كيف يدل مرضك المزمن على شخصيتك ؟

يعبر المرض عن صراعات داخليَّة تجري في أعماقنا، إنه خروج عن الانسجام الداخليِّ في حالة الصحة، وهو خطأ في التوازن الجسديِّ النفسيِّ. وفي الواقع لا يوجد إنسان سليم لا يسقم، ولا يوجد إنسان مثالي لا يمرض؛ فالمرض هو الوجه الآخر للصحة، إذ كيف نعرف نعمة الصحة إذا لم يعرف جسدنا المرض.

اقرأ أيضاً 10 طرق للحفاظ على الصحة.. الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء

هل المرض صديق نافع أم عدو ناقم؟

العافية نعمة بكل صورها: العافية في البدن، العافية في النفس، العافية في العقل، وكلها تشكل مفهوم الصحة الجسديَّة - النفسيَّة أي الماديَّة والمعنويَّة.

 الإنسان وجهان لعملة واحدة، فهو جسد ونفس، والذي يقول إن الإنسان مجرد جسد ماديٍّ وأخلاط كيميائيَّة، وشبكات عصبية، فهو مخطئ؛ فأين يذهب بمفهوم المشاعر والعواطف والوجدان والضمير والحب والكره والعشق والمقت؟ في الحقيقة لا نستطيع أن نغالط التجربة، فهذا هو الواقع.

الإنسان قلب نابض مغطى بجسد متحرك، ونفس تترجم الجوارح تطلعاتها وآمالها، إذن لا بد للإنسان أن يمرض بسبب هذا التكوين الخاص.

 ولكن الأمراض ليست على درجة واحدة؛ فهي متنوعة جدًّا بتنوع البشر، بل متنوعة أكثر مما نتخيل، وكل الأمراض تعكس شخصية الإنسان ودواخله.

قد يفاجئك هذا الكلام الذي ربما تسمعه لأول مرة، فإذا استثنينا الأمراض الخمجيَّة والالتهابيَّة بالجراثيم والفيروسات والطفيليات، فإن بقية الأمراض تعبر عن شخصيتك بل تكشف عن مناطق مظلمة لا يعرفها أحد عنك. الإنسان عامة يعيش في حالة صراع داخليٍّ وخارجيٍّ.

فالصراع في داخله لا يشعر به حتى وإن أصيب بزكام بسيط، فإن الجسد من الداخل يتأهب، ويستنفر الجهاز المناعي ويعطي أوامره كي يطرد الجسم الغريب.

اقرأ أيضاً طرق وعادات هامة للوقاية من الأمراض والأوبئة

دور المرض في حياة الفرد

المرض قانون يجري على كل البشر تمامًا كما تجري حالات الضعف والعجز والموت عليهم. يقول دكتور برويتيغام في الكتاب المسمى: (الكتاب المدرسيُّ في الطب النفسيِّ البدنيِّ) لقد أحصيت أمراض عمال وموظفين في أحد المعامل، والذين لم يكونوا يعدون مرضى.

فوجدت عندهم شكايات جسديَّة ونفسيَّة مختلفة، كتلك التي توجد في المشافي تمامًا ولا سيما حالات اعتلال المزاج والقلق وشكايات المعدة والتهاب البلعوم وعسر الطمث.

 علينا أن نوقن أن فكرة الإنسان السوبر الذي لا يمرض هي فكرة ليست حقيقية أبدًا، وهي فكرة واهمة، فالإنسان لا يستطيع تجنب المرض ولا القضاء عليه مطلقًا، مهما تقدم العلم بشكل عام والطب بشكل خاص، لا بد من المرض، ليست نظرية تشاؤمية ولكنها الحقيقة الواقعية، المرض يبدد أوهام العظمة والغرور عند هذا الكائن العجيب المدعو الإنسان.

عندما يقول المرء: (أنا) بغطرسة وغرور وتكبر، فإن هذه (الأنا) تتضخم وتنتفخ وتمرض، وتبتعد عن الصحة المتمثلة هنا في (الإيثار والمحبة) عندها يأتي المرض الماديُّ ليعاوض الانحراف.

ويدفع المرض إلى الجهة المقابلة كي يوازن ما حدث للإنسان في داخله ولو عن طريق ما يبدو لنا ظاهريًّا أنه سوء، ولكن في واقع الأمر يدفعه نحو طريق الصحة.

 يحاول الطب من خلال تقدُّمه أن يوسع إجراءاته الوقائيَّة بصوره متزايدة، وأن يوجد حلولًا لمختلف المشكلات الصحية، ولكن مهما تقدم الطب فهو لن يستطيع إنهاء المرض من حياه البشرية بشكل كليٍّ، فالمرض لا بد منه، المرض قدر المريض، وهو تصحيح لحالة ضعف.

اقرأ أيضاً تجربة حياتية عن الصحة والعلاج الطبيعي

العلاقة بين المرض والصحة

إذن المرض ينتمي إلى الصحة ولا يعاديها، كما يبدو في الظاهر، تمامًا كما ينتمي الموت إلى الحياة، المرض هو ذلك الحكيم الذي يضع يده على مواطن ضعف الإنسان وعلى عجزه وتخاذله، في الوقت الذي يشعر فيه الإنسان أنه سيد العالم.

ويكفي ألم في واحد من الأسنان يأتي في الليل، أو مغص أو إسهال حاد أو صداع في الرأس أو ألم في الأذن الوسطى يكفي لتنبيه الإنسان من غفلته، وإعادته إلى حجمه، وتذكيره بعجزه، وضعفه، وهذا بالضبط الذي نكرهه في المرض، أن يذكرنا بعجزنا.

 المرض ليس سيئًا أو مكروهًا كما يراه كثيرون، إنه نقطة انعطاف تحوِّلنا نحو الصحة من جديد، إذن علينا أن نفهم أمراضنا وماذا تريد أن تقول لنا، ولماذا ظهرت هذه الأمراض بالذات في هذا الوقت من حياتنا على مسرح جسدنا.

 المرض يقودك إلى الشفاء من جديد، بعد أن أصلح خللًا فيك لم تكن تعرفه، يدلك على طريق الشفاء الحقيقي لأنه يشير لك إلى نقاط ضعفك كي تتجنبها، ويساعد جسدك في إصلاح خلل في أعماقك. إذن الألم ضروري في الحياة، والمرض ضروري للصحة. والآن سأقدم مثلًا عن مرض يخبر عن شخصية صاحبه: مرض الضغط المنخفض. 

اقرأ أيضاً ارتفاع ضغط الدم (القاتل الصامت) ما هي أسبابه وما هي طرق علاجه

صاحب الضغط المرتفع أو المنخفض

 الضغط الدمويُّ يعبر عن التأثير المتبادل بين الدم وجدران الأوعية الدمويَّة التي تحاول مقاومة جريان الدم فيها، والدم يرمز إلى الحياة فهو سائل الحياة، ولولاه لما كنا على الأرض.

 صاحب الضغط المنخفض شخصية مسالمة، لا تحاول أن تبرز نفسها على أنها شخصية فاعلة قويَّة، بل تتجنب كل أشكال الصراع، وإذا حدثت مشكلة من نوع يقتضي المقاومة فإن صاحب الضغط المنخفض يستنكف ويهرب وينسحب نحو الداخل ولا يريد أن يواجه الخارج.

وعندها لا تعود جدران الأوعية قابلة للمقاومة المجدية، وتعجز عن دفع الدم نحو الدماغ فيشعر المريض بالدوار، وقد يُغمى على صاحب الضغط المنخفض إذا تأثرت مشاعره بشكل جديٍّ، وينسحب، وانسحابه يعني أنه لم يعد له وجود حقيقي أمام المشكلة. بل يكون قد هرب منها بالفعل.

المصاب بانخفاض ضغط الدم لا يريد أن يقاوم أحدًا، أو أن يتحمل مشكلة، أو مسؤولية أُلقيت على عاتقه، هذا الشخص ليست لديه روح المغامرة، ولا يملك القدرة على التحدي، واكتشاف المجهول، وهذا نجده عند الإناث أكثر من الذكور بسبب طبيعة جسدية وكذا طبيعة هرمونية مختلفة.

طرق متنوعة للتخلص من المرض

الهرمونات الأنثوية تساعد وبقوة في سرعة الانسحاب نحو الداخل، وبهذا تتعاون الصفات الجسديَّة والنفسيَّة معًا فتتفاقم المشكلة. فما هو العلاج؟

العلاج الأصلي قبل اللجوء إلى حبات الدواء ودواعم الدم والفيتامينات والمعادن والمقويات بكل أشكالها، هو تعليم النفس المقاومة، وبذل الجهد، وتحدي المصاعب، والوقوف في وجه المشكلات من أجل حلها.

وتوجد طريقة يعترف بها الطب التجريبي التقليدي وهي طريقة تطبيق المعالجة بالماء والرياضة والغذاء، وهي مطبقة في الطب المدرسيِّ، وتدخل ضمن نطاق توظيف الطاقة الحركيَّة لتحسين الصحة النفسيَّة، وقد طبق الطريقة القس الكاثوليكي (سباستيان كنايب) على نفسه فكانت ناجحة جدًّا.

إذن اعترف بمرضك وتقبَّله على أنه لمصلحة جسدك ونفسك وكينونتك كلها، عندها تساعد نفسك ليس في التخلص من مرضك فقط بل في إصلاح خلل كامن في أعماق شخصيتك لم تكن تعرفه. 

درست الصيدلة واللغة العربية وكتبت مقالات متنوعة في دوريات محلية وعربية ومنها الحقيقة و المعرفة والمجلة العربية والأصالة اللبنانية ، وكتبت مقالات علمية و أدبية وكتبت الشعر الموزون والتفعيلة والقصص الأدبية والخواطر الإنسانية والموضوعات ذات الطابع التاريخي- الإنساني، وخاصة التي ترتكز على علم ( البيوغرافيا) حاضرت في مراكز ثقافية متنوعة بدعوة من المراكز في مواضيع شتى منها العلمي و منها الأدبي. قمت بتحقيق مخطوط الزاهر في الأحاديث والحكم والذخائر بالتعاون مع نخبة من الأستاذة الكرام على مستوى العالم العربي.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

مقالات ذات صلة
ديسمبر 4, 2023, 9:23 م - أميرة الحسن رشاد
نوفمبر 26, 2023, 8:03 ص - رولا حسن ابو رميشان
نوفمبر 11, 2023, 8:30 ص - عبدالرحيم أعطار
نوفمبر 1, 2023, 9:43 ص - رانيا رياض مشوح
أكتوبر 31, 2023, 9:30 ص - محمد غنيم
أكتوبر 30, 2023, 11:12 ص - جوَّك صحة
أكتوبر 18, 2023, 11:55 ص - اسامه غندور جريس منصور
أكتوبر 17, 2023, 11:44 ص - على محمد على خلف
أكتوبر 13, 2023, 12:13 م - ريم محمد الأحمد
أكتوبر 12, 2023, 5:18 م - سارة فاضل أبوعرب
أكتوبر 11, 2023, 11:46 ص - عبدالحليم ماهاما دادولا عيدالرحمن
أكتوبر 7, 2023, 12:24 م - احمد نظمى محمد
أكتوبر 5, 2023, 3:15 م - عمر بكر عبدالحكم
سبتمبر 29, 2023, 11:37 ص - أسامه فتح الصيادي
سبتمبر 23, 2023, 7:41 م - جمال عبدالرحمن قائد فرحان
سبتمبر 21, 2023, 4:27 ص - محمد الخميسى
سبتمبر 20, 2023, 6:39 ص - تريز سعدالله غنيم
سبتمبر 18, 2023, 12:49 م - رانيا رياض مشوح
سبتمبر 17, 2023, 1:02 م - السيد احمد هجرس
سبتمبر 17, 2023, 7:08 ص - فريال محمود لولك
سبتمبر 16, 2023, 1:01 م - اسامه غندور جريس منصور
سبتمبر 13, 2023, 12:42 م - ياسر الجزائري
سبتمبر 12, 2023, 12:52 م - إيمان حسن محمد
سبتمبر 11, 2023, 6:57 م - نافز احمد ابوزر
سبتمبر 11, 2023, 9:14 ص - نافز احمد ابوزر
سبتمبر 5, 2023, 11:07 ص - أبرار عليان العوفي
أغسطس 30, 2023, 7:04 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 30, 2023, 3:49 م - قيس شهبي
أغسطس 28, 2023, 4:26 م - نافز احمد ابوزر
أغسطس 28, 2023, 4:09 م - نافز احمد ابوزر
أغسطس 27, 2023, 8:18 م - علاء الدين مرتضى محمد ابوقورة
أغسطس 27, 2023, 4:25 م - عمر عبدالله عمر
أغسطس 25, 2023, 5:29 م - جود معاذ الرفاعي
أغسطس 24, 2023, 7:25 م - مايا عز العرب عزالدين
أغسطس 24, 2023, 9:00 ص - سيد محمود عبدالمنعم
أغسطس 23, 2023, 6:01 م - سيد محمود عبدالمنعم
أغسطس 23, 2023, 7:06 ص - رانيا رياض مشوح
أغسطس 22, 2023, 5:38 م - اسامه محمد عبدالله محمد الكامل
أغسطس 22, 2023, 2:19 م - اسامه محمد عبدالله محمد الكامل
أغسطس 22, 2023, 11:44 ص - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 21, 2023, 3:42 م - جود معاذ الرفاعي
أغسطس 17, 2023, 10:04 ص - فاطمة عبدالله عبدالنبي علي
أغسطس 16, 2023, 3:10 م - رولان رياض مشوح
أغسطس 16, 2023, 11:55 ص - رضوان عبدالله سعد الصغير
أغسطس 16, 2023, 8:24 ص - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 15, 2023, 7:47 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 14, 2023, 10:18 ص - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 13, 2023, 8:26 م - محمد أمين العجيلي
أغسطس 13, 2023, 7:13 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 12, 2023, 7:44 م - محمد عبدالله جعفر بن يحيى
أغسطس 12, 2023, 7:16 ص - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 11, 2023, 4:24 م - محمد أمين العجيلي
أغسطس 10, 2023, 8:40 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 10, 2023, 4:38 م - اسامه غندور جريس منصور
أغسطس 10, 2023, 4:25 م - جمال أشرف مصطفى
أغسطس 10, 2023, 1:37 م - سارة أحمد
أغسطس 10, 2023, 12:48 م - أحمد توفيق عبدالله الوايلي
نبذة عن الكاتب

درست الصيدلة واللغة العربية وكتبت مقالات متنوعة في دوريات محلية وعربية ومنها الحقيقة و المعرفة والمجلة العربية والأصالة اللبنانية ، وكتبت مقالات علمية و أدبية وكتبت الشعر الموزون والتفعيلة والقصص الأدبية والخواطر الإنسانية والموضوعات ذات الطابع التاريخي- الإنساني، وخاصة التي ترتكز على علم ( البيوغرافيا) حاضرت في مراكز ثقافية متنوعة بدعوة من المراكز في مواضيع شتى منها العلمي و منها الأدبي. قمت بتحقيق مخطوط الزاهر في الأحاديث والحكم والذخائر بالتعاون مع نخبة من الأستاذة الكرام على مستوى العالم العربي.