي أعمق من ذلك.
لم يغفل علم الأعصاب عن المثيرات الداخلية داخل أدمغتنا، والتفاعل المعقد بين الإشارات الكهربائية والكيميائية التي تؤثر تأثيرًا رئيسًا في جهازنا العصبي، ثَمَّ في عواطفنا وسلوكنا، المشاعر تتأثر كثيرًا بعمل الدماغ، فالمحفزات الخارجية يقابلها محفزات داخلية تتفاعل مع الخلايا العصبية لتوليد رد فعل معين وعاطفة محددة نشعر بها.
في هذا المقال سنحاول فهم كيفية تأثير الدماغ في العواطف، وبفهم هذا التفاعل يمكننا تعزيز صحتنا النفسية والعاطفية.
قد يهمك أيضًا كيف تزيد خلايا دماغك وتصبح أكثر ذكاء؟
كيمياء الدماغ والتوازن الكيميائي
يعمل الدماغ البشري على مستوى كيميائي دقيق لضمان وظائفه الأساسية؛ مثل التفكير والذاكرة والحركة، والهدف الأساس تحقيق التوازن الكيميائي، ومنع الاضطرابات الكيميائية التي تهدد حياة الإنسان وصحتهُ العقلية والجسدية بتنظيم مجموعة من المركبات الكيميائية التي تصنف إلى:
النيوروترانسيمترات
هي مركبات كيميائية مسؤولة عن نقل الإشارات الكهربائية بين الخلايا العصبية.
الهرمونات
هي مواد كيميائية تنسق الوظائف المختلفة في الجسم وتنظمها بحمل الرسائل عبر الدم إلى الأعضاء والجلد والعضلات والأنسجة الأخرى، وتتحكم بدورها في معظم الوظائف الجسدية الرئيسة مثل الجوع والتكاثر والعواطف والمزاج.
قد يهمك أيضًا بعض الحقائق عن الدّماغ البشريّ
النواقل العصبية وتأثيرها في المشاعر
تلك المركبات الكيميائية تتشكل في هيئة ناقلات عصبية؛ لتكون مقام الرسل التي تنقل الرسائل من الدماغ إلى الجسم لتحقيق التوازن وتنظيم الوظائف الحيوية؛ كتنظيم ضربات القلب والتنفس والهضم، وقد فاق عددها 100 ناقل عصبي حتى يومنا هذا، ومن أهمها:
الدوبامين
يعرف كثير من الناس الدوبامين بإنه هرمون السعادة؛ لارتباطه بالمكافآت، ويفرز عند الشعور بالسعادة، لكن الدوبامين يعد ناقلًا عصبيًا مهمًا للذاكرة والتعلم والسلوك، ومسؤولًا عن تنسيق حركات العضلات.
الأستوكولين
ناقل عصبي ينظم ضربات القلب، ويحفز انقباضات العضلات، ويؤدي دورًا أساسًا في وظيفة الدماغ والذاكرة.
الإندروفين
ناقل عصبي مهم يمنع الإحساس بالألم، ويخلق شعورًا حيويًا ومملوءًا بالنشوة، فهو من مسكنات الألم الطبيعية في الجسم.
الأدرينالين
هرمون وناقل عصبي في الوقت نفسه، ويساعد الدماغ في اتخاذ قرارات سريعة في مواجهة الخطر، ويعمل على زيادة ضربات القلب ومعدل التنفس، ويمد الإنسان بالطاقة، ويُفرز في الجسم عندما يتعرض الشخص إلى خوف أو ضغط.
النور أدرينالين
هرمون وناقل عصبي، يعزز العمليات التنفيذية والإدراك، ويرتبط بالمزاج واليقظة والذاكرة.
السيروتونين
ناقل عصبي مثبط، يساعد في التحكم بالمزاج والشهية والنوم والساعة البيولوجية للجسم.
الغلوتامات والغابا
للغلوتامات أهمية كبيرة في التعلم والذاكرة، لكنه من أكثر النواقل العصبية استثارة للقشرة المخية، ويؤدي إفراز كمية كبيرة منه إلى سمية استثارية وموت الخلايا العصبية، حينها يأتي دور الغابا الذي يعد مثبطًا له، وعدم التوازن بينهما يؤدي إلى مشكلات مرضية كالصرع.
تلك المواد الكيميائية داخل أدمغتنا تؤدي دورًا حاسمًا في تحديد كيفية تفكيرنا وشعورنا وسلوكياتنا، والأمر المهم في ذلك إننا نستطيع مساعدة أدمغتنا وتحقيق التوازن الكيميائي من أجل تعزيز صحتنا النفسية والجسدية.
قد يهمك أيضًا أسرار مدهشة لا تعرفها عن الدماغ البشري وقوة التفكير
كيفية الحفاظ على التوازن الكيميائي في الدماغ
يمكننا الحفاظ على التوازن الكيميائي للدماغ بإجراءات وروتين يومي بسيط، منها:
التغذية الصحية
تناول غذاء صحي وشامل لجميع الفيتامينات والبروتينات اللازمة للجسم يحقق التوازن الكيميائي داخل أدمغتنا، كل ما علينا هو تطبيق نظام غذائي صحي.
ممارسة التمارين الرياضية
ممارسة الرياضة تحفز كل من الدوبامين والإندروفين والسيروتونين داخل أدمغتنا.
النوم الجيد وتقليل التوتر والضغط النفسي
يجب الحرص على الحصول على ساعات نوم كافية للجسم لاستعادة الطاقة وتجنب الإجهاد النفسي، وممارسة تقنيات الاسترخاء والتأمل للتخلص من التوتر والضغط العصبي.
تجنب العادات الإدمانية
تعاطي المواد المخدرة والكحول يؤثر سلبًا في توازن الدماغ الكيميائي الذي بدوره يؤثر في المشاعر والمزاج، ما يؤدي إلى الإصابة بمشكلات نفسية وعقلية.
كيمياء الدماغ هي المحرك الخفي وراء مشاعرنا وأفكارنا وسلوكياتنا، وعندما تعمل الناقلات العصبية بتناغم يكون الدماغ في حالة من التوازن المثالي، وعند حدوث أي اختلال في هذا التوازن تحدث اضطرابات تؤثر في حياتنا كثيرًا.
لنجعل هذا التوازن أولوية في حياتنا، ليس فقط للحفاظ على صحتنا العقلية، لكن لتحقيق إمكانيتنا نحن الأفرادَ في مواجهة العالم.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.