كيف يؤثر المحتوى الرقمي الرديء على عقولنا وطرق الحماية منه

كل لحظة من لحظات حياتنا وكل ما نراه أو نسمعه يترك بصمتهُ في عقولنا، حتى الألوان والأصوات في محيطنا، والأشخاص الذين نتعامل معهم، والأحداث اليومية التي نمر بها. كل ذلك يؤدي دورًا كبيرًا داخل بيولوجية أدمغتنا، ومن ثم ينعكس على طريقة تفكيرنا وعواطفنا وسلوكياتنا.

لعقود طويلة، كان يُعتقد أن الدماغ بمجرد اكتمال نموه يصبح ثابتًا وغير قابل للتغيير، لكن البحوث الحديثة أثبتت أن الدماغ ديناميكي، قادر على تغيير بنيتهِ ووظائفه طوال الحياة. وواحدة من أكثر المفاهيم إثارة في علم الأعصاب هو مفهوم "المرونة العصبية"، التي تظهر قدرتهُ على التكيُّف وإعادة تشكيل نفسهِ استجابة للتجارب والتغييرات في البيئة.

فالطريق الذي تسلكهُ، وكل ما تراهُ وتسمعهُ وتتعامل معه باستمرار، من أشخاص وصور وأصوات في بيئتك المادية، يُعيد تكوين أدمغتنا عن طريق تعديل وإعادة تنظيم الاتصالات العصبية بين الخلايا، لنصبح متوافقين مع ما يحيط بنا بطريقة تفكيرنا وشعورنا وسلوكنا.

وبتأثير البيئة المادية على الدماغ، ظهر ما يسمى "تعفن الدماغ"، وهي حالة من التدهور المعرفي والضبابية تُصيب عقولنا نتيجة التعرض المفرط للمحتوى الرقمي الرديء.

تعفن الدماغ وعلاقته بالمحتوى الرقمي الرديء

مصطلح "تعفن الدماغ" ليس مصطلحًا علميًّا، ولكنه يُستخدم لوصف حالة من الضبابية على العقل وتدهور قدراتهِ الإدراكية نتيجة التعرض المستمر لمحتويات رقمية رديئة، ويُستخدم للتعبير عن التأثير السلبي لاستهلاك العقل في أنشطة رقمية دون قيمة، مثل تصفح وسائل التواصل الاجتماعي بلا هدف، أو مشاهدة مقاطع فيديو قصيرة دون أي غرض تعليمي أو فكري.

فنجد وسائل التواصل الاجتماعي تعج بالأخبار الزائفة والمضللة التي تنتشر بسبب عناوينها المثيرة والميمات السطحية التي تستهلك الوقت دون قيمة، ومقاطع التحديات غير المفيدة، وصراعات لفظية ودرامية بين المشاهير. وأحد أسباب ذلك الانتشار للمحتويات الرقمية السطحية هو سهولة الإنتاج والاستهلاك والخوارزميات الموجهة للربح التي تستهدف المحتوى الأكثر إثارة للجدل بدلًا من المحتوى ذي الجودة والقيمة الغنية.

وبينما يستمر جذب الملايين بفضل تلك الخوارزميات، فإنه يحمل تداعيات شديدة الخطر على المستوى النفسي والاجتماعي، ومنها:

التحديات النفسية للمحتوى الرقمي الرديء

  1. الإدمان الرقمييستخدم المحتوى الرديء تقنيات لجذب الانتباه، مثل الإخطارات والمكافآت اللحظية، ما يستحوذ على إثارة الدماغ بصورة دائمة، ويجعل من الصعب تفويت ذلك.
  2. انخفاض القدرة على التركيزالمحتوى الرقمي السطحي يعزز التبديل السريع بين المنشورات والمقاطع القصيرة، ما يحفز النمط العقلي القائم على التشتت، ويجعل من الصعب التركيز فيما بعد على أي مهام تتطلب التفكير العميق.
  3. فقدان الإبداع والتفكير النقديعندما يصبح المحتوى المستهلك سطحيًا ومكررًا، يقل التحفيز الفكري الذي يشجع على التفكير الإبداعي والنقدي المعتمدين على التعرض لمعلومات غنية ومتنوعة.
  4. الإرهاق العقليالتعرض اليومي للكم الهائل من تلك المحتويات الرقمية الرديئة يجعل الدماغ غير قادر على معالجة المعلومات بفعالية.
  5. القلق والاكتئابالمحتوى الرقمي السطحي يعتمد على مظاهر زائفة مثالية عن حياة المشاهير والمؤثرين، فيعزز شعور الفرد بعدم الكفاية وازدراء وضعه الاجتماعي والمادي.

المحتوى الرقمي الرديء

خطورة المحتوى الرقمي الرديء

التحديات الاجتماعية للمحتوى الرقمي الرديء

  1. التنمر الإلكترونيالمحتويات السطحية، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، تشجع على التنمر والسخرية من الآخرين، ما يخلق بيئة اجتماعية غير صحية.
  2. تقليص دور الأسرة والمجتمعالاستخدام المفرط للمحتوى الرقمي الرديء يؤدي إلى تقليل دور الأسرة والمجتمع في تنشئة الأفراد، فقد يكتسب الأطفال والشباب قيمهم من هذا المحتوى بدلًا من محيط بيئتهم الواقعية.
  3. الإضرار بالهوية الثقافيةيعزز المحتوى الرقمي الرديء القيم الثقافية السطحية على حساب القيم الثقافية التقليدية للمجتمع، ما يؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي.

كيفية حماية أنفسنا من تعفن الدماغ

  1. الوعي الرقميكل مقاومة تبدأ من الوعي. والوعي بتأثير المحتوى الرقمي الرديء على أدمغتنا على المدى الطويل من شأنه أن يغير طريقة استهلاكنا له وكيفية تقييم جودة المحتوى.
  2. حدود استهلاك المحتوىتخصيص وقت يومي محدد لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي، والحد من الإدمان الرقمي.
  3. ممارسة الأنشطة الواقعيةتخصيص وقت للهوايات والأنشطة التي لا تعتمد على التكنولوجيا، كممارسة الرياضة والتواصل مع الأصدقاء والعائلة.

تعتمد حياة الإنسان كلها على قدرته على التفكير واتخاذ القرارات والإبداع، وكل ذلك يعتمد على صحة العقل. والانغماس المفرط في العالم الرقمي، ولا سيما السطحي، يؤدي إلى تدهور قدراته مع مرور الوقت. تعزيز الوعي وتطوير عادات صحية قائمة على التوازن يمكننا من حماية عقولنا، واستغلال التكنولوجيا للتقدم بدلًا من أن تكون أداة للتدهور.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة