كيف يمكن الاستفادة من منهج منتسوري مع أطفال طيف التوحد؟

برز منهج الطبيبة والمربية الإيطالية ماريا منتسوري في التربية والتعليم في العقود الأخيرة على نحو قوي بفضل تركيزه على المتعلم الذي يعدّ محور العملية التعليمية، وتشجيعه فكرة التعلم الذاتي وتحفيزه للمتعلم لإعداد بيئات التعلم على نحو منظم لاستيعاب الطفل في كل مرحلة من مراحل النمو.

ويستخدم هذا المنهج أدوات ووسائل تساعد الطفل على اكتشاف المفاهيم والأفكار عبر الأنشطة التي يؤدونها داخل صف المنتسوري.

وكما هو معلوم فإن منتسوري طبقت مبادئ هذه الفلسفة على أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكانت النتائج جيدة للغاية، للدرجة التي عبرت عن ذلك بالقول: "إذا كانت هذه نتائج العمل مع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، فماذا لو طبقت على الأطفال العاديين".

اقرأ أيضًا: تعرَّف على دور المعلم وفق منهج منتسوري

منتسوري والتوحد

بالنظر إلى المبادئ التي يعتمد عليها هذا المنهج -منتسوري- نجده يركز على فكرة إعداد بيئة تعليمية هادئة ومنظمة، وكما هو معلوم وفقًا لأطفال طيف التوحد، فإن الضوضاء والأصوات المرتفعة من الأشياء التي تزعجهم، ما يعني تقليل المشتتات بالنسبة للمتعلم في بيئة التعلم، وتعزيز القدرة على التركيز.

أطفال طيف التوحد يعانون الحساسية الزائدة، بمعنى أنه قد يكون لدى الأفراد حساسية زائدة تجاه الضوضاء والأصوات المرتفعة، أو الضوء الشديد، أو اللمس، ما قد يتسبب في انزعاجهم أو شعورهم بالقلق.

داخل صف المنتسوري أعدت أنشطة كثيرة تناسب احتياجات الطفل، وتنمي شخصيته من الجوانب كافة، فتوجد أنشطة الحياة العملية، وتشمل الحياة اليومية والرعاية الذاتية والأنشطة الحسية فضلًا عن أنشطة التعليم المختلفة.

فمع أن هذا المنهج يعطي المتعلم الحرية في اختيار الأنشطة التي يمارسها، لكنها تبقى في إطار محدود، بمعنى أن الطفل عليه الالتزام بمجموعة من القواعد الأساسية واحترام البيئة والآخرين.

وهذا ينطبق أيضًا على بيئة المنزل، يجب وجود قواعد ونظام يلتزم به الجميع، الكبار قبل الصغار، لا يسمح بتجاوزه، وإلا يتعرض للعقاب، فيجب أن يفهم الطفل العادي أو التوحدي أنه يجب احترام النظام داخل البيت.

اقرأ أيضًا: تعرف على بيئة التعلم في منهج منتسوري

الاستقلالية والتعلم الذاتي

تعتمد فلسفة منتسوري في التعليم على فكرة الاستقلالية والتعلم الذاتي للمتعلم، فلا مكان للتلقين والتحفيظ وحشو أدمغة الأطفال، وإنما التركيز على تعلم الطفل على نحو فردي يناسب قدراته وإمكاناته، ومراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، فالعبرة بقدرات الطفل، وليس مرحلته السنية.

يمكن لطفل طيف التوحد الاستفادة من التعلم الذاتي بما يتناسب مع قدراته وإمكاناته؛ إذ لا يوجد طفل طيف التوحد يشبه آخر على الإطلاق؛ لأنها طيف واسع من الاختلافات، وعلى هذا يمكنهم اختيار الأنشطة التي تناسب قدراتهم، وتعزز ثقتهم بنفسهم فضلًا على تنمية شعور الاستقلال داخلهم.

طفل طيف التوحد روتيني جدًّا، وأيضًا كسول جدًّا، إذا تعود على تلبية مطالبه دون بذل مجهود، ولهذا تحديدًا يطلب من الوالدين إغراق طفل طيف التوحد بعشرات بل مئات الأوامر يوميًّا لتدريبه على الاستجابة وتنفيذ ما يطلب منه، وإشغاله وعدم تركه فريسة للتوحد الذي يعدّ الوضع المحبب له، هذا يعني ضرورة العمل على تغيير صفات التوحد، وتقوية الجوانب الإيجابية لدى طفل طيف التوحد.

عندما ننظر على سبيل المثال إلى طريقة لعب طفل طيف التوحد، نجده يلعب بطريقة نمطية غير مقصودة، خالية من التنوع والابتكار، فضلًا عن افتقادهم للعب التخيلي، ولا يمكنهم الاندماج في اللعب مع أقرانهم.

اقرأ أيضًا: كم ساعة تدريب يحتاج إليها طفل التوحد يوميًّا؟

طفل طيف التوحد والتعلم باللعب

تجربة التعلم بالأنشطة المختلفة التي تنمي جوانب مختلفة في شخصية المتعلم هي جوهر فلسفة منتسوري، فطفل المنتسوري يتعلم بالتجربة الفردية والتعلم الذاتي، ويتفاعل مع المواد والوسائل التعليمية بالتجربة العملية، وليس الكلام النظري والتلقين.

بالنظر إلى طفل طيف التوحد نجد أن هذا الأسلوب -التعلم بالأنشطة- له أهمية كبيرة؛ إذ يحسن المهارات الحركية الدقيقة والكبرى، ويحسن من تفاعلهم الاجتماعي مع أقرانهم، فالأنشطة تساعد طفل طيف التوحد على التفاعل مع الآخرين، والتعاون معهم.

في هذه الأنشطة يمكن لطفل طيف التوحد أيضًا تعلم بعض المفاهيم الأساسية؛ مثل: الألوان والأشكال والأعداد، وغيرها من الوسائل والمواد التعليمية التي تستخدمها فلسفة منتسوري في التعليم.

فضلًا عن أن التعلم باللعب يعزز لدى طفل طيف التوحد قيمة يفتقدها، ألا وهي اللعب التخيلي والقدرة على التفكير خارج الصندوق، والتغلب على النمطية والتكرارية في حركاته وسلوكاته.

من بين مزايا اللعب بالأنشطة لطفل طيف التوحد أنها وسيلة فعالة لتقليل التوتر والقلق وتفريغ الطاقة الزائدة لديه، كل ذلك يتوقف على حسن اختيار المواد والوسائل التعليمية التي تناسب إمكانات وقدرات طفل التوحد، التي تختلف من طفل لآخر.

اقرأ أيضًا: ما جدوى إلحاق طفل التوحد بالحضانة العادية؟

طفل طيف التوحد والأنشطة الحسية

يتميز منهج منتسوري بأنه يستخدم مواد حسية مختلفة ومتنوعة من واقع بيئة الطفل لكي تغطي مجموعة واسعة من المجالات التعليمية، فضلًا عن أنها مصممة على نحو يشجع على التعلم النشيط، وتجذب انتباه الطفل، وتغطي أهدافها جميع جوانب النمو.

من بين هذه الوسائل صناديق اللمس، وألواح الصوت، والألعاب البصرية، وأقراص الألوان، وقطع قماش لتمييز الملابس، التي تناسب أطفال التوحد كونهم أكثر استجابة للمواد التي تشتمل على عناصر حسية متعددة؛ مثل: اللمس والسمع.

منتسوري والتواصل عند أطفال التوحد

يواجه طفل طيف التوحد صعوبات في التواصل مع الآخرين، سواء لفظيًّا أم غير لفظي، فبعض أطفال طيف التوحد نحو 30% يعانون تأخرًا في تطوير مهارات اللغة والتواصل اللفظي، ثم يواجهون صعوبة في استخدام اللغة على نحو فعال للتواصل مع الآخرين.

فضلًا على أن أطفال طيف التوحد يعانون صعوبة في فهم واستخدام الإشارات والرموز غير اللفظية؛ مثل: تعبيرات الوجه والجسد والإيماءات وغيرها، إلى جانب صعوبة فهم مشاعر الآخرين والتفاعل معهم على نحو مناسب، ولذلك يغلب عليهم العزلة والانفراد بالذات ورفض مخالطة الغير إلا لضرورة أو مصلحة.

يتيح منهج منتسوري لأطفال طيف التوحد التفاعل سواء على نحو فردي مستقل، أم ضمن مجموعات عمل صغيرة، وهو ما يعد علاجًا لمشكلة التفاعل والتواصل لأطفال طيف التوحد.

اقرأ أيضًا: ماريا منتسوري.. عندما يقودك الشغف إلى الطفل

تطوير المهارات الحياتية

ليس هذا فحسب، فمنهج منتسوري يركز أيضًا على تطوير المهارات الحياتية العملية لأطفال طيف التوحد، التي يحتاجون إليها في حياتهم اليومية، فواحدة من مشكلات طفل طيف التوحد تكمن في عدم القدرة على التكيف مع التغيرات في البيئة أو الروتين اليومي، وهو ما يظهر بوضوح في مقاومته لأي تغيير أو تعديل يطرأ على روتينه اليومي.

على سبيل المثال أدوات الطهي التي تضم الأواني والأدوات التي تُستخدم في أنشطة الطهي، وغيرها من الأدوات والوسائل التي تساعد الأطفال على تطوير مهارات الحياة العملية؛ مثل: خلط المواد، قياس المكونات، وتنظيم المطبخ.

وتوجد أدوات التنظيف التي تشمل أدوات؛ مثل: المماسح والمكانس الصغيرة التي تُستخدم لتعليم الأطفال كيفية تنظيف وترتيب البيئة المحيطة بهم، وأيضًا أدوات الرسم والتلوين؛ مثل: الأقلام والألوان، وأدوات الفن الأخرى التي تساعد الأطفال على التعبير عن نفسهم بالرسم والتلوين.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة