كان أحد تلك الأيام المشمسة الحارة لفصل الصيف في السنة الماضية، كنت أشعر بضجر كبير ولم يكن أي شيء مميز لأقوم به.
فقررت أن أباشر قراءة رواية الليالي البيضاء للأديب الروسي ديستويفسكي التي طالما سمعت عنھا كثيرًا من القيل والقال، وآراء كانت إيجابية غالبًا.
اقرأ أيضًا روائع الأدب الروسي.. تأملات في أعمال تولستوي وديستويفسكي
أسلوب متفرد
وفعلًا لم تخذلني كل تلك التوقعات والآراء بشأن الرواية، فما إن بدأت القراءة لم أتوقف أبدًا حتى أتممتھا بالكامل في وقت وجيز، ويرجع ھذا لبراعة الرواية، وجمالية القصة، والأهم أسلوب ديستويفسكي السردي الفريد، أسلوب أدخلني لعوالم ومعالم جديدة تمامًا.
كانت ھذه بداية قصتي مع أعمال العبقري البسيط ديستويفسكي، بسيط لأن طريقته في الكتابة سلسة وسھلة، لكنھا تحتوي بلاغة ومعانٍ واضحة، وعبقري لأن لا أحد يضاهيه في وصف وتشخيص أشكال شخصيات رواياته وجوهرها.
فأخدت على نفسي عهدًا ألا وھو قراءة كل أعمال ديستويفسكي، فھو من الكتاب النادرين الذين يجذبونك لعوالمھم الأدبية ويجعلونك تحب أعمالھم وترغب في قراءة مزيد منھا.
اقرأ أيضًا السيرة الذاتية للكاتب الروسي الشهير "دوستويفسكي" وأهم أعماله
لماذا ديستويفسكي؟
يقر عدد من القراء في أنحاء العالم، باختلاف خلفياتهم وثقافاتھم أن تفكيرھم قد تغير جذريًّا بعد قراءة كتب ديستويفسكي، وأنھم لم يعودوا للحال الذي كانوا عليه من قبل.
يقول مترجم رواية الجريمة والعقاب سامي الدروبي، إن ديستويفسكي ھو الأديب الذي أثبت كم يصعب معرفة الإنسان وفھمه، عكس أدباء آخرين كتولستوي، وسارتر، وھوجو، الذين قالوا بإمكانية فھم الإنسان عبر كتاباتھم.
أما كتابات دوستويفسكي فتظھر جميع التناقضات المعتملة داخل الإنسان نفسه، الخير والشر، الكرامة والعبودية، "كيف لإنسان أن يجمع بين أفضل المثل وأحقرھا وكل ھذا في صدق خالص".. ھذا ما يقوله ديستويفسكي في روايته الشهيرة الجريمة والعقاب.
أما رواية الجريمة والعقاب وحدھا فھي تحفة أدبية خالصة، استلھم منھا كثير من الفنانين والكتاب في أعمالھم الدرامية والمسرحية، فھي أطروحة فنية عن الدوافع النفسية للمجرم لارتكاب جريمته، وطبيعة العقاب الذي يجب أن يناله، هل يكون العقاب الإلهي أكثر عدلًا وإنصافًا أم عقاب المحكمة والسجن؟
اقرأ أيضًا حوار لم تنشره الصحف مع أديب الجاسوسية المصري نبيل فاروق
كيف تغير فكري بعد مطالعة كتب ديستويفسكي؟
كلما أقرأ عبارة أو كلمة كتبھا ديستويفسكي أشعر وكأن شعلة جديدة توقظ في داخلي وتشع في طريقي، كأنھا نور ينيرني ويجعلني أرى كل الأمور من منظور مختلف، الحياة، المال، العائلة، الدين، وكل شيء آخر.
فمثلًا رواية الجريمة والعقاب غيرت آرائي بشأن نظام العدالة القضائية والجريمة، أما رواية المقامر فقد غيرت الأفكار المسبقة التقليدية التي كانت لدي سابقًا عن المدمنين على القمار.
ربما لأن ديستويفسكي أحد الأدباء القليلين الذين تمكنوا من الدمج بين علم النفس والفلسفة والكتابة الأدبية ببراعة تامة، ولھذا استطاع ديستويفسكي أن يحصل على اهتمام ملايين القراء في العالم، لصدق أوصافه وتشخيصاته لنفسية الإنسان وطباعه.
لذا إن لم تكن قد قرأت أي عمل لهذا الأديب الفريد أوصيك بقراءتها، لأنها قد تكون تجربة ستكسبك وعيًا جديدًا ومختلفًا عن عدد من الأمور في الحياة، بل إنها ستغير حياتك.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.