كيف يمكن استخدام مهارات التجسس في الحياة اليومية؟

كلما تُذكر كلمة الجاسوسية، تتبادر إلى أذهاننا صور شخصيات هوليوود. فكثيرون مغرمون بمغامرات جيمس بوند وهو يرتدي بدلة رسمية، ويقود سيارة أستون مارتن دي بي 5 في مهمته الأخيرة، أو ردود أفعال جيسون بورن الآلية وقوته الخارقة عندما يتصدى لمهاجمين. ولكن حقيقة التجسس غالبًا ما تكون أكثر بساطة إن لم تكن أكثر تفاهةً. 

وفي مقال نشرته مجلة تايم، اعترف جيريمي هورويتز، رئيس أكاديمية إنترفور الأمريكية بأن خبرته مع الجواسيس وسنوات من البحث في عالم الاستخبارات قادته لاستنتاج أن مهنة التجسس تعتمد على تنمية العلاقات بعناية أكثر من مطاردات السيارات عالية السرعة أو تبادل إطلاق النار الدرامي.

وعلى الرغم من أن التجسس في الحياة الواقعية قد يفتقر إلى الحركة الانفجارية التي تتسم بها مؤامرات التجسس في هوليوود، فإن المهارات التي يستخدمها ضباط وكالة الاستخبارات المركزية لا تقل إثارة للاهتمام عندما يكشف النقاب عنها، وهي مفيدة على نحو مدهش أيضًا في حياتنا المهنية وحياتنا اليومية.

جمع المعلومات عن طريق الأسئلة

عندما يلتقي الجاسوس بمجند محتمل، فإنه يدرس الشخص، ويجمع التفاصيل الرئيسة، بما في ذلك مكانه في التسلسل الهرمي، وآراؤه في مجموعة من الموضوعات، وما إذا كان يشعر بالتقدير في وظيفته. لكن طرح هذه الأسئلة مباشرة سيثير علامات استفهام. إن تكرار طرح الأسئلة المباشرة والحساسة من المرجح أن يجعل الشخص حذرًا أو مرتابًا؛ ما يعيق قدرة الجاسوس على تنمية علاقة طويلة الأمد بمجند محتمل. 

بدلًا من ذلك، يستخدم الجواسيس الاستفزاز لاستخلاص المعلومات التي يبحثون عنها بمهارة ودقة أكبر. وتتجذر أساليب الاستفزاز هذه -أو "المحفزات"- في السلوك البشري.

إن أحد الأسباب التي تدفعنا إلى ذلك هو ميل البشر إلى الاستجابة بالمثل في المحادثات. على سبيل المثال، إذا ذُكر الطقس، فمن المرجح أن ترد أيضًا بتعليق حول الطقس، وقد تضيف تعليقًا على موضوع مختلف أو ذي صلة دون أن يستفزك سؤال. وعلى نحو مماثل، إذا أخبرتك عن لوني المفضل، فمن المرجح أن تخبرني بلونك المفضل دون أن أحتاج إلى سؤالك. 

وبالمثل، إذا نسبت شيئًا على نحو غير صحيح إلى الشخص الذي تتحدث إليه، فسوف يصححك دائمًا. فإذا قلت له: "ألم تخبرني أن لونك المفضل هو الأزرق؟". فمن غير المرجح أن يرد ببساطة: "لا، لم أقل ذلك قط". وفي أغلب الأحيان سوف يرد: "لا، لوني المفضل هو الأخضر في الواقع". فنحن جميعًا أبطال قصتنا الخاصة، ولا توجد تفاصيل عن أنفسنا صغيرة للغاية بحيث لا يمكن تصحيحها. ويُعرف هذا المحفز الاستفزازي بالميل إلى التصحيح.

المحفزات لجمع المعلومات

وتشمل المحفزات الأخرى الإطراء. فعندما تمتدح شخصًا ما، فإنه غالبًا ما يشعر بالخجل قليلًا وينتهي به الأمر إلى الكشف عن مزيد عن نجاحه أكثر مما قد يفعل لو تم توجيه الأسئلة إليه مباشرة.

النميمة أداة استفزازية

والنميمة هي أداة استفزازية أخرى. حاول تقديم موضوع استفزازي إلى المحادثة، ثم اجلس واستمع في حين تتدفق المعلومات وتتكشف الأفكار.

وأخيرًا، غالبًا ما يستخدم الجواسيس الصمت المحرج لمصلحتهم. إن أغلب البشر لا يشعرون بالراحة في أوقات الهدوء التي يسود فيها الحديث، ويبادرون إلى التفوُّه بكلمات لكسر الصمت المحرج، وما يقال في هذه اللحظات قد يكون كاشفًا للغاية.

