في بعض الليالي الشتوية الباردة، يصدر من السماء صوت قوي يشبه الانهيار، وكأنما بناية عملاقة تتهدم، وهذا الصوت يُثير الرعب في قلوب كثيرين؛ إذ يظن البعض أن السماء غاضبة وأنها على وشك أن تتمزق غضبًا.
لكن الحقيقة أن هذا الصوت المرعب هو صوت الرعد، وهو ظاهرة طبيعية سنتعرف على أسبابها بشيء من التفصيل في هذا المقال.
ما الرعد؟
الرعد ظاهرة طبيعية تصاحب البرق وهو ضوء قوي ينير السماء لثوانٍ، قد يكون مصحوبًا بظهور شرارات كهربائية في السماء، ثم يتبعه صوت انفجار ضخم مكتوم، وهو صوت الرعد.
والبرق يسبق الرعد؛ لأن سرعة الضوء تفوق سرعة الصوت، وتحدث هذه الظاهرة في أثناء العواصف الرعدية في ليالي الشتاء، وقد يصحبها سقوط أمطار أحيانًا.
ما سبب حدوث الرعد؟
في الحلقات السابقة، تحدَّثنا عن طبقات الغلاف الجوي، وعرفنا أن بعضها يحتوي أيونات وشحنات كهربائية، ونتيجة لذلك تحدث بعض التفاعلات الكيميائية في السماء، وهو ما يجعل الغلاف الجوي غير مستقر. ومن المعروف أن السحاب والغيوم تسير في السماء، والسحاب يتكون من جزيئات من بخار الماء والغبار، ومعروف أن الماء مركب كيميائي أصلًا يتكون من ذرتين من الهيدروجين مع ذرة أكسجين واحدة.
في شرح طبقات الغلاف الجوي، ذكرنا أن الهيدروجين هو أكثر الغازات انتشارًا في الجو لخفة وزنه؛ لذا فإن التقاء سحابة بأخرى مشحونة بشحنة كهربائية معاكسة لها ينتج عنه ما يسمى بتفريغ الشحنات، وتسخين الهواء المحيط بالسحابتين في الغلاف الجوي المشحون أصلًا.
تخيَّل أن تضع إصبعك في مقبس كهرباء نشيط، إن جسمك سيضيء ويهتز؛ لأن شحنات جسمك تفاعلت مع الكهرباء، وقد يصدر منك صوت أزيز مع شرارات كهربائية كثيرة، وهذا تبسيط لما يحدث في السماء.
فالسحاب مشحون بشحنات كهربائية، والغلاف الجوي كذلك في إحدى طبقاته، والسحاب يسير بحرية بفعل الرياح، فما إن تتقابل سحابة مع أخرى تعاكسها في شحناتها حتى تحدث الشرارات الكهربائية التي نراها في صورة برق يضيء السماء، في حين أن الرعد هو صوت انفجار نتيجة حدوث هذا التفريغ للشحنات.
ومثل أي تفاعل كيميائي ينتج عنه طاقة حرارية تعمل على تسخين الهواء المحيط بالسحابتين، قد تصل إلى 30 ألف درجة مئوية، فيتمدد الهواء وتحدث هذه الفرقعة القوية التي نسمعها.
بطريقة طريفة، يمكنك وصفها بحدوث شجار بين سحابة وأخرى في السماء، وهذا هو صوت اعتراضهما، لكن الرعد يظل ظاهرة مخيفة ومرعبة حتى يخيل إليك أن السماء نفسها هي من تتشاجر أو أنها قد أعلنت غضبها على سكان الأرض.
كيف تحدث العواصف الرعدية؟
إن العواصف الرعدية قد تحدث في أي وقت من العام، فهي غير مرتبطة بوقت معين من السنة، وتحتاج إلى ثلاث مكونات أساسية، وهي: الرطوبة، والغلاف الجوي غير المستقر، والرياح لتحريك الهواء.
فالرعد هو طاقة عالية تنتج بسبب شحنات كهربائية متنافرة في السماء، والعواصف الرعدية تكون بسبب حدوث هذه العملية أكثر من مرة في وقت واحد، ولا سبيل لتخفيف تلك الشحنات إلا بهطول الأمطار، ما يساعد على التخلص من شحنات الماء تلك في انتهاء هذه التفاعلات وعودة الاستقرار إلى الغلاف الجوي.
وما سبق هو شرح مبسط لظاهرة الرعد، لأنها ظاهرة فيزيائية بوجه عام، يكفيك أن تعرف أنها تعتمد على الشحنات الكهربائية والتفاعلات الكيميائية الحادثة نتيجة الغازات الموجودة بالغلاف الجوي.
ماذا تفعل في العواصف الرعدية؟
لأن العواصف الرعدية والبرق والرعد تفريغ شحنات، توجد أشياء عليك الالتزام بها في حالة حدوث عاصفة رعدية وأنت بالخارج، منها:
ابحث عن أي مكان مغلق
مثل المنزل أو السيارة واغلق بابك جيدًا، ولا تمكث في الشارع حين حدوث عاصفة رعدية والبرق يضرب عنان السماء بكثافة، ولا يدفعك الفضول للتوقف وسط الشارع ومشاهدة هذه الظاهرة بين الصواعق، فقد يكون الطقس مثيرًا للبعض ممن يحبون المغامرة للسير وسط هذا الجو، لكنك لن تشعر بنفس المتعة والبرق يضرب جسدك؛ لأنك أنت أيضًا محمل بالشحنات الكهربائية الجاذبة.
ابتعد عن الماء
فلا تسير بجانب بركة من الماء أو بجانب عمود كهرباء، ولا أي جسم معدني مثل كابينة الهاتف مثلًا أو عمود الإنارة؛ لأنها مواد موصلة للكهرباء، ولا تنسَ أن الماء أصلًا يتكون من الهيدروجين، وإذا كنت تسبح في الماء فاخرج منه فورًا.
ربما لهذا السبب ترى صواعق البرق تضرب الأشجار وعواميد الكهرباء وتتسبب في إحراقها، فالبرق والرعد ظاهرتان طبيعيتان، لكنهما ليستا للمشاهدة والتسلية، وإنما للتأمل في خلق الله تعالى، وكأنما السماء غاضبة وتصبُّ غضبها على أهل الأرض في صورة شرارات كهربائية وحرائق، ولا ننجو منها إلا بفضل الله.
المراجع
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.