وأشار هورويتز إلى أن الاعتبار الأول الذي يحترمه كل الجواسيس هو أنهم يدركون أن كل البشر تقريبًا، بغض النظر عن عيوبهم، يتمتعون بميزة واحدة في الأقل، وهي نواة من الإنسانية يستطيع الجاسوس التركيز عليها. فقد يكون المجرم عضوًا مخلصًا في الأسرة، أو قد يشارك الإرهابي في أعمال خيرية. ومن خلال البحث تحت السطح لكشف هذه الصفات الإيجابية، يصبح الجواسيس قادرين على إقامة علاقات حتى بالأفراد الأكثر إثارة للذم.

الضعف يعزز الألفة

ثانيًا، يستغل الجواسيس المبدأ القائل إن الضعف يعزز الألفة. فبواسطة تبادل المعلومات الشخصية وإظهار نقاط ضعفهم، يعمل الجواسيس على تسريع تطوير العلاقات وسد فجوة الألفة مع أولئك الذين يزرعونهم عملاء لهم.

وأضاف هورويتز: "في الواقع، أشهد بانتظام هذا المفهوم يتجسد في حياتي الخاصة. قبل أكثر من عقد من الزمان، خضعت لعملية جراحية لإزالة ورم في المخ؛ ما أدى إلى فقدان السمع في أذني اليسرى. غالبًا ما يظهر هذا في بيئات العمل عندما أحتاج إلى إعادة وضع نفسي لأسمع على نحو أفضل. عندما أشارك هذه القصة الشخصية وأُظهر الضعف، يحدث شيء رائع.

في كل مرة تقريبًا، يستجيب الشخص الذي أتعامل معه بالطريقة نفسها ويشاركني معلومة شديدة الخصوصية عن نفسه أو أحد أحبائه. ورغم أنه لم يواجه الجميع مأساة، فقد واجهنا جميعًا سوء الحظ، وهذه التجربة المشتركة تعزز الاتصال". 

ويضيف: "يستخدم الجواسيس هذا التكتيك على نحو متكرر، فيكشفون عن تفاصيل شخصية حقيقية لبناء علاقة طيبة بأهدافهم. على سبيل المثال، أخبرني أحد الجواسيس أن مناقشة ابنه المصاب بالتوحد ساعدته على التواصل على نحو أعمق مع العملاء الذين لديهم أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة".

ولكن الفضول الفكري يمثل جوهر مجموعة أدوات العلاقات التي يستخدمها الجاسوس. على سبيل المثال، في "المزرعة" ـ منشأة التدريب الشهيرة التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في فيرجينياـ كثيرًا ما يقترن المتدربون بمدربين من خلفيات مختلفة على نحو ملحوظ، ويُكلفون بتكوين علاقات حقيقية.

ويتذكر جون سيفر، وهو من قدامى المحاربين في وكالة الاستخبارات المركزية، أنه نشأ في بيئة حضرية من الطبقة المتوسطة العليا، ويتذكر أنه قُرن بشخص من خلفية ريفية في تمرين تدريبي، وكان هدفه صيادًا شغوفًا بالغزلان، ولم تكن مهمة جون التظاهر بأنه يعرف كل شيء عن صيد الغزلان؛ لأنه لم يمارس الصيد قط، بل كان عليه ببساطة أن يُظهِر فضولًا صادقًا، وأن يدفع ذلك الشخص إلى الحديث.

مهارة الاستماع النشيط

ولكن قد تكون المهارات الأكثر قيمة للجاسوس -وأي شخص مهتم حقًّا ببناء العلاقات- هي ممارسة الاستماع النشيط. كل المهارات والأساليب المذكورة سابقًا تخدم في النهاية الهدف الأكبر المتمثل في الاستماع باهتمام وحث الشخص الآخر على التوضيح بأسئلة توضيحية. عندما نشعر بأننا مسموعون، نشعر أيضًا بالاحترام، وهذا الاحترام أساسي لبناء علاقات قوية.

مهارة الاستماع النشيط

ولكن الاستماع النشيط أمر صعب. فكثير منا يستمع بنية الرد وليس الفهم الحقيقي. لقد تطورنا لنستوعب بسرعة أجزاء صغيرة من المعلومات ثم نصيغ ردًّا. ولكن إذا تمكنت من التركيز على هدفك، والحفاظ على اتصال بصري ثابت، وتهدئة لغة جسدك، والسماح لهدفك بالتحدث ببساطة، فقد تفاجأ بمدى سرعة شعور هدفك بالحب والارتباط بك. 

قد يكون من المخيب للآمال أن نعلم أن الجواسيس أقرب إلى الأطباء النفسيين أو المعلمين العظماء من أبطال الحركة مثل جاك رايان الذين يقفزون من طائرات الهليكوبتر. في الواقع، تكمن مهاراتهم الأكثر بروزًا في قدرتهم على تكوين روابط عميقة مع الناس، حتى خصومهم.

في عالمنا المتزايد الاستقطاب، فإن هذه القدرة على التواصل هي شيء يمكننا جميعًا أن نتعلم منه ونطبقه في حياتنا اليومية، وهذا يجعل الجواسيس رائعين جدًّا في كتاب هورويتز الذي يحمل عنوان "كيف تبيع بمهارة الجاسوس".

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